إذا كان عقل المريض معه وفهمه وإدراكه فإن الأوامر والأحكام الشرعية تنطبق عليه، ويكلف بالصلاة والصوم والطهارة ونحوها بحسب القدرة، ويجوز مساعدته على الطهارة إن قدر على غسل أعضائه، فإن عجز عن استعمال الماء في أعضائه وشق غسلها عليه عدل إلى التيمم، فإن عجز فإن المرافق يقوم بذلك بأن يضرب التراب فيمسح وجهه وكفيه مع النية. قال النبي صلى الله عليه وسلم: "أد الأمانة إلى من ائتمنك، ولا تخن من خانك". فلو خانك إنسان فلا تجازه بالخيانة، بل اصفح وتجاوز عنه حتى يثيبك الله بالحسنى ويعفو عنك، ويعاقبه على خيانته إذا كان قد تعمدها، ولربما ندم إذا رآك تعامله بهذه المعاملة وهو قد خان! فيندم ويتخلق بأخلاقك؛ فيكون عملك هذا دعوة وسببا للتخلق بهذا الخلق العظيم. إن المسلم الملتزم بدين الله ، والذي سار على صراط الله المستقيم ، سيجد دعاة الضلال والانحراف؛ وهم واقفون على جانبي الطريق، فإن أنصت لهم والتفت إليهم عاقوه عن السير، وفاته شيء كثير من الأعمال الصالحة. أما إذا لم يلتفت إليهم؛ بل وجه وجهته إلى الله فهنيئا له الوصول إلى صراط ربه المستقيم الذي لا اعوجاج فيه ولا انحراف إذا ضعفت العقيدة في القلوب ضعف العمل، فإذا رأيت الذي يكون ضعيفا في عباداته، في صلواته وزكواته وما إلى ذلك، فاعلم أن ذلك لضعف في عقيدته بالأساس.فالعقيدة حقيقة إذا امتلأ بها القلب ظهرت آثارها على الجواربالوقوف قائما أو عدم الاستظلال أو بترك الكلام فهذا ليس فيه طاعة تعبير الرؤيا يرجع فيه إلى معرفة أشياء تختص بالرائي وما يتصل به، وكذا معرفة القرائن والأحوال، ومعرفة معاني الكلمات وما يتصل بها لغة وشرعا وما يعبر به عنها، وهذه الأمور ونحوها يختص بها بعض الناس لانشغالهم بمعرفتها وما يدور حولها، فعلى هذا لا يجوز لكل أحد أن يعبر الرؤى، فقد يفهم فهما بعيدا، وقد يأخذ التعبير من اللفظ لا من المعنى فيخطئ في ذلك.
شرح لامية شيخ الإسلام ابن تيمية
52897 مشاهدة
إثبات صفة النزول لله عز وجل

...............................................................................


وأما قوله:
............................
وإلى السماء بغير كيف ينزل
هذا إثبات النزول؛ أنه تعالى ينزل كما يشاء، وكذلك يجيء في يوم القيامة: وَجَاءَ رَبُّكَ وَالْمَلَكُ صَفًّا صَفًّا هذا النزول أيضا أنكره المعتزلة وأتباعهم، ولا يزالون يعيبون على من يثبته؛ مع أن الأحاديث في إثبات النزول عن عشرة من الصحابة أو أكثر.
وقد ذكرها بأكثر ألفاظها الشيخ حافظ الحكمي -رحمه الله- في كتابه الذي هو معارج القبول، ولعل بعضهم قرأه ووجد فيه الرواية الصحيحة، والصريحة التي لا تحتمل التأويل، ثم ثقلت هذه الأحاديث؛ ثقلت على هؤلاء المعتزلة وعلى أتباعهم، وأنكروا هذا النزول، وطعنوا فيمن روى هذه الأحاديث.
قرأت في كتاب لبعض الرافضة لما ذكروا صحيح البخاري قال: وكيف يُوثق به، وهو يروي هذه الأحاديث المكذوبة مثل حديث: ينزل ربنا إلى السماء الدنيا حين يبقى ثلث الليل الآخر وثلث الليل يتفاوت بتفاوت البلاد، فمعناه أن الله دائما وهو نازل؛ لأن إذا ذهب ثلث الليل عندنا ابتدأ ثلث الليل عند أهل مصر وإذا ذهب ثلث الليل عندهم -مثلا- ابتدأ ثلث الليل عند أهل المغرب ثم إذا ذهب أيضا عنهم ابتدأ ثلث الليل عند من بعدهم إلى أمريكا إلى سائر البلاد.
فثلث الليل دائما موجود، فطعن هذا الرافضي في صحيح البخاري بهذا، وما علم أن نزول الله تعالى يليق به، وأنه لا ينافي علوه، وأنه قادر على أن ينزل كما يشاء، ولا يكون في نزوله تشبيه، ولا يكون في نزوله حركة كما يعبرون؛ بل هو على كل شيء قدير.
هذا الحديث؛ شَرح حديث النزول قد شرحه شيخ الإسلام المؤلف الناظم -رحمه الله- والشرح مطبوع، طبع عدة مرات، وحقق شرح حديث النزول، وكان رُفِعَ إليه سؤال أن رجلين تجادلا في حديث النزول؛ فأنكره واحد منهم، وادعى أن ثلث الليل مستمر على كل بلد، وأن الشمس تطلع على كلٍّ على حسب أوقاتهم، وأن الليل يكون دائما موجودا. الليل موجود عندنا، ثم إذا غاب عنا فهو موجود عند من بعدنا، وكذلك دائما.
فأجاب شيخ الإسلام -رحمه الله- بالجواب المفصل عن هذه الشُّبهة، وبين أن نزول الله ليس كنزول المخلوقين، ولا نقول: إنه إذا نزل يكون شيء من المخلوقات فوقه، ولا أنه يخلو منه العرش، أو لا يخلو، ولا أنه يلزم من نزوله حركة.
وقد بين ذلك بيانًا مفصلًا في هذه الرسالة التي سماها شرح حديث النزول، وهي مطبوعة عدة طبعات، وطبعت في المجلد السابع عشر أو الثامن عشر من الفتاوى؛ مجموع الفتاوى، وطبع أيضا محققا؛ وذلك لأن الله تعالى هو على ما أخبر به، وقد أخبر تعالى بإتيانه في قوله: هَلْ يَنْظُرُونَ إِلَّا أَنْ تَأْتِيَهُمُ الْمَلَائِكَةُ أَوْ يَأْتِيَ رَبُّكَ أَوْ يَأْتِيَ بَعْضُ آيَاتِ رَبِّكَ هَلْ يَنْظُرُونَ إِلَّا أَنْ يَأْتِيَهُمُ اللَّهُ فِي ظُلَلٍ مِنَ الْغَمَامِ وَالْمَلَائِكَةُ .
فإذا كان الله تعالى أخبر بأنه يأتي وَجَاءَ رَبُّكَ وَالْمَلَكُ صَفًّا صَفًّا فلا يستغرب أنه ينزل كما يشاء، وأنه يتودد إلى عباده، وهو عنهم غني. يتودد إليهم فيقول: هل من سائل فأعطيه هل من تائب فأتوب عليه هل من مستغفر فأغفر له... حتى يطلع الفجر وهو يتودد إلى عباده، وكل منهم بحاجة إلى أن يسأل ربه، وأن يستغفره، وأن يتوب إليه، فلا يغفل العبد في هذه الساعات التي في آخر الليل؛ سواء في آخر الليل عندنا أو في آخر الليل عند أولئك. ينزل كما يشاء.
............................
وإلى السماء بغير كيف ينزل
ذكرنا قول المباركفوري:
قالوا: النزول فقلت: ناقله لنا
قوم همو نقلوا شريعة أحمد
قالوا: فكيف نزوله؟ فأجبتهم
لم ينقل التكييف لي في مسند
يعني أن الذين نقلوا لنا هذا الحديث هم الذين نقلوا لنا الأحاديث كلها، وهم الصحابة -رضي الله عنهم- فإذا رددناه لزم أن نرد غيره من الأحاديث التي تتعلق بالصلاة، وتتعلق بالزكاة، وتتعلق بالصيام، وتتعلق بالبيوع، وتتعلق بالأحكام وبالحلال والحرام، وبالحدود وبالعقوبات وما أشبه ذلك فكيف نقبل بعضا ونرد بعضا؟ نكون من الذين قال الله فيهم: أَفَتُؤْمِنُونَ بِبَعْضِ الْكِتَابِ وَتَكْفُرُونَ بِبَعْضٍ لا شك أن ذلك تفريق بين شرع الله تعالى.
إذن فالواجب علينا أن نؤمن بكل ما جاءنا عن الله تعالى، وأن نصدق به، وكذلك كل ما جاءنا عن النبي -صلى الله عليه وسلم- وأن نصدق به، ولو لم تدركه عقولنا؛ ولهذا نقل عن الشافعي -رحمه الله- أنه قال: آمنت بالله، وبما جاء عن الله على مراد الله، وآمنت برسول الله، وبما جاء عن رسول الله على مراد رسول الله -صلى الله عليه وسلم-.
أي: كل ما جاء عن الله، وعن رسوله -صلى الله عليه وسلم- فإننا نتقبله، وإننا لا نرد شيئا منه، وإذا لم تدركه عقولنا؛ فإننا نؤمن به على ما هو عليه، ونقول: نثبت هذه الصفة نثبتها على أنها صفة ثابتة، ولكن لا نكيّفها. نقول: على مراد الله، أو على ما يليق بالله. ينزل الله كما يشاء، كما أنه استوى على العرش على ما يليق به؛ استواء يليق به، وليس كما يقوله النُّفاة والمعطلون.