شرح لامية شيخ الإسلام ابن تيمية
فضائل الصحابة في القرآن والسنة
...............................................................................
فضائل الصحابة مشتهرة في القرآن الكريم، وفي الأحاديث النبوية مجملة ومفصلة، فثبت عنه -صلى الله عليه وسلم- أنه قال: رسم> خير الناس قرني، ثم الذين يلونهم، ثم الذين يلونهم متن_ح> رسم> يقول عمران اسم> فلا أدري أذكر بعد قرنه قرنين أو ثلاثة؟ فجعل هذا الفضل لقرنه الذين هم الصحابة، وروي عنه أنه قال لأصحابه: رسم> أنتم خير من أبنائكم، وأبناؤكم خير من أبنائهم رسم> .
فجعل الصحابة خيرا من أبنائهم؛ وذلك لأنهم حازوا قصب السبق؛ لأنهم حازوا فضل الصحبة التي لا تحصل لغيرهم صحبة النبي -صلى الله عليه وسلم- فهم الذين بادروا إلى تصديقه؛ سيَّما الذين أسلموا بمكة اسم> بادروا إلى تصديقه -صلى الله عليه وسلم- ثم هاجروا أيضا؛ هاجروا من مكة اسم> إلى المدينة اسم> وتكبدوا المشاق .
وهاجر أيضا بعضهم قبل ذلك من مكة اسم> إلى الحبشة اسم> وقطعوا المسافات الطويلة، وفارقوا أولادهم، وفارقوا بلادهم، وفارقوا أموالهم وديارهم كل ذلك فرارا بدينهم صبروا على الغيبة، وصبروا على الغربة، كل ذلك فرارا بدينهم .
أليس ذلك دليلا على أنهم محقون، وعلى أنهم على الهدى؟ ومنهم عثمان اسم> -رضي الله عنه- كان من المهاجرين إلى الحبشة اسم> أفيقال: إنه ارتد، وبطل عمله كله، وبطلت فضائله؟! لا شك أن هذا تكذيب لله تعالى، وتكذيب لتلك الفضائل وإبطال لها .
ثم نتأمل أيضا الآيات القرآنية التي تفصح بفضل الصحابة -رضي الله عنهم- فمنها قول الله تعالى في سورة المائدة: رسم> يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا مَنْ يَرْتَدَّ مِنْكُمْ عَنْ دِينِهِ فَسَوْفَ يَأْتِي اللَّهُ بِقَوْمٍ يُحِبُّهُمْ وَيُحِبُّونَهُ أَذِلَّةٍ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ أَعِزَّةٍ عَلَى الْكَافِرِينَ يُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَلَا يَخَافُونَ لَوْمَةَ لَائِمٍ قرآن> رسم> .
مدحهم بست فضائل لا تحصل لغيرهم، لما انطبقت هذه على أبي بكر اسم> وعمر اسم> وعثمان اسم> وبقية الصحابة الذين بالمدينة اسم> .
لما ارتدت الأعراب الذين حولهم ثبتوا؛ فوصفهم الله تعالى بالصفة الأولى أنه يحبهم، وما أعظمها من فضيلة، والصفة الثانية: أنهم يحبونه، والصفة الثالثة: أنهم أذلة على المؤمنين يعني متواضعين لأهل الإيمان، والصفة الرابعة: أنهم أعزة على الكافرين يعني أنهم غيورون عن الكفر، ثم وصفهم خامسا: بأنهم لا يخافون في الله لومة لائم، والصفة السادسة: أنهم يجاهدون وهذه لا تحصل لغيرهم رسم> يُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَلَا يَخَافُونَ لَوْمَةَ لَائِمٍ قرآن> رسم> .
لا شك أنه يوجد من جاهد بعدهم، ولكن أولئك امتازوا بهذا الجهاد، وبأنهم لا يخافون لومة لائم، وبأنه يحبهم ويحبونه وبأنهم أعزة على الكافرين، ومتواضعون للمؤمنين .
كذلك أيضا وصفوا في سورة الأنفال قال الله تعالى: رسم> إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَهَاجَرُوا وَجَاهَدُوا بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَالَّذِينَ آوَوْا وَنَصَرُوا أُولَئِكَ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ قرآن> رسم> وقال الله تعالى: رسم> إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَهَاجَرُوا وَجَاهَدُوا بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ قرآن> رسم> إلى قوله: رسم> وَالَّذِينَ آمَنُوا مِنْ بَعْدُ وَهَاجَرُوا وَجَاهَدُوا مَعَكُمْ فَأُولَئِكَ مِنْكُمْ قرآن> رسم> .
هذه تنطبق على أولئك الصحابة؛ فإنهم آمنوا، وهاجروا، وجاهدوا بأموالهم وأنفسهم، وآووا ونصروا الذين آووا ونصروا هم الأنصار رضي الله عنهم، كذلك أيضا مدحهم الله في سورة التوبة بقوله تعالى: رسم> وَالسَّابِقُونَ الْأَوَّلُونَ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ وَالْأَنْصَارِ وَالَّذِينَ اتَّبَعُوهُمْ بِإِحْسَانٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ قرآن> رسم> .
قسمهم إلى ثلاثة أقسام:
المهاجرون الذين هاجروا إلى الحبشة اسم> ثم إلى المدينة اسم> والأنصار الذين في المدينة اسم> والذين ناصروا الله ورسوله، والذين جاءوا من بعدهم؛ الذين أسلموا من بعدهم كلهم، وعدهم الله تعالى خيرا، وأخبر بأنه رسم> أَعَدَّ لَهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي تَحْتَهَا الْأَنْهَارُ قرآن> رسم> .
وكذلك أخبر أيضا بفضلهم في قوله تعالى: رسم> لَقَدْ تَابَ اللَّهُ عَلَى النَّبِيِّ وَالْمُهَاجِرِينَ وَالْأَنْصَارِ الَّذِينَ اتَّبَعُوهُ فِي سَاعَةِ الْعُسْرَةِ قرآن> رسم> وهم نحو أربعين ألفا؛ الذين غزوا معه في غزوة العسرة التي هي غزوة تبوك، أفيقال إن هؤلاء الأربعين ألفا كلهم هؤلاء ارتدوا ومنهم أبو بكر اسم> و عمر اسم> و عثمان اسم> وبقية الصحابة؟ .
لا شك أن هذا دليل على أن الله تعالى عرف لهم فضلهم، وذكر فضائلهم حتى يعرف من بعدهم بأنهم خير الأمة، وأنهم خير قرون الأمة، وأن هذه الأمة هي أفضل الأمم، وأن أفضلها هم الصحابة الذين حازوا قصب السبق، والذين صحبوا النبي صلى الله عليه وسلم .
كذلك أيضا الآيات كثيرة في فضائلهم مثل قوله تعالى: رسم> لَقَدْ رَضِيَ اللَّهُ عَنِ الْمُؤْمِنِينَ إِذْ يُبَايِعُونَكَ تَحْتَ الشَّجَرَةِ قرآن> رسم> فالذين بايعوه نحو ألف وأربعمائة؛ بايعوا النبي -صلى الله عليه وسلم- تحت الشجرة أخبر بأنه رضي عنهم .
وكذلك أيضا قول الله تعالى في سورة الحشر: رسم> لِلْفُقَرَاءِ الْمُهَاجِرِينَ الَّذِينَ أُخْرِجُوا مِنْ دِيارِهِمْ وَأَمْوَالِهِمْ يَبْتَغُونَ فَضْلًا مِنَ اللَّهِ وَرِضْوَانًا وَيَنْصُرُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ أُولَئِكَ هُمُ الصَّادِقُونَ قرآن> رسم> .
لا شك أن هذا دليل على أن الله تعالى صدقهم الفقراء المهاجرون أخرجوا من ديارهم تركوا ديارهم، وتركوا أموالهم، وتركوا بلادهم وعشائرهم لماذا؟ محبة في الله تعالى، وفرارا بدينهم، ومحبة للإسلام، ومحبة لظهوره، وليتمكنوا من عبادة الله سبحانه وتعالى، أفيقال: إن هذا كله بطل، وقد حُفظ القرآن الذي ينص على فضائلهم؟ .
ثم قال بعد ذلك: رسم> وَالَّذِينَ تَبَوَّءُوا الدَّارَ وَالْإِيمَانَ مِنْ قَبْلِهِمْ يُحِبُّونَ مَنْ هَاجَرَ إِلَيْهِمْ قرآن> رسم> هؤلاء هم الأنصار، فالأنصار رضي الله عنهم الذين آووا ونصروا رسم> يُحِبُّونَ مَنْ هَاجَرَ إِلَيْهِمْ وَلَا يَجِدُونَ فِي صُدُورِهِمْ حَاجَةً مِمَّا أُوتُوا قرآن> رسم> إذا أعطى النبي -صلى الله عليه وسلم- المهاجرين شيئا من الفيء أو من الغنائم ما عارض في ذلك الأنصار؛ بل يرضون بما أعطاهم الله؛ وذلك لأنهم أهل البلد؛ ولأنهم أهل الأموال .
فكان النبي -صلى الله عليه وسلم- إذا جاءه شيء من الغنائم، أو من الفيء، أو من الخمس يعطي المهاجرين لشدة حاجتهم؛ لأنهم تركوا بلادهم وتركوا أموالهم، وتركوا تجاراتهم، وتركوا ثرواتهم، وهاجروا لله ورسوله، ونزل فيهم قول الله تعالى: رسم> وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَشْرِي نَفْسَهُ ابْتِغَاءَ مَرْضَاةِ اللَّهِ قرآن> رسم> .
أحدهم إذا جاء ليهاجر جاء إليه المشركون وقالوا: لا تخرج بشيء من مالك فيقول: أشتري نفسي بمالي، الأموال التي عندي كلها لكم خلصوني، اتركوني أنجُ بنفسي، فنزل فيهم: رسم> مَنْ يَشْرِي نَفْسَهُ ابْتِغَاءَ مَرْضَاةِ اللَّهِ قرآن> رسم> يعني: ابتغاء رضوان الله يشترون أنفسهم .
ونزل فيهم أيضا قول الله تعالى: رسم> فَلْيُقَاتِلْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ الَّذِينَ يَشْرُونَ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا بِالْآخِرَةِ قرآن> رسم> يعني: الذين يقاتلون الذين يشترون الحياة الدنيا أي: قاتلوا الذين يشترون الدنيا بالآخرة، من الذين قاتلهم؟ هم الصحابة .
كذلك جاءت السنة بفضائلهم، وذكرنا أن العلماء كتبوا في فضائلهم واحدا واحدا، مما يدل على شهرة تلك الفضائل في الأحاديث النبوية مجملة ومفصلة، من رجع إليها اقتنع بصحتها .
وكل تلك الفضائل يدعي الرافضة أنها بطلت بردتهم -في زعمهم- وأين تلك الردة؟ ما ذكروا ردة إلا في زعمهم أنهم كتموا الوصية التي هي وصية لعليّ اسم> بأنه يكون الخليفة .
فالحاصل أن الشيخ -رحمه الله- يقول:
حب الصحابة كلهـم لي مذهب | ............................ |
ثم يقول رحمه الله:
............................. | ومودة القـربـى بهـا أتوسل |