اللسان أمانة،استودعه الله عندنا وأمرنا بأن نستعمله في الذكر وفي العلم وفي التعليم وفي النصيحة وما أشبه ذلك، ولا نستعمله في غيبة ونميمة ولا في هجاء ولا في عيب وقذف وهمز ولمز وما أشبه ذلك. وهكذا بقية الجوارح أمانات داخلة في قول الله تعالى: (والذين هم لأماناتهم وعهدهم راعون) . إذا عرف الصغير ربه، وعظم قدر ربه في قلبه، نشأ على طاعة الله تعالى، ونشأ على محبته، وأحب عبادة الله وعظمها في صغره، وسهلت عليه وداوم عليها في كبره، وكره المعصية ونفر منها، وكره كل ما نهى الله تعالى عنه؛ حيث أن آباءه يعلمونه الخير ويؤدبونه عليه اشترط كثير من العلماء أن يكون التيمم بتراب له غبار يعلق باليد، ومنعوا التيمم بالرمل ونحوه مما لا غبار له، وألزموا المسافر أن يحمل معه التراب إذا سافر في أرض رملية، ولعل الصحيح جواز التيمم بالرمل؛ لعموم قوله صلى الله عليه وسلم: "جعلت لي الأرض مسجدا وطهورا" متفق عليه. الدين الذي في ذمة من هو قادر على الوفاء يزكى؛ لأنه بمنزلة الأمانة عنده، ويقدر صاحبه أن يأخذه ويتحصل عليه متى طلبه، وأما الدين الذي عند معسر أو مماطل ولو كان غنيا، فإن صاحبه لا يقدر على الحصول عليه، ولو طالبه قد يدعي الإعسار والفقر، فمثل هذا المال كالمعدوم، فلا زكاة عليه إلا إذا قبضه عيادة المريض سنة مؤكدة، وقد رأى بعض العلماء وجوبها. قال البخاري في صحيحه: باب وجوب عيادة المريض. ولكن الجمهور على أنها مندوبة أو فرض على الكفاية، وقد ورد في فضلها قول النبي صلى الله عليه وسلم: "إن المسلم إذا عاد أخاه المسلم لم يزل في خرفة الجنة حتى يرجع" رواه مسلم. (الخرفة: اجتناء ثمر الجنة)
شرح لامية شيخ الإسلام ابن تيمية
59796 مشاهدة
تحريف المبتدعة لكلام الله

...............................................................................


ومن التحريف اللفظي، ما ذكر أن بعض المعتزلة جاء إلى أبي عمرو بن العلاء القارئ المشهور أحد القراء السبعة، وقال: أريد أن تقرأ قول الله تعالى: وَكَلَّمَ اللَّهُ مُوسَى اقرأها: وكلم اللَّهَ موسى تكليما، انصب اللهَ حتى يكون موسى هو المكلِّم يعني موسى كلم الله، وتقرأ: مِنْهُمْ مَنْ كَلَّمَ اللَّهَ حتى يكون موسى هو المكلِّم ليس هو المكلَّم، فقال أبو العلاء رحمه الله: هَب أني قرأت ذلك، أو أنت كذلك، فكيف تفعل بقول الله تعالى: وَلَمَّا جَاءَ مُوسَى لِمِيقَاتِنَا وَكَلَّمَهُ رَبُّهُ هل تقبل أن تحرَّف هذه؟ فسُقِطَ في يد ذلك المعتزلي، وعرف أنه لا يقدر على تحريف كلام الله، وعلى تحريف القرآن، وأنه بهذا يكون قد تجرأ على كلام الله وغيره وغير دلالته.
فهذا يسمونه التأويل، وهو في الحقيقة تحريف لفظي، وأما التحريف المعنوي فما أكثره؛ حيث إنهم كلما جاءتهم من آية فيها دلالة على صفة جعلوها محتملة للتأويل فقالوا: نئولها أي: نحملها على محمل بعيد، فمثل: وَكَلَّمَهُ رَبُّهُ قالوا: كلمه يعني: جرَّحه، وكلم الله موسى يعني جرحه؛ لأن الجرح يُسمَّى كَلْما كما في الحديث: ما من مكلوم يكلم في سبيل الله... جرحه بأظافر الحكمة.