القلوب أوعية؛ منها ما يستوعب الخير، ومنها ما يستوعب الشر. وأفضل القلوب هي التي تمتلئ بالخير،تمتلئ بالعلم وتمتلئ بالدين والعبادة، تمتلئ بالعلم النافع والعقيدة السليمة، هذه هي القلوب الواعية، وهي أرجى القلوب لتحصيل الخير لم يوجد أحد من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم دخل في بدعة ولا خالف السنة ولا جماعة المسلمين،ولا خرج على أئمة الدين بل الصحابة كلهم عدول؛ وذلك لأنهم تلقوا الوحي من النبي مباشرة فوصل الإيمان إلى قلوبهم، فلم يكن إيمانهم عن تقليد بل عن فقه واتباع. إن غسل أعضاء الوضوء في اليوم خمس مرات دليل على أن الإسلام جاء بما ينشط البدن وينظفه، كما جاء بما يطهر الروح ويزكيها. فهو دين الطهارة الحسية والمعنوية. شريعة الإسلام شريعة واسعة كاملة، اشتملت على كل ما تمس إليه حاجة البشر، حاجة الذكور والإناث في الدنيا وفي الآخرة، فذكر الله تعالى نساء الدنيا وجعل لهن أحكاما، وذكر النساء في الآخرة وذكر ثوابهن كثواب الرجال المؤمنين، وفي هذا تمام العدل والحكمة    عيادة المريض سنة مؤكدة، وقد رأى بعض العلماء وجوبها. قال البخاري في صحيحه: باب وجوب عيادة المريض. ولكن الجمهور على أنها مندوبة أو فرض على الكفاية، وقد ورد في فضلها قول النبي صلى الله عليه وسلم: "إن المسلم إذا عاد أخاه المسلم لم يزل في خرفة الجنة حتى يرجع" رواه مسلم. (الخرفة: اجتناء ثمر الجنة)
شرح لامية شيخ الإسلام ابن تيمية
52525 مشاهدة
ذكر القيامة

بسم الله الرحمن الرحيم .
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، قال الإمام شيخ الإسلام رحمه الله:
وكـذا الصراط يمـد فوق جهنم
فمُسلَّم نـاج وآخـر مهـمل
والنـار يصلاهـا الشقي بحكمة
وكذا التقي إلى الجنان سيدخل
ولكـل حي عـاقـل في قبـره
عمـل يقابلـه هناك ويسـأل
هـذا اعتقـاد الشـافعي ومالك
وأبي حنيفـة ثم أحمـد ينقل
فـإن اتبعت سبيلهـم فموفـق
وإن ابتدعت فما عليك معـول


السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم على أشرف المرسلين نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
ذكرنا أن من أركان الإيمان: الإيمان باليوم الآخر؛ الذي هو عذاب القبر والبعث من القبور، وحشر الأجساد، وجمع الناس في يوم القيامة؛ أولهم وآخرهم، وما يكون في يوم القيامة بعد اجتماع الخلق.
أولا: أنه يطول وقوفهم، وذكر أن ذلك اليوم يكون كألف سنة، أو كخمسين ألف سنة، في قول الله تعالى: وَإِنَّ يَوْمًا عِنْدَ رَبِّكَ كَأَلْفِ سَنَةٍ مِمَّا تَعُدُّونَ هذا اليوم هو يوم القيامة، ولكن قالوا: إن المؤمنين لا يُحِسُّون بطوله، وذلك لأن المؤمنين في نعيم، فهو عند المؤمن كصلاة مكتوبة.
وأما المعذبون فإنه يطول عليهم، فيكون عند بعضهم كأنه ألف سنة، وعند بعضهم كخمسين ألف سنة كما في قول الله تعالى: تَعْرُجُ الْمَلَائِكَةُ وَالرُّوحُ إِلَيْهِ فِي يَوْمٍ كَانَ مِقْدَارُهُ خَمْسِينَ أَلْفَ سَنَةٍ فَاصْبِرْ صَبْرًا جَمِيلًا إِنَّهُمْ يَرَوْنَهُ بَعِيدًا وَنَرَاهُ قَرِيبًا يَوْمَ تَكُونُ السَّمَاءُ كَالْمُهْلِ وَتَكُونُ الْجِبَالُ كَالْعِهْن وَلَا يَسْأَلُ حَمِيمٌ حَمِيمًا يُبَصَّرُونَهُمْ يَوَدُّ الْمُجْرِمُ لَوْ يَفْتَدِي مِنْ عَذَابِ يَوْمِئِذٍ بِبَنِيهِ .
هذه الصفات تدل على أن هذا هو يوم القيامة، أنه اليوم الذي طوله كخمسين ألف سنة، وأن الكفار يرونه بعيدا، يستبعدونه، فيقولون: إنه غير صحيح وغير واقع، قال الله: وَنَرَاهُ قَرِيبًا أي: نعرف ونؤكد أنه قريب؛ وذلك لأن كل ما هو آتٍ قريب، وقد أخبر الله تعالى باقتراب يوم القيامة، فقال عز وجل: اقْتَرَبَ لِلنَّاسِ حِسَابُهُمْ وَهُمْ فِي غَفْلَةٍ مُعْرِضُونَ أي: قرب حسابهم أي قرب يوم القيامة.
وقال الله تعالى: اقْتَرَبَتِ السَّاعَةُ وَانْشَقَّ الْقَمَرُ أي: قربت، وقرب قيامها، وقال الله تعالى: أَتَى أَمْرُ اللَّهِ فَلَا تَسْتَعْجِلُوهُ أي: قرب إتيانه، فكل ما هو آتٍ قريب. هذا اليوم الذي ذكر الله ما يكون فيه يَوْمَ تَكُونُ السَّمَاءُ كَالْمُهْلِ أي: تذوب وتتقطع، كما في قوله تعالى: وَيَوْمَ تَشَقَّقُ السَّمَاءُ بِالْغَمَامِ وقال تعالى: إِذَا السَّمَاءُ انْشَقَّتْ إِذَا السَّمَاءُ انْفَطَرَتْ وَفُتِحَتِ السَّمَاءُ فَكَانَتْ أَبْوَابًا فتتشقق السماء وتكون كالمهل، وتكون الجبال كالعهن، أي أن الجبال مع شموخها، ومع صلابتها تكون كالعهن؛ كما في قوله تعالى: وَتَكُونُ الْجِبَالُ كَالْعِهْنِ الْمَنْفُوشِ يعني: كالقطن الذي نُفش وتقطَّع قطعا وطارت به الرياح.
فهكذا هذه الجبال تسير من مكانها، وتزول، وتبقى الأرض مستوية؛ يمدها الله تعالى كما في قوله تعالى: وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الْجِبَالِ فَقُلْ يَنْسِفُهَا رَبِّي نَسْفًا فَيَذَرُهَا قَاعًا صَفْصَفًا أي: يذر هذه الأرض قاعا صفصفا لَا تَرَى فِيهَا عِوَجًا وَلَا أَمْتًا .
يجمع الله تعالى عليها خلقه؛ أولهم وآخرهم يجتمعون في صعيد واحد، ثم يطول وقوفهم، وفي هذا الوقوف، ورد أنه يلجمهم العرق، فمنهم من يأخذ العرق إلى كعبيه، ومنهم من يأخذ إلى ركبتيه، ومنهم من يأخذ إلى حقويه، ومنهم من يأخذه إلى ثدييه، ومنهم من يأخذ إلى ترقوتيه، ومنهم من يلجمه إلجاما.
وأما المؤمنون والأتقياء، فإنهم لا يتأثرون بذلك؛ ولكن إذا طال الوقوف طلبوا من يشفع لهم عند الله تعالى حتى يريحهم من طول الموقف، فيقولون: من يشفع لنا؟ فيقولون: ما أحق بهذا من أبيكم آدم؛ فيعتذر آدم ثم يأتون نوحا فيعتذر، ثم يأتون إبراهيم ثم موسى ثم عيسى وكل منهم يذكر له ذنبا أو يعتذر، فإذا أتوا إلى نبينا -صلى الله عليه وسلم- قال: أنا لها فيشفع حتى يريح الله الخلق من طول الموقف، فيجيء الله لفصل القضاء بين عباده كما يشاء يأتي لفصل القضاء بين عباده، ثم يحاسبهم.
فأولا: تُنشر الدواوين التي كتب فيها الأعمال، فيقرأ كل منهم كتابه، ويُقال: اقْرَأْ كِتَابَكَ كَفَى بِنَفْسِكَ الْيَوْمَ عَلَيْكَ حَسِيبًا يقول الله تعالى: وَوُضِعَ الْكِتَابُ يعني: كتاب الأعمال، فَتَرَى الْمُجْرِمِينَ مُشْفِقِينَ خائفين مُشْفِقِينَ مِمَّا فِيهِ وَيَقُولُونَ يَا وَيْلَتَنَا مَالِ هَذَا الْكِتَابِ لَا يُغَادِرُ صَغِيرَةً وَلَا كَبِيرَةً إِلَّا أَحْصَاهَا وَوَجَدُوا مَا عَمِلُوا حَاضِرًا وَلَا يَظْلِمُ رَبُّكَ أَحَدًا تنشر لهم هذه الكتب التي كتبت فيها سيئاتهم، وكتبت فيها حسناتهم وكتبت فيها أعمالهم فلا يفقدون صغيرة ولا كبيرة، كلها محصاة عليهم؛ كما قال الله تعالى: يَوْمَ يَبْعَثُهُمُ اللَّهُ جَمِيعًا فَيُنَبِّئُهُمْ بِمَا عَمِلُوا أَحْصَاهُ اللَّهُ وَنَسُوهُ أحصاه الله وكتبه عليهم، ونسوه؛ ولكن إذا عرض عليهم لا يقدرون على أن ينكروا منه شيئا، هذا الحساب.
ورد قوله صلى الله عليه وسلم: ما منكم من أحد إلا سيكلمه ربه ليس بينه وبينه ترجمان، فينظر أيمن، فلا يرى إلا ما قدم، وينظر أيسر، فلا يرى إلا ما قدم، وينظر أمامه فلا يرى إلا النار؛ فاتقوا النار، ولو بشق تمرة، فمن لم يجد فبكلمة طيبة .
كذلك أيضا مما يكون في يوم القيامة ما تقدم من الميزان الذي يوضع وَنَضَعُ الْمَوَازِينَ الْقِسْطَ لِيَوْمِ الْقِيَامَةِ وكذلك في عرصات القيامة الحوض المورود، وتقدم أيضا أنه أكبر حياض الأنبياء، وأنه -صلى الله عليه وسلم- أكثرهم واردا.
ومما يكون في يوم القيامة تطاير الصحف ؛ فآخذ كتابه بيمينه، وآخذ كتابه بشماله أو من وراء ظهره، قال الله تعالى: فَأَمَّا مَنْ أُوتِيَ كِتَابَهُ بِيَمِينِهِ فَيَقُولُ هَاؤُمُ اقْرَءُوا كِتَابِيَهْ إِنِّي ظَنَنْتُ أَنِّي مُلَاقٍ حِسَابِيَهْ فَهُوَ فِي عِيشَةٍ رَاضِيَةٍ .
قال بعض العلماء: إنه مكتوب في ذلك الكتاب أنه بطاقة صغيرة علامة على السعادة مكتوب فيها: هذا كتاب من الله تعالى لفلان ابن فلان أدخلوه جنة عالية قطوفها دانية؛ يُسَرُّ بذلك ويشرق وجهه كما في قوله تعالى: وَأَمَّا الَّذِينَ ابْيَضَّتْ وُجُوهُهُمْ فَفِي رَحْمَةِ اللَّهِ فيشرق وجههم ويسفر كما في قوله: وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ مُسْفِرَةٌ ضَاحِكَةٌ مُسْتَبْشِرَةٌ .
يقول لمن لقيه: هَاؤُمُ اقْرَءُوا كِتَابِيَهْ كل من لقيه يفرحه هَاؤُمُ اقْرَءُوا كِتَابِيَهْ .
ثم ذكر الله: وَأَمَّا مَنْ أُوتِيَ كِتَابَهُ بِشِمَالِهِ فَيَقُولُ يَا لَيْتَنِي لَمْ أُوتَ كِتَابِيَهْ وَلَمْ أَدْرِ مَا حِسَابِيَهْ .
هكذا أخبر الله أنه يتمنى أنه لم يؤت كتابه، في آية أخرى يقول الله: وَأَمَّا مَنْ أُوتِيَ كِتَابَهُ وَرَاءَ ظَهْرِهِ قيل: إن يده اليسرى تلوى من وراء الظهر؛ فيعطى كتابه بيده اليسرى، وتكون ملوية من وراء ظهره علامة على شقائه: وَأَمَّا مَنْ أُوتِيَ كِتَابَهُ وَرَاءَ ظَهْرِهِ فَسَوْفَ يَدْعُو ثُبُورًا وَيَصْلَى سَعِيرًا يدعو ثبورا في الموقف، ويدعو ثبورا في النار؛ كما يقول تعالى: دَعَوْا هُنَالِكَ ثُبُورًا لَا تَدْعُوا الْيَوْمَ ثُبُورًا وَاحِدًا وَادْعُوا ثُبُورًا كَثِيرًا يدعون على أنفسهم بالثبور الذي هو الخسار، هذه حالتهم عندما تتطاير الصحف.
ورد أن النبي- صلى الله عليه وسلم- سئل هل يسأل بعضهم بعضا، أو يسأل أحدهم عن إخوته، وعن أحبابه، وأهله فقال: أما في ثلاث حالات فلا يتساءلون ثم ذكر عند الميزان حتى يعرف هل يخف ميزانه ويثقل، وعند تطاير الصحف حتى يعرف هل يأخذ كتابه بيمينه أو بشماله، وعند الحساب حتى يقرأ حسابه .
ويحاسب نفسه؛ يعني أنهم في هذه الحالات في أمر عظيم، وفي أمر مهم لا شك أن هذا مما جاءت الأدلة به يؤمن به أهل السنة، ويثبتون ذلك وليس في العقل، ولا في النقل ما يردّه، فيكون من عقيدة المسلمين الذين يؤمنون بالله وباليوم الآخر.