شرح كتاب العظمة المجموعة الثالثة
ما جاء في مرور ذي القرنين على قوم من الزهاد وما جرى منهم معه ومدى صحة ذلك
قصة ذي القرنين اسم> وسعة ملكه وتمكين الله له من أرضه وسلطانه.
قال: حدثني أبي -رحمه الله تعالى -قال: حدثنا أحمد بن رستم اسم> قال: حدثنا عبد الله بن صالح اسم> قال: حدثنا حرملة بن عمران اسم> قال: أخبرني أبي قال: أخبرني عبيد الله بن أبي جعفر اسم> أن ذا القرنين اسم> في بعض مسيره مر بقوم قبورهم على أبواب بيوتهم وإذا ثيابهم لون واحد ورقاعهم واحدة، وإذا هم رجال كلهم ليس فيهم امرأة فتوسم رجلا منهم، فقال: لقد رأيت شيئا ما رأيته في شيء من مسيري قال: وما هو؟ فوصف له ما رأى منهم فقال: أما هذه القبور التي على أبوابنا فإنا جعلناها موعظة لقلوبنا تخطر على قلب أحدنا الدنيا فيخرج فيرى القبور فيرجع إلى نفسه فيقول: إلى هذا المصير وإليها صار من قبلي وأما هذه الثياب فإنه لا يكاد الرجل يلبس ثيابا أحسن من ثياب صاحبه إلا رأى فضلا على جليسه، وأما قولك: إنكم رجال كلكم ليس معكم نساء فلعمري فلقد خلقناهن ذكرا وأنثى ولكن هذا القلب لا يشغل بشيء إلا اشتغل به فجعلنا نساءنا وذرياتنا في قرية قريبة منا، فإذا أراد الرجل من أهله ما يريد الرجل أتاها فكان معها الليلة والليلتين ثم يرجع إلى ما هاهنا، وأنا جعلنا هذه للعبادة قال: فما كنت لأعظكم بشيء أفضل مما وعظتم به أنفسكم سلني ما شئت قال: من أنت قال: أنا ذو القرنين اسم> قال: ما أسألك وأنت لا تملك شيئا قال: وكيف وقد آتاني الله-عز وجل- من كل شيء سببا قال: لا تقدر على أن تأتيني ما لم يقدر إلي ولا تصرف ما قدره علي.
قال: حدثني أحمد بن محمد بن شريح اسم> قال: حدثنا محمد بن رافع اسم> قال: حدثنا إسماعيل اسم> قال: حدثني عبد الصمد اسم> عن وهب بن منبه اسم> -رحمه الله تعالى -قال: كان ذو القرنين اسم> ملكا قيل لم سمي ذو القرنين اسم> قال: اختلف فيه أهل الكتاب فقال: بعضهم له ملك الروم وفارس وقال: بعضهم كان في رأسه شبه القرنين.
قال: حدثنا محمد بن يحيى اسم> قال: حدثنا محمد بن المثنى اسم> قال: حدثنا مسلم بن إبراهيم اسم> عن عمران اسم> عن قتادة اسم> -رحمه الله تعالى -قال: خرج ذو القرنين اسم> من الروم وكان رجلا صالحا.
قال: حدثنا عبد الله بن عبد الكريم اسم> قال: حدثنا عبد الكريم بن الهيثم اسم> قال: حدثنا أبو اليمان الحكم بن نافع اسم> قال: حدثنا صفوان اسم> عن عبد الملك بن عبد الله الخزاعي اسم> رحمه الله تعالى: إن ذا القرنين اسم> كان فيما مكن الله تعالى له فيما سار من مطلع الشمس إلى مغربها إلى السد، كان إذا نصر على أمة أخذ منها جيشا فسار بهم إلى أمة غيرهم، فإذا فتح الله وراء ذلك الجيش أخذ من أخرى الذي يفتح له عليهم حتى يبلغ مكانه الذي يريد فأتى على أمم من الأمم فذكر نحو الذي بعده.
