جاء الشرع الشريف مرغبا في حسن المعاملة مع الأفراد والجماعات ؛ فحث على اختيار الرفقاء الصالحين ونفر من قرناء السوء، ورغب في زيارة الإخوان والأنس بهم، وأخبر بأن المؤمن الذي يخالط الناس ويصبر على أذاهم أفضل من صاحب العزلة؛ فإن الأول ينفع الناس ويرشدهم، ويتحمل ما ناله في ذات الله من إساءة وضرر. يجوز أن يعلم القبر بعلامات يعرف بها، فقد ثبت أنه صلى الله عليه و سلم لما دفن عثمان بن مظعون جعل عند قبره حجرا وقال: "أعرف به قبر أخي، وأدفن إليه من مات من أهلي". فيجوز أن يجعل علامة كحجر أو لبنة أو خشبة أو حديدة أو نحو ذلك، ليميز بها القبر عن غيره حتى يزوره ويعرفه.أما أن يكتب عليه فلا يجوز؛ لأنه قد نهي أن يكتب على القبور حتى ولو اسمه، وكذلك نهي أن يرفع رفعا زائدا عن غيره. شريعة الإسلام شريعة واسعة كاملة، اشتملت على كل ما تمس إليه حاجة البشر، حاجة الذكور والإناث في الدنيا وفي الآخرة، فذكر الله تعالى نساء الدنيا وجعل لهن أحكاما، وذكر النساء في الآخرة وذكر ثوابهن كثواب الرجال المؤمنين، وفي هذا تمام العدل والحكمة إن الغذاء الطيب من مكسب حلال يكسب القلب قوة، ويكسبه صفاء وإخلاصا، ويكون سببا في قبول الأعمال وإجابة الدعوات. والغذاء الطيب يكون سببا في بركة الله ومباركته للأعمال والأعمار والأموال، وأثر ذلك واضح، فقد ثبت عن النبي -صلى الله عليه وسلم- أنه قال: (كل لحم نبت على سحت فالنار أولى به) إذا عرف الصغير ربه، وعظم قدر ربه في قلبه، نشأ على طاعة الله تعالى، ونشأ على محبته، وأحب عبادة الله وعظمها في صغره، وسهلت عليه وداوم عليها في كبره، وكره المعصية ونفر منها، وكره كل ما نهى الله تعالى عنه؛ حيث أن آباءه يعلمونه الخير ويؤدبونه عليه
شرح لامية شيخ الإسلام ابن تيمية
52218 مشاهدة
صفة الحوض المورود

...............................................................................


وأما الحوض فإنه حوض جعله الله تعالى لنبيه في يوم القيامة في عرصات يوم القيامة. الحوض المورود طوله مسيرة شهر يعني: بالسير على الأقدام، وعرضه مسيرة شهر، وقدر في بعض الروايات أنه من عدن إلى أيلة عدن مدينة في حضرموت وأيلة في سوريا أو في الشام يعني: مسيرته ما بين هذه المسافة، وأن آنيته عدد نجوم السماء. آنيته التي يشرب بها، وأنه يصب فيه ميزابان من الكوثر؛ الذي أعطاه الله نبيه بقوله: إِنَّا أَعْطَيْنَاكَ الْكَوْثَرَ أن الكوثر نهر في الجنة؛ ماؤه أشد بياضا من اللبن، وأحلى من العسل. يصب منه ميزابان في هذا الحوض؛ ولذلك يشرب منه كل من ورده من هذه الأمة.
وورد أيضا أن لكل نبي حوضًا، وأن نبينا -صلى الله عليه وسلم- أكثرهم واردًا، فهو دليل على أن أمته الذين اتبعوه أكثر الأمم يعني: أكثر من غيرهم فنقر بهذا الحوض.
يقول الشيخ رحمه الله:
وأقر بالميزان والحوض الذي
أرجـو بأني منـه ريًّا أنهـل
يعني: النهل الشرب إلى الري. ريا يعني: أرتوي بحيث لا يصيبني بعده ظمأ؛ لأنه ورد أن من شرب منه لم يظمأ حتى يدخل الجنة. لم يظمأ بعد ذلك أبدًا، ذكر أنه يرده المؤمنون، ويذاد عنه المنافقون حتى المرتدون يقول: إنه يأتيه قوم يعرفهم فإذا عرفهم حيل بينهم وبينه فيقول: أصحابي أو أمتي، فيُقال: إنك لا تدري ما أحدثوا بعدك. إنهم لم يزالوا مرتدين على أعقابهم منذ فارقتهم .
وقد كثرت الأدلة في إثبات الحوض حتى قالوا: إنه رواه أربعون صحابيًا. يعني قصة ذلك الحوض يعني: ماء في مكان محوم يَرِدُه المؤمنون في ذلك اليوم؛ في يوم القيامة إلى أن يدخلوا الجنة؛ فهذه من عقائد أهل السنة.