شرح كتاب العظمة المجموعة الثالثة
الريح والسحاب بين الرحمة والعذاب
...............................................................................
السلام عليكم ورحمة الله.
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه.
قال الله تعالى: رسم> قُلِ انْظُرُوا مَاذَا فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ قرآن> رسم> أي: تفكروا في السماوات وتفكروا فيما في الأرض حتى تعتبروا وتروا الآيات العظيمة التي تدل على عظمة من أوجدها؛ دائما يذكر الله جنس الآيات، ويبين أنها آيات عظيمة مثل قول الله تعالى: رسم> ومن آياته يُرِيكُمُ الْبَرْقَ خَوْفًا وَطَمَعًا وَيُنَزِّلُ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَيُحْيِي بِهِ الْأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِهَا قرآن> رسم> هكذا أخبر بأن هذه من آياته التي تدل على عظمته. يريكم البرق. يعني أنه يظهر السحب، ثم ينشأ منها هذا البرق وهذا الرعد، وفيه خوف وفيه طمع. فالخوف أنه قد يكون عذابا، والطمع أنه يكون رحمة.
ولهذا ذكرت عائشة اسم> رضي الله عنها أن النبي -صلى الله عليه وسلم- كان إذا رأى السحاب اهتم وأقبل وأدبر ودخل وخرج، فإذا تجلى السحاب سُري عنه وفرح، فتقول له عائشة: اسم> إن الناس إذا رأوا السحاب فرحوا وسروا؛ لأنه يكون سببا للرحمة وأنت إذا رأيت هذه السحاب تحزن وتهتم وتدخل وتخرج ..... إذا رآه يخاف أن يكون عذابا.
وذلك لأن الله تعالى جعل الريح عذابا, وقد جعل أيضا السحاب عذابا, فجعل الريح عذابا كقوله تعالى : رسم> وَفِي عَادٍ إِذْ أَرْسَلْنَا عَلَيْهِمُ الرِّيحَ الْعَقِيمَ مَا تَذَرُ مِنْ شَيْءٍ أَتَتْ عَلَيْهِ إِلَّا جَعَلَتْهُ كَالرَّمِيمِ قرآن> رسم> يعني: أن هذه الريح سلطت على عاد, فكانت عذابا بحيث إنها أتت على منازلهم وعلى أماكنهم, فكل شيء أتت عليه -يعني مما يقبل الإفساد- أفسدته؛ وذلك لأن الله تعالى سلط عليهم -لما عصوا رسوله- الجدب والقحط الشديد, فبقوا مدة لم يأتهم السحاب ولم تأتهم الأمطار, تضرروا بذلك, فأرسلوا اثنين يستسقيان عند البيت الحرام اسم> بمكة اسم> وهذان انشغلا في مكة اسم> حيث نزلا عند أحد أقاربهما, وأخذا يستمعان الغناء ويأكلان من النعم, وتركا الاستسقاء لقومهما, فعلم صاحب البيت أن هذا ضرر على قومهم, فعند ذلك أنشأ قصيدة, وأمر الْأَمَتَيْنِ أن تغنيا بها, حتى ينتبه هؤلاء, وكان أحدهما اسمه قيـل اسم> مطلع الأبيات قوله:
ألا يـا قيـل اسم> ويحـك قـم فـهينم | لعـل اللـه يسـقينا غمـامـا |
فتسـقى أرض عـاد إن عــادا | قـد امسـوا لا يبينون الكلامـا |
من العطش الشديد فليس نرجـو | بـه الشيخ الكبـير ولا الغلامـا |
وهذا هو السبب الذي كان النبي -صلى الله عليه وسلم- يخاف من اشتداد الريح, ويخاف أيضا من قوة المطر أن يكون غرقا. الله تعالى إذا رحم عباده فإنه ينزل المطر بِقَدَر, أي بمقدار, كما قال تعالى : رسم> وَأَنْزَلْنَا مِنَ السَّمَاءِ مَاءً بِقَدَرٍ فَأَسْكَنَّاهُ فِي الْأَرْضِ وَإِنَّا عَلَى ذَهَابٍ بِهِ لَقَادِرُونَ قرآن> رسم> أخبر بأنه جعله بقدر, أي مقدرا ليس قليلا فلا يكفي ولا يحصل به النبات, وليس كثيرا فيحصل به الغرق, بل جعله متوسطا بقدر الحاجة, كذلك قول الله تعالى: رسم> فَأَسْكَنَّاهُ فِي الْأَرْضِ قرآن> رسم> أي: أنه جعل في هذه الأرض خزائن تخزن الماء حتى يحتاج إليه, فتمتلئ هذه المستودعات, ثم بعد ذلك يستخرجونه ليسقوا منه أشجارهم وبهائمهم وأنفسهم, وذلك فضل الله تعالى ومِنَّتُهُ.
هذا من آيات الله تعالى: إرسال هذه الرياح, ثم إنشاء هذه السحب, ولذلك قال تعالى: رسم> وَهُوَ الَّذِي يُرْسِلُ الرِّيَاحَ بُشْرًا بَيْنَ يَدَيْ رَحْمَتِهِ قرآن> رسم> الرياح: هي هذه الأعاصير, هذه من آيات الله, لو اجتمع الخلق كلهم على أن يرسلوها إذا سكنت ما قدروا. الله هو الذي يرسلها إذا شاء, ولو هاجت الرياح واشتدت وحاول الخلق كلهم أن يسكنوها ما قدروا, الله هو الذي يرسلها, ولا يُدْرَى من أين تأتي, يرسل