قال: حدثنا أحمد بن محمد بن إبراهيم اسم> قال: حدثنا عبد الله بن محمد بن عبيد اسم> قال: حدثني القاسم بن هاشم اسم> قال: حدثنا الحكم بن نافع اسم> قال: حدثنا صفوان بن عمرو اسم> عن عبد الرحمن بن عبد الله الخزاعي اسم> رحمه الله تعالى: إن ذي القرنين اسم> أتى على أمة من الأمم ليس في أيديهم شيء مما يستمتع الناس به من دنياهم قد احتفروا قبورا، فإذا أصبحوا تعاهدوا تلك القبور فكنسوها وصلوا عندها ورعوا البقل كما ترعى البهائم، وقد قيض لهم معاش من نبات الأرض فأرسل ذو القرنين اسم> إلى ملكهم أن أجب الملك ذا القرنين اسم> فقال: ما لي إليه حاجة فأقبل ذو القرنين اسم> فقال: إني أرسلت إليك لتأتيني فأبيت فها أنا قد جئتك فقال: له لو كانت لي إليك حاجة لأتيتك فقال له ذو القرنين اسم> ما لي أراكم على الحال الذي رأيت لم أر أحدا من الأمم عليها فقالوا: وما ذاك قال: ليس لكم دنيا ولا شيء أما اتخذتم الذهب والفضة فاستمتعتم بها فقالوا: إنما كرهناهما لأن أحدا لم يعط منهما شيئا إلا تاقت نفسه ودعته إلى أفضل منهما.
قال: ما بالكم احتفرتم قبورا فإذا أصبحتم تعاهدتموها فكنستموها وصليتم عندها، قالوا: أردنا إذا نظرنا إليها فأملنا الدنيا منعتنا قبورنا من الأمل، قال: أراكم لا طعام لكم إلا البقل من الأرض فلا اتخذتم البهائم من الأنعام ما احتلبتموها وركبتموها واستمعتم بها فقالوا: كرهنا أن نجعل بطوننا لها قبورا ورأينا أن في نبات الأرض بلاغا وإنما يكفي ابن آدم اسم> أدنى العيش من الطعام، وإنما جاوز الحنك منه لم نجد له طعما كائنا ما كان من الطعام ثم تناول ملك تلك الأمة بيده خلف ذي القرنين اسم> فتناول جمجمة فقال: يا ذا القرنين اسم> أتدري من هذا قال: لا ومن هو قال: هذا ملك من ملوك الأرض أعطاه الله سلطانا على أهل الأرض فغشم وظلم وعتا فلما رأى الله-عز وجل- ذلك حسمه بالموت، فصار كالحجر الملقى قد أحصى الله عليه عمله حتى يجزيه في آخرته.
ثم تناول جمجمة أخرى بالية فقال: يا ذا القرنين اسم> أتدري من هذه قال: ومن هو قال: ملك ملكه الله تعالى بعده قد كان يرى ما يصنع الذي قبله بالناس من الظلم والغشم والتجبر فتواضع لله وخشع لله وعمل بالعدل في أهل مملكته فصار كما ترى قد أحصى الله عليه عمله حتى يجزيه في آخرته ثم أهوى إلى جمجمة ذي القرنين اسم> فقال: وهذه الجمجمة قد كانت كهاتين فانظر يا ذا القرنين اسم> ما أنت صانع فقال: له ذو القرنين اسم> هل لك في صحبتي فأتخذك أخا ووزيرا وشريكا فيما آتاني الله تعالى من هذا المال؟ قال: ما أصلح أنا وأنت في مكان ولا أن نكون جميعا قال ذو القرنين اسم> ولم؟ قال: من أجل أن الناس كلهم لك عدو ولي صديق قال: وعم ذلك قال: يعادونك لما في يدك من الملك والمال ولا أجد أحدا يعاديني لرفضي ذلك ولما عندي من الحاجة وقلة الشيء فانصرف عنه ذو القرنين اسم> .
قال: حدثني أحمد بن إبراهيم اسم> قال: حدثنا عبد الله بن محمد بن عبيد اسم> قال: قال سعيد بن سليمان اسم> قال: حدثنا خلف بن خليفة اسم> قال: حدثنا أبو هاشم الرماني اسم> قال: بلغني أن ذا القرنين اسم> لما بلغ المشرق والمغرب مر برجل معه عصا يقلب عظام الموتى وكان إذا أتى مكانا أتاه أهل ذلك المكان فسألوه فلم يأته فعجب ذو القرنين اسم> فأتاه فقال: لِمَ لَمْ تأتني ولم تسألني؟ قال: لم يكن لي إليك حاجة وعلمت أنك إن يكن لك إلي حاجة ستأتيني قال: وما هذا الذي تقلب؟ قال: عظام الموتى هذا عملي منذ أربعين سنة أريد أن أعرف الشريف من الوضيع فقد اشتبهوا علي فقال له ذو القرنين اسم> هل لك أن تصحبني وتكون معي؟ قال: إن ضمنت لي أمرا صحبتك قال ذو القرنين اسم> فما هو قال: تمنعني من الموت إذا نزل بي قال ذو القرنين اسم> ما أستطيع ذلك قال: لا حاجة لي في صحبتك.
قال: وحدثنا أحمد بن محمد اسم> قال: حدثنا عبد الله بن محمد اسم> عن حبان بن موسى اسم> عن ابن المبارك اسم> عن رشدين بن سعد اسم> قال: حدثنا عمرو بن الحارث اسم> عن سعيد بن أبي هلال اسم> -رحمه الله تعالى -أنه بلغه: أن ذا القرنين في بعض مسيره دخل مدينة فاستكف عليه أهلها ينظرون إلى موكبه الرجال والنساء والصبيان وعند بابها شيخ على عمل له فمر به ذو القرنين اسم> فلم يلتفت إليه الشيخ فعجب ذو القرنين اسم> له فأرسل إليه فقال: ما شأنك استكف علي الناس ونظروا إلى موكبي، فما شأنك أنت؟ قال: لم يعجبني ما أنت فيه إني رأيت ملكا مات في يوم هو ومسكين ولموتانا موضع يجعلون فيه فأدخلا جميعا، فأطلعتهما بعد أيام وقد تغيرت أكفانهما ثم أطلعتهما بعد أيام وقد تزايلت لحومهما ثم رأيتهما قد تفصلت العظام واختلطت، فلم أعرف الملك من المسكين فلم يعجبني ملكك فلما خرج استخلفه على المدينة.
عرفنا قد أخبر الله تعالى بأن ذا القرنين اسم> مكنه وآتاه من كل شيء سببا، وأنه وصل إلى مشرق الأرض وإلى مغربها وأنه خاطب الموجودين الذين في المشرق والذين في المغرب، وأما التفاصيل التي ذكروا وأنه وجد مقام كذا وأن هؤلاء زهاد لا يشتهون شيئا من الدنيا وأنهم يأكلون كذا وكذا هذه من الحكايات التي يذكرها القصاص والوعاظ، وقد لا يكون كثير منها ثابتا كأحاديث القصاص والوعاظ يعتبر بها من غير أن تعتمد من غير أن يوثق بأنها يقينية وإنما يذكرونها للمواعظ.
قصة ذي القرنين اسم> وردت في القرآن هذه يستيقن بها أنه أتبع سببا رسم> حَتَّى إِذَا بَلَغَ مَغْرِبَ الشَّمْسِ وَجَدَهَا تَغْرُبُ فِي عَيْنٍ حَمِئَةٍ قرآن> رسم> وصل إلى أقصى المغرب وإذا الشمس تغرب في ذلك البحر أو في تلك العين الحامية أو الحمئة ولم يتجاوزها، ثم رجع إلى المشرق وصل إلى مطلع الشمس وجدها تطلع على قوم -لم نجعل لهم- ما جعل الله بينهم وبينها سترا، ثم رجع إلى ما بين السدين ثم عمل ذلك السد الذي أخبر الله عنه، لما اشتكى إليه أولئك ضرر يأجوج ومأجوج هذا مما يجزم به لأنه في القرآن، وأما التفاصيل فلا يجزم بتلك التفاصيل لعدم اليقين من صحتها والله أعلم.
مسألة>