إذا عرف الصغير ربه، وعظم قدر ربه في قلبه، نشأ على طاعة الله تعالى، ونشأ على محبته، وأحب عبادة الله وعظمها في صغره، وسهلت عليه وداوم عليها في كبره، وكره المعصية ونفر منها، وكره كل ما نهى الله تعالى عنه؛ حيث أن آباءه يعلمونه الخير ويؤدبونه عليه إن الغذاء الطيب من مكسب حلال يكسب القلب قوة، ويكسبه صفاء وإخلاصا، ويكون سببا في قبول الأعمال وإجابة الدعوات. والغذاء الطيب يكون سببا في بركة الله ومباركته للأعمال والأعمار والأموال، وأثر ذلك واضح، فقد ثبت عن النبي -صلى الله عليه وسلم- أنه قال: (كل لحم نبت على سحت فالنار أولى به) شريعة الإسلام شريعة واسعة كاملة، اشتملت على كل ما تمس إليه حاجة البشر، حاجة الذكور والإناث في الدنيا وفي الآخرة، فذكر الله تعالى نساء الدنيا وجعل لهن أحكاما، وذكر النساء في الآخرة وذكر ثوابهن كثواب الرجال المؤمنين، وفي هذا تمام العدل والحكمة يجوز أن يعلم القبر بعلامات يعرف بها، فقد ثبت أنه صلى الله عليه و سلم لما دفن عثمان بن مظعون جعل عند قبره حجرا وقال: "أعرف به قبر أخي، وأدفن إليه من مات من أهلي". فيجوز أن يجعل علامة كحجر أو لبنة أو خشبة أو حديدة أو نحو ذلك، ليميز بها القبر عن غيره حتى يزوره ويعرفه.أما أن يكتب عليه فلا يجوز؛ لأنه قد نهي أن يكتب على القبور حتى ولو اسمه، وكذلك نهي أن يرفع رفعا زائدا عن غيره. اختار بعض العلماء أن وقت الختان في يوم الولادة، وقيل في اليوم السابع، فإن أخر ففي الأربعين يوما، فإن أخر فإلى سبع سنين وهو السن الذي يؤمر فيه بالصلاة، فإن من شروط الصلاة الطهارة ولا تتم إلا بالختان، فيستحب أن لا يؤخر عن وقت الاستحباب.أما وقت الوجوب فهو البلوغ والتكليف، فيجب على من لم يختتن أن يبادر إليه عند البلوغ ما لم يخف على نفسه
تفسير آيات الأحكام من سورة النور
53326 مشاهدة
إخبار المستأذن باسمه

...............................................................................


ثم لا بد أيضا أن يخبرهم، إذا قالوا: من هذا؟ أو من أنت؟ فيخبرهم باسمه مهما كانت الحال. ذكر في حديث المعراج: أن جبريل لما استفتح، قيل: من هذا؟ قال: جبريل قيل: ومن معك؟ قال: محمد قيل: وقد أرسل إليه أو قد بعث إليه؟ قال: نعم. قيل: مرحبا به وبمن جاء معه؛ فجاء وفتح .
وفي الصحيح أيضا أن جابر بن عبد الله طرق الباب على النبي صلى الله عليه وسلم؛ فقال: من هذا؟ فقال: أنا؛ فقال صلى الله عليه وسلم: أنا، أنا‍‍، كأنه كرهها يعني أراد منه أن يفصح، ولو كان قد عرفه؛ يعني عرف صوته فأحب منه أن يفصح باسمه، فإذا سئل من أنت؟ فإنه يقول: فلان ابن فلان، ويذكر كنيته أو يذكر لقبه الذي يتميز به، ويعرفه به أهل المنزل، فإذا ذكر ذلك فإن أذنوا له بعد معرفته فليدخل، وإن لم يأذنوا له فإنه يرجع؛ ولهذا في هذه الآيات وَإِنْ قِيلَ لَكُمُ ارْجِعُوا فَارْجِعُوا هُوَ أَزْكَى لَكُمْ .
كان بعض الصحابة وبعض العباد ونحوهم يطرقون الباب على بعض أقاربهم أو بعض إخوانهم في وقت يعرفون أنه لا يحب أن يأتيه أحد، ويريدون أن يردهم ويقول: ارجعوا، ويقولون: إن هذا أحب إلينا، إذا قال: ارجعوا؛ لأن الله تعالى قال: هُوَ أَزْكَى لَكُمْ فنحن نريد التزكية: أَزْكَى لَكُمْ ؛ يعني أطهر لقلوبكم. فكانوا يفرحون إذا قال لهم: ارجعوا؛ ليكون ذلك أزكى لهم، وأطهر لقلوبهم وأنظف لمودتهم، وأكثر لهم أجرا؛ يعني: يثابون على خطواتهم التي جاءوا إليه بالزيارة، ثم يثابون أيضا على رجوعهم، ثم يحظون أيضا بهذه التزكية من الله: هُوَ أَزْكَى لَكُمْ .
تكلم العلماء على أحكام الاستئذان. والبخاري رحمه الله في صحيحه لم يقل: كتاب السلام بل قال: كتاب الاستئذان، وأدخل فيه السلام؛ لأن الله تعالى ذكر السلام بعد الاستئذان: لَا تَدْخُلُوا بُيُوتًا غَيْرَ بُيُوتِكُمْ حَتَّى تَسْتَأْنِسُوا أي: تستأذنوا وتأنسوا ويأنس أهلها بكم، ويأذنوا لكم؛ فجعل الاستئذان هو الأصل؛ يعني أن يطلب من أهل الدار أن يأذنوا له بقوله: أأدخل؟ ويكرر ذلك.
قد يقال في هذه الأزمنة أو في هذه المملكة: اتسعت المنازل، وأصبح المنزل واسعا فقد لا يسمعه أهل الدار لأول مرة، بل ولا لثلاث مرات؛ فله أن يطرق الباب إلى أن يتحقق أنهم سمعوه لبعدهم ولانشغالهم؛ فلا مانع لو زاد على الثلاث وعلى الأربع حتى يتحقق أنهم سمعوه.
كذلك أيضا في هذه الأزمنة أيضا تجددت الأجراس، وجود هذه الأجراس التي إذا غمزها صوتت صوتا يسمعونه، يسمعه أهل الدار ولو كانوا في أقصى الدار أو في أعلاها، فإذا قرع الجرس وصوت، وعلم أنهم سمعوه فليكرر ذلك ثلاث مرات، فإذا لم يأذنوا له بعد الثالثة فقد استأذن ثلاثا. فإذا عرف بأنهم لم يأذنوا له فإنه ينصرف، فقد يكونون نائمين، وقد يكونون منشغلين أو عندهم من لا يريدون دخوله عليهم، أو عندهم شيء من خصائصهم لا يحبون أن يطلع عليه غيرهم، أو لا يريدون هذا الشخص وحده خاصة؛ فله بعدما يتحقق أنهم سمعوه أن يرجع.
أما إذا لم يتحقق فله أن يكرر. وقد يكون الجرس متعطلا لا يصوت؛ ففي هذه الحال يطرق حتى يتحقق أنهم سمعوه.
بعض الناس يلح في طرق الباب ويكثر حتى ربما يطرق الباب يضربه عشر مرات أو عشرين مرة، ولا شك أن هذا نوع من الأذى؛ يؤذي أهل الدار، ويقلق عليهم راحتهم.
فالله تعالى نهى عن مثل ذلك وقال: وَإِنْ قِيلَ لَكُمُ ارْجِعُوا فَارْجِعُوا أي لا تؤذوهم ولا تكلفوهم ولا تشددوا عليهم، فإنهم قد يكونون غير راغبين في دخول هذا الشخص خاصة؛ فلذلك لا يبالغ ولا يشدد، يمكن أن يزيد إذا علم أنهم يريدونه أو أن له غرضا، أو لهم غرض فيه أو منفعة ومصلحة معه أو عندهم، وتحقق بأنهم ما عرفوه أو بأنهم ما سمعوه لانشغالهم أو ما أشبه ذلك؛ فله أن يكرر الطرق؛ فلو مثلا طرق أربع مرات أو خمسا، ثم رجع فبعد ساعة أو نصف ساعة له أن يعود إليهم، ويجدد طرق الباب والاستئذان حتى يأذنوا له إذا كان ملحا في الطلب وله غرض شديد؛ فنقول: إن كل هذا مما أباحه الله تعالى للحاجة.