شريعة الإسلام شريعة واسعة كاملة، اشتملت على كل ما تمس إليه حاجة البشر، حاجة الذكور والإناث في الدنيا وفي الآخرة، فذكر الله تعالى نساء الدنيا وجعل لهن أحكاما، وذكر النساء في الآخرة وذكر ثوابهن كثواب الرجال المؤمنين، وفي هذا تمام العدل والحكمة قال النبي صلى الله عليه وسلم: "أد الأمانة إلى من ائتمنك، ولا تخن من خانك". فلو خانك إنسان فلا تجازه بالخيانة، بل اصفح وتجاوز عنه حتى يثيبك الله بالحسنى ويعفو عنك، ويعاقبه على خيانته إذا كان قد تعمدها، ولربما ندم إذا رآك تعامله بهذه المعاملة وهو قد خان! فيندم ويتخلق بأخلاقك؛ فيكون عملك هذا دعوة وسببا للتخلق بهذا الخلق العظيم. لا بأس أن يكتب المسلم اسمه في طرة المصحف (جانبه) مخافة اشتباه مصحفه بغيره، فقد لا يناسبه إلا مصحفه المخصص له، ولا بأس أن يكتب بعض الفوائد على الهوامش كتفسير كلمة أو سبب نزول أو ما أشبه ذلك. إذا عرف الصغير ربه، وعظم قدر ربه في قلبه، نشأ على طاعة الله تعالى، ونشأ على محبته، وأحب عبادة الله وعظمها في صغره، وسهلت عليه وداوم عليها في كبره، وكره المعصية ونفر منها، وكره كل ما نهى الله تعالى عنه؛ حيث أن آباءه يعلمونه الخير ويؤدبونه عليه اللسان أمانة،استودعه الله عندنا وأمرنا بأن نستعمله في الذكر وفي العلم وفي التعليم وفي النصيحة وما أشبه ذلك، ولا نستعمله في غيبة ونميمة ولا في هجاء ولا في عيب وقذف وهمز ولمز وما أشبه ذلك. وهكذا بقية الجوارح أمانات داخلة في قول الله تعالى: (والذين هم لأماناتهم وعهدهم راعون) .
تفسير آيات الأحكام من سورة النور
59905 مشاهدة
معنى قوله تعالى: وَلَا تُكْرِهُوا فَتَيَاتِكُمْ عَلَى الْبِغَاءِ إِنْ أَرَدْنَ تَحَصُّنًا

...............................................................................


ثم قال تعالى: وَلَا تُكْرِهُوا فَتَيَاتِكُمْ عَلَى الْبِغَاءِ إِنْ أَرَدْنَ تَحَصُّنًا كانوا في الجاهلية، وكان بعض المنافقين يكره أحدهم مملوكته على الزنا؛ حتى تتكسب له؛ فيقول: اذهبي فابغي لنا. البغاء: هو الزنا، والبغي هي الزانية. يكرهها ويلجئها إلى أن تذهب وتزني مقابل أن تحصل على عوض ذلك الزنا الذي هو مهر البغي، ومعلوم أنه حرام، مهر البغي حرام.
ففي هذا أنه حرم أن الرجل يكره أمته ومملوكته حتى تزني، إذا زنت جاءت له بمال يقول: لِتَبْتَغُوا عَرَضَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا يعني: تكرهها لأجل أن تأتي لك بعرض يسير من متاع الدنيا، هذا العرض الذي تأتي به حرام وسحت؛ لأنه من كد فرجها؛ فتأكل أنت هذا الحرام موجب أنك تلجئها وتكرهها، لا شك أن هذا أكل حرام، وأنه إلجاء إلى هذه المسكينة التي لا تقدر أن تتمنع؛ إذ كانوا يضربونها ويقولون: اذهبي فابغي لنا، اذهبي فازني؛ حتى تأتي لنا بكسب.
أسقط الله الحد عنها؛ لأنها مكرهة فقال: وَمَنْ يُكْرِهُّنَّ فَإِنَّ اللَّهَ مِنْ بَعْدِ إِكْرَاهِهِنَّ -أي: لهن- غَفُورٌ رَحِيمٌ لأن المكرهة ملجأة وغير مكلفة؛ فتكون بذلك ملجأة على فعل لا تستطيع أن تتمنع منه.
فالحاصل أن في هذه الآيات الحث للمؤمنين على أسباب التعفف، وإبعادهم عما يقربهم من الحرام، أو الوقوع في شيء من المحرمات أو وسائلها، وذلك بحفظ الأبصار وحفظ النساء وحفظ المحارم عن أن يقعن في شيء من الفحش الذي ذكر الله تعالى عقوبته في أول السورة في قوله تعالى: فَاجْلِدُوا كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مِائَةَ جَلْدَةٍ فلما ذكر الله تعالى الزنا؛ ذكر الوسائل التي تحمي عنه، والتي توقع فيه حتى يكون المؤمن حذرا عن أن يقع في فاحشة، أو يقع في وسيلة توقعه في هذه الفاحشة، والله تعالى أعلم، وصلى الله على محمد .