الاعمى إذا أراد الصلاة فعليه أن يتحرى القبلة باللمس للحيطان إذا كان صاحب البيت، وإلا فعليه أن يسأل من حضر عنده، فإن لم يكن عنده من يسأله تحرى وصلى بالاجتهاد الغالب على ظنه، ولا إعادة عليه، كالبصير إذا اجتهد في السفر ثم تبين له خطأ اجتهاده فلا إعادة عليه. شريعة الإسلام شريعة واسعة كاملة، اشتملت على كل ما تمس إليه حاجة البشر، حاجة الذكور والإناث في الدنيا وفي الآخرة، فذكر الله تعالى نساء الدنيا وجعل لهن أحكاما، وذكر النساء في الآخرة وذكر ثوابهن كثواب الرجال المؤمنين، وفي هذا تمام العدل والحكمة إذا كان عقل المريض معه وفهمه وإدراكه فإن الأوامر والأحكام الشرعية تنطبق عليه، ويكلف بالصلاة والصوم والطهارة ونحوها بحسب القدرة، ويجوز مساعدته على الطهارة إن قدر على غسل أعضائه، فإن عجز عن استعمال الماء في أعضائه وشق غسلها عليه عدل إلى التيمم، فإن عجز فإن المرافق يقوم بذلك بأن يضرب التراب فيمسح وجهه وكفيه مع النية. من كان مسافرا ولم يصل المغرب والعشاء فأدرك العشاء خلف إمام مقيم فالمختار أنه يصلي المغرب وحده، فإذا صلاها دخل معه في بقية العشاء، وذلك لاختلاف النية؛ فإن المغرب والعشاء متفاوتان بينهما فرق في عدد الركعات. هذا الذي نختاره. وأجاز بعض المشائخ أنه يدخل معهم بنية المغرب، فإذا صلوا ثلاثا فارقهم وتشهد لنفسه وسلم، ثم صلى العشاء، ولكل اجتهاده قال النبي صلى الله عليه وسلم: "أد الأمانة إلى من ائتمنك، ولا تخن من خانك". فلو خانك إنسان فلا تجازه بالخيانة، بل اصفح وتجاوز عنه حتى يثيبك الله بالحسنى ويعفو عنك، ويعاقبه على خيانته إذا كان قد تعمدها، ولربما ندم إذا رآك تعامله بهذه المعاملة وهو قد خان! فيندم ويتخلق بأخلاقك؛ فيكون عملك هذا دعوة وسببا للتخلق بهذا الخلق العظيم.
تفسير آيات الأحكام من سورة النور
59920 مشاهدة
الاستئذان ثلاثا

...............................................................................


وثبت أنه صلى الله عليه وسلم قال: إذا استأذن أحدكم ثلاثا فلم يؤذن له فلينصرف وفعل ذلك أبو موسى مع عمر ؛ طرق مرة عليه الباب وكان عمر منشغلا وعنده بعض الصحابة؛ فسمع صوت أبي موسى. أبو موسى طرق الباب فقال: السلام عليكم أأدخل؟ ثم قاله مرة ثانية ثم ثالثة، وعمر كأنه منشغل، ثم رجع أبو موسى فلما انتبه عمر قال: ألم أسمع قول أو صوت عبد الله بن قيس ؛ يعني أبا موسى ؛ فخرجوا فإذا هو قد رجع؛ أرسل إليه، فسأله لماذا رجعت؟ فأخبره بأن النبي صلى الله عليه وسلم علم أصحابه الاستئذان، وقال: إذا استأذن أحدكم ثلاث مرات ولم يؤذن له فليرجع .
عمر رضي الله عنه كأنه ما سمع بهذا الحديث فاستغربه، وقال لأبي موسى لتأتيني بمن يشهد معك أو لأعاقبنك؛ ففزع أبو موسى إلى مجلس أو حلقة من الأنصار؛ فسألهم وقال لهم: هل منكم أحد سمع النبي -صلى الله عليه وسلم- يقول: إذا استأذن أحدكم على أهل دار ثلاث مرات ولم يؤذن له فليرجع ؟ فقال أهل ذلك المجلس: كلنا قد سمعه لا يقوم معك إلا أصغرنا، قم يا أبا سعيد .
فقام أبو سعيد وجاء وأخبر عمر بأنه سمع ذلك من النبي صلى الله عليه وسلم؛ فقال عمر رضي الله عنه: كيف فاتتني هذه السنة من سنن النبي صلى الله عليه وسلم؟ شغلني عنها الصفق في الأسواق؛ يعني فاتته لأنه كان يشتغل بالتجارة، ففاتته هذه السنة وأسف عليها.
ولا شك أن هذا لحكمة عظيمة؛ وذلك لأنه إذا طرق الباب للمرة الأولى فقد لا يميزونه أو قد يكونون منشغلين، ثم إذا تكلم وطرقه للمرة الثانية فقد لا يجيبونه حيث أنهم يستعدون ويخفون ما كان عندهم مما يريدون إخفاءه، قد يكون بينهم من لا يحبون أن يبرز إليه، ففي أو فبعد المرة الثالثة يكونون قد انتبهوا؛ فيأذنون له، فإذا طرق وتكلم في المرة الثالثة ولم يؤذن له؛ عرف أنهم لا يريدون دخوله عليهم، وأنهم ما أجابوه لكراهتهم له أو لانشغالهم أو ما أشبه ذلك، فعند ذلك ينصرف.