تفسير آيات الأحكام من سورة النور
مكانة أبي بكر رضي الله عنه في الإنفاق
...............................................................................
كان أبو بكر اسم> -رضي الله عنه- قد ترك أمواله بمكة اسم> ولكنه كان يحسن التصرف، وكان يقدر على التكسب فكان يذهب إلى السوق ومعه شيء يسير من المال؛ فيشتري فيه ويبيع ويتكسب من ذلك ويحصل على قوت له ولعياله، ويحصل أيضا على زيادة على ذلك فيتصدق منه وينفق على ذوي الحاجات، ويعطي المساكين وينفق في سبيل الله ، ولا يخص نفسه بشيء زائد عن إخوانه المسلمين.
وكان دائما سباقا إلى الخيرات رضي الله عنه في الحديث أن النبي صلى الله عليه وسلم سأل مرة الحاضرين حوله رسم> من أصبح منكم اليوم صائما؟ قال أبو بكر اسم> أنا ثم قال: من تصدق منكم اليوم على مسكين؟ قال أبو بكر اسم> أنا ثم قال: من عاد منكم اليوم مريضا؟ قال أبو بكر اسم> أنا، فقال: ما اجتمعن في مسلم إلا دخل الجنة متن_ح> رسم> .
ذكر أنه خرج مرة، ومعه رغيف فرأى مسكينا يتكفف؛ فأعطاه ذلك الرغيف، فصار ذلك الرغيف الذي هو خبزة من بر أو من شعير صدقة، والصدقة يضاعفها الله -تعالى- أضعافا كبيرة.
وكان أيضا كثير النفقة في حديث عمر اسم> -رضي الله عنه- يقول: أمر النبي -صلى الله عليه وسلم- مرة بالصدقة فوافق ذلك عندي مالا فقلت: اليوم أسبق أبا بكر اسم> إن كنت سابقا له يوما من الدهر؛ فأتيت بنصف ما عندي، قال النبي -صلى الله عليه وسلم- ماذا تركت لأهلك؟ فقلت: تركت لهم مثله، وإن أبا بكر اسم> أتى بكل ما عنده؛ فقال: ما تركت لأهلك؟ فقال: تركت لهم الله ورسوله، يقول عمر اسم> فقلت: والله لا أسابقه أبدا، -يعني- أنني ما سابقته إلى شيء إلا وتفوق وسبقني.
فكان ينفق على قريبه هذا، وينفق أيضا على غيره من المساكين ومن المهاجرين تبرعا منه؛ لأنه يعرف أن ربه -سبحانه وتعالى- سيخلف عليه ما أنفق وسيقبل ذلك منه ويضاعفه -سيما- وقت المجاعة ووقت الشدة؛ فإنه إذا أنفق في ذلك الوقت كان ذلك أكثر للأجر، وتمر بالمسلمين في وقت أول الهجرة شدائد ومحن وفتن وجوع وجهد، فالذين يتصدقون في تلك الحالة يكون أجرهم مضاعفا أضعافا، كثيرة وقد فضل الله -تعالى- هؤلاء المجاهدين على غيرهم، وكذلك المهاجرين وكذلك المتصدقين قال الله -تعالى- رسم> لَا يَسْتَوِي مِنْكُمْ مَنْ أَنْفَقَ مِنْ قَبْلِ الْفَتْحِ وَقَاتَلَ قرآن> رسم> يعني قيل: إن الفتح هنا هو صلح الحديبية اسم> رسم> أُولَئِكَ أَعْظَمُ دَرَجَةً مِنَ الَّذِينَ أَنْفَقُوا مِنْ بَعْدُ وَقَاتَلُوا قرآن> رسم> يعني من الذين أسلموا بعد ذلك وأنفقوا وقاتلوا، فأجر الأولين أنفع -سيما- المهاجرين الأولين -سيما- أبو بكر اسم> -رضي الله عنه- فقد ثبت أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: رسم> ما نفعني مال أحد ما نفعني مال أبي بكر اسم> متن_ح> رسم> .
ولما أنه وقع بينه وبين بعض الصحابة شيء، حصل فيه شيء من الغضب ومن السباب ونحوه غضب النبي -صلى الله عليه وسلم- لأبي بكر اسم> في بعض الأحاديث أنه كان بين أبي بكر اسم> وعمر اسم> شيء، ثم إنه حصل بينهم شيء من السباب، فندم أبو بكر اسم> فجاء إلى بيت عمر اسم> ليسترضيه فلم يجده، فجاء وهو شديد الأسف، وأخبر النبي- صلى الله عليه وسلم- بما كان بينه وبين عمر اسم> ندم أيضا عمر اسم> وجاء إلى النبي-صلى الله عليه وسلم- وكل منهما اعترف أنه هو الخاطئ قال عمر اسم> أنا الذي أخطأت عليه فليسمح لي، وقال أبو بكر اسم> بل أنا الذي أخطأت فليعف عني، فكل منهما طلب العفو من صاحبه، النبي -صلى الله عليه وسلم- أخذ يتكلم لأبي بكر اسم> ويقول: هل أنتم تاركو لي صاحبي؟ يعني أبا بكر اسم> أني قلت لكم: إني رسول الله فقلتم كذبت، وقال أبو بكر اسم> صدقت وواساني بأهله وبماله، يقول الصحابي: فما أوذي بعد ذلك أبدا.
فالحاصل أن أبا بكر اسم> رضي الله عنه مدحه الله تعالى في هذه الآية بأنه من أهل الفضل ومن أهل السعة، رسم> وَلَا يَأْتَلِ أُولُو الْفَضْلِ مِنْكُمْ وَالسَّعَةِ قرآن> رسم> وهذه تزكية من الله تعالى ومدح له، لا يدركه فيها غيره ممن جاءوا بعده، أولو الفضل يعني: إما أن يراد بذلك أن الله فضله، فضله على غيره وزكاه وقدمه على غيره في الفضل، وإما أن يراد بالفضل التفضل يعني كونه ينفق، ويعطي ويتفضل ويجود بما أعطاه الله -تعالى- من الخير يجود بذلك كله فيكون ذلك من الفضل، وأما السعة فيراد به السعة في الرزق، الذين يجدون سعة في الرزق ولو كان شيئا يسيرا؛ فإن من وجد سعة في الرزق أطلق عليه أنه غني إذا كان ماله فيه كفاية له، وفيه زيادة خير ونحوه وقد قال الله -تعالى- رسم> لِيُنْفِقْ ذُو سَعَةٍ مِنْ سَعَتِهِ قرآن> رسم> أي مما وسع الله عليه رسم> وَمَنْ قُدِرَ عَلَيْهِ رِزْقُهُ فَلْيُنْفِقْ مِمَّا آتَاهُ اللَّهُ قرآن> رسم> رسم> سَيَجْعَلُ اللَّهُ بَعْدَ عُسْرٍ يُسْرًا قرآن> رسم> فالسعة يراد بها التوسعة في الرزق، مما يدل على أن الله -تعالى- وضع في حركته البركة؛ مع أنه هاجر وليس معه مال أو أمواله التي كانت معه في مكة اسم> قد أنفقها، وقد اشترى بها المماليك الذين أعتقهم وطلب بذلك أن يزكيه الله -تعالى- وأن يطهر ماله.
أنزل فيه في مكة اسم> قول الله -تعالى- رسم> وَسَيُجَنَّبُهَا الْأَتْقَى قرآن> رسم> هذا نزل في أبي بكر اسم> وسيجنبها، يجنب النار الأتقى منهم الذي يؤتي ماله يتزكى، يعني ينفق ماله ويدفعه في وجوه الخير ليتزكى؛ ليزكيه الله أو ليزكي ماله، والمال إذا زكي فإنه تنزل فيه البركة؛ لأن الزكاة سميت زكاة من الزكو الذي هو الكثرة، زكا المال يعني كثر رسم> الَّذِي يُؤْتِي مَالَهُ يَتَزَكَّى وَمَا لِأَحَدٍ عِنْدَهُ مِنْ نِعْمَةٍ تُجْزَى قرآن> رسم> أي ليس لأحد نعمة يكافئها عليه رسم> إِلَّا ابْتِغَاءَ وَجْهِ رَبِّهِ الْأَعْلَى قرآن> رسم> ما كان يبتغي إلا رضا الله -تعالى- رسم> وَلَسَوْفَ يَرْضَى قرآن> رسم> ذكروا أن أبا بكر اسم> بمكة اسم> كان عنده أموال طائلة، فكان يشتري العبد إذا أسلم فيعتقه، إذا رأى مملوكا أسلم وعذبه أهله، كما حصل لبلال اسم> الذي كان تحت ولاية أمية بن خلف اسم> فلما أسلم وعذبوه اشتراه وأعتقه، واشترى أيضا غيره من المماليك وأعتقهم، كان أبوه أبو قحافة اسم> يلومه ويقول له: إذا كنت تعتق فاعتق أناسا أقوياء يحمونك وينصرونك، فيقول: إن حمايتي أريد، ما أريد إلا الحماية، أي أن الله -تعالى- هو الذي ينصرني، وهو الذي يحميني.
مسألة>