إن المسلم الملتزم بدين الله ، والذي سار على صراط الله المستقيم ، سيجد دعاة الضلال والانحراف؛ وهم واقفون على جانبي الطريق، فإن أنصت لهم والتفت إليهم عاقوه عن السير، وفاته شيء كثير من الأعمال الصالحة. أما إذا لم يلتفت إليهم؛ بل وجه وجهته إلى الله فهنيئا له الوصول إلى صراط ربه المستقيم الذي لا اعوجاج فيه ولا انحراف شريعة الإسلام شريعة واسعة كاملة، اشتملت على كل ما تمس إليه حاجة البشر، حاجة الذكور والإناث في الدنيا وفي الآخرة، فذكر الله تعالى نساء الدنيا وجعل لهن أحكاما، وذكر النساء في الآخرة وذكر ثوابهن كثواب الرجال المؤمنين، وفي هذا تمام العدل والحكمة تعبير الرؤيا يرجع فيه إلى معرفة أشياء تختص بالرائي وما يتصل به، وكذا معرفة القرائن والأحوال، ومعرفة معاني الكلمات وما يتصل بها لغة وشرعا وما يعبر به عنها، وهذه الأمور ونحوها يختص بها بعض الناس لانشغالهم بمعرفتها وما يدور حولها، فعلى هذا لا يجوز لكل أحد أن يعبر الرؤى، فقد يفهم فهما بعيدا، وقد يأخذ التعبير من اللفظ لا من المعنى فيخطئ في ذلك. من كان مسافرا ولم يصل المغرب والعشاء فأدرك العشاء خلف إمام مقيم فالمختار أنه يصلي المغرب وحده، فإذا صلاها دخل معه في بقية العشاء، وذلك لاختلاف النية؛ فإن المغرب والعشاء متفاوتان بينهما فرق في عدد الركعات. هذا الذي نختاره. وأجاز بعض المشائخ أنه يدخل معهم بنية المغرب، فإذا صلوا ثلاثا فارقهم وتشهد لنفسه وسلم، ثم صلى العشاء، ولكل اجتهاده يجوز أن يعلم القبر بعلامات يعرف بها، فقد ثبت أنه صلى الله عليه و سلم لما دفن عثمان بن مظعون جعل عند قبره حجرا وقال: "أعرف به قبر أخي، وأدفن إليه من مات من أهلي". فيجوز أن يجعل علامة كحجر أو لبنة أو خشبة أو حديدة أو نحو ذلك، ليميز بها القبر عن غيره حتى يزوره ويعرفه.أما أن يكتب عليه فلا يجوز؛ لأنه قد نهي أن يكتب على القبور حتى ولو اسمه، وكذلك نهي أن يرفع رفعا زائدا عن غيره.
شرح لامية شيخ الإسلام ابن تيمية
59757 مشاهدة
محنة الإمام أحمد بن حنبل

كذلك أخذ هذه العقيدة أيضا رجل يقال له: ابن أبي دؤاد وتمكنت العقيدة السيئة من قلبه، ومع الأسف كان مستشارا عند الخليفة المأمون العباسي ؛ فزين للخليفة هذه العقيدة، ومنها أن الله لا يتكلم، وأن القرآن مخلوق ليس هو كلام الله، ولما زين ذلك للخليفة دعاه إلى أن يمتحن الناس، ويلزمهم على هذه العقيدة، ويجبرهم عليها؛ فوافقه الخليفة، وقد أوذي في زمانه أهل الحديث، ووصل الأمر إلى إمام أهل السنة أحمد بن حنبل -رحمه الله- ولكن دعا الإمام ربه ألا يريه وجه المأمون فاستجاب الله دعوته، ومات المأمون قبل أن يأتي الإمام أحمد ولكن تولى بعده أخوه المعتصم ووافق ابن أبي دؤاد على المحنة، وامتحن الإمام أحمد على هذه العقيدة أخذوا يقولون له: قل: إن القرآن مخلوق، وقل: إن الله لا يتكلم وإلا ضربناك، وضربوه ضربا شديدا ويقول عند الضرب:
لــست بتابـع يـا ويحكم
لكـمـو بــلا بـرهـان
أترون أني خائف من ضربكم
لا والإلـه الواحـد المنـان
فصبر على الحبس والضيق أكثر من عشرين شهرا قريبا من سنتين، وهو تحت السجن، وتحت الحبس والأذى؛ ولكنه لم يوافقهم حتى يقول أحدهم في أذنيه: قل في أذني: إن الله لا يتكلم، وأن القرآن مخلوق، وأنجيك من هذا السجن فقال له: بل قل أنت: إن الله يتكلم، وأن القرآن كلام الله، وأرجو أن أشفع لك عند الله .
واستمر على ذلك إلى أن تولى بعده ابنه الواثق ثم ابنه المتوكل الذي نصر السنة، وأكرم الإمام أحمد -رحمه الله- وانتشرت السنة، وتمكن أهل السنة؛ ولكن مع الأسف في القرن الرابع اختفى أمر السنة، وكاد أن يتمضحل، وصاروا يعتقدون معتقد الأشعري والكرامي وابن كلاب وظهر أيضا معتقد المعتزلة .
ظهر رجل يُقال له: أبو الهذيل العلاف على معتقد المعتزلة في تعطيل الله عن الأسماء والصفات، وكذلك أبو هاشم الجبائي والجاحظ ونحوهم من المعتزلة الذين كتبوا في هذه الاعتقادات .