شرع الله تطهير هذه الأعضاء وغسلها وتنظيفها عند القيام إلى الصلاة أو عند وجود حدث؛ حتى يصير المصلي نظيف البدن، وحتى يحصل له النشاط والقوة، وحتى يقبل على الصلاة بصدق ومحبة ورغبة إن الغذاء الطيب من مكسب حلال يكسب القلب قوة، ويكسبه صفاء وإخلاصا، ويكون سببا في قبول الأعمال وإجابة الدعوات. والغذاء الطيب يكون سببا في بركة الله ومباركته للأعمال والأعمار والأموال، وأثر ذلك واضح، فقد ثبت عن النبي -صلى الله عليه وسلم- أنه قال: (كل لحم نبت على سحت فالنار أولى به) إذا عرف الصغير ربه، وعظم قدر ربه في قلبه، نشأ على طاعة الله تعالى، ونشأ على محبته، وأحب عبادة الله وعظمها في صغره، وسهلت عليه وداوم عليها في كبره، وكره المعصية ونفر منها، وكره كل ما نهى الله تعالى عنه؛ حيث أن آباءه يعلمونه الخير ويؤدبونه عليه إذا ضعفت العقيدة في القلوب ضعف العمل، فإذا رأيت الذي يكون ضعيفا في عباداته، في صلواته وزكواته وما إلى ذلك، فاعلم أن ذلك لضعف في عقيدته بالأساس.فالعقيدة حقيقة إذا امتلأ بها القلب ظهرت آثارها على الجواربالوقوف قائما أو عدم الاستظلال أو بترك الكلام فهذا ليس فيه طاعة من كان مسافرا ولم يصل المغرب والعشاء فأدرك العشاء خلف إمام مقيم فالمختار أنه يصلي المغرب وحده، فإذا صلاها دخل معه في بقية العشاء، وذلك لاختلاف النية؛ فإن المغرب والعشاء متفاوتان بينهما فرق في عدد الركعات. هذا الذي نختاره. وأجاز بعض المشائخ أنه يدخل معهم بنية المغرب، فإذا صلوا ثلاثا فارقهم وتشهد لنفسه وسلم، ثم صلى العشاء، ولكل اجتهاده
تفسير آيات الأحكام من سورة النور
59885 مشاهدة
إخبار المستأذن باسمه

...............................................................................


ثم لا بد أيضا أن يخبرهم، إذا قالوا: من هذا؟ أو من أنت؟ فيخبرهم باسمه مهما كانت الحال. ذكر في حديث المعراج: أن جبريل لما استفتح، قيل: من هذا؟ قال: جبريل قيل: ومن معك؟ قال: محمد قيل: وقد أرسل إليه أو قد بعث إليه؟ قال: نعم. قيل: مرحبا به وبمن جاء معه؛ فجاء وفتح .
وفي الصحيح أيضا أن جابر بن عبد الله طرق الباب على النبي صلى الله عليه وسلم؛ فقال: من هذا؟ فقال: أنا؛ فقال صلى الله عليه وسلم: أنا، أنا‍‍، كأنه كرهها يعني أراد منه أن يفصح، ولو كان قد عرفه؛ يعني عرف صوته فأحب منه أن يفصح باسمه، فإذا سئل من أنت؟ فإنه يقول: فلان ابن فلان، ويذكر كنيته أو يذكر لقبه الذي يتميز به، ويعرفه به أهل المنزل، فإذا ذكر ذلك فإن أذنوا له بعد معرفته فليدخل، وإن لم يأذنوا له فإنه يرجع؛ ولهذا في هذه الآيات وَإِنْ قِيلَ لَكُمُ ارْجِعُوا فَارْجِعُوا هُوَ أَزْكَى لَكُمْ .
كان بعض الصحابة وبعض العباد ونحوهم يطرقون الباب على بعض أقاربهم أو بعض إخوانهم في وقت يعرفون أنه لا يحب أن يأتيه أحد، ويريدون أن يردهم ويقول: ارجعوا، ويقولون: إن هذا أحب إلينا، إذا قال: ارجعوا؛ لأن الله تعالى قال: هُوَ أَزْكَى لَكُمْ فنحن نريد التزكية: أَزْكَى لَكُمْ ؛ يعني أطهر لقلوبكم. فكانوا يفرحون إذا قال لهم: ارجعوا؛ ليكون ذلك أزكى لهم، وأطهر لقلوبهم وأنظف لمودتهم، وأكثر لهم أجرا؛ يعني: يثابون على خطواتهم التي جاءوا إليه بالزيارة، ثم يثابون أيضا على رجوعهم، ثم يحظون أيضا بهذه التزكية من الله: هُوَ أَزْكَى لَكُمْ .
تكلم العلماء على أحكام الاستئذان. والبخاري رحمه الله في صحيحه لم يقل: كتاب السلام بل قال: كتاب الاستئذان، وأدخل فيه السلام؛ لأن الله تعالى ذكر السلام بعد الاستئذان: لَا تَدْخُلُوا بُيُوتًا غَيْرَ بُيُوتِكُمْ حَتَّى تَسْتَأْنِسُوا أي: تستأذنوا وتأنسوا ويأنس أهلها بكم، ويأذنوا لكم؛ فجعل الاستئذان هو الأصل؛ يعني أن يطلب من أهل الدار أن يأذنوا له بقوله: أأدخل؟ ويكرر ذلك.
قد يقال في هذه الأزمنة أو في هذه المملكة: اتسعت المنازل، وأصبح المنزل واسعا فقد لا يسمعه أهل الدار لأول مرة، بل ولا لثلاث مرات؛ فله أن يطرق الباب إلى أن يتحقق أنهم سمعوه لبعدهم ولانشغالهم؛ فلا مانع لو زاد على الثلاث وعلى الأربع حتى يتحقق أنهم سمعوه.
كذلك أيضا في هذه الأزمنة أيضا تجددت الأجراس، وجود هذه الأجراس التي إذا غمزها صوتت صوتا يسمعونه، يسمعه أهل الدار ولو كانوا في أقصى الدار أو في أعلاها، فإذا قرع الجرس وصوت، وعلم أنهم سمعوه فليكرر ذلك ثلاث مرات، فإذا لم يأذنوا له بعد الثالثة فقد استأذن ثلاثا. فإذا عرف بأنهم لم يأذنوا له فإنه ينصرف، فقد يكونون نائمين، وقد يكونون منشغلين أو عندهم من لا يريدون دخوله عليهم، أو عندهم شيء من خصائصهم لا يحبون أن يطلع عليه غيرهم، أو لا يريدون هذا الشخص وحده خاصة؛ فله بعدما يتحقق أنهم سمعوه أن يرجع.
أما إذا لم يتحقق فله أن يكرر. وقد يكون الجرس متعطلا لا يصوت؛ ففي هذه الحال يطرق حتى يتحقق أنهم سمعوه.
بعض الناس يلح في طرق الباب ويكثر حتى ربما يطرق الباب يضربه عشر مرات أو عشرين مرة، ولا شك أن هذا نوع من الأذى؛ يؤذي أهل الدار، ويقلق عليهم راحتهم.
فالله تعالى نهى عن مثل ذلك وقال: وَإِنْ قِيلَ لَكُمُ ارْجِعُوا فَارْجِعُوا أي لا تؤذوهم ولا تكلفوهم ولا تشددوا عليهم، فإنهم قد يكونون غير راغبين في دخول هذا الشخص خاصة؛ فلذلك لا يبالغ ولا يشدد، يمكن أن يزيد إذا علم أنهم يريدونه أو أن له غرضا، أو لهم غرض فيه أو منفعة ومصلحة معه أو عندهم، وتحقق بأنهم ما عرفوه أو بأنهم ما سمعوه لانشغالهم أو ما أشبه ذلك؛ فله أن يكرر الطرق؛ فلو مثلا طرق أربع مرات أو خمسا، ثم رجع فبعد ساعة أو نصف ساعة له أن يعود إليهم، ويجدد طرق الباب والاستئذان حتى يأذنوا له إذا كان ملحا في الطلب وله غرض شديد؛ فنقول: إن كل هذا مما أباحه الله تعالى للحاجة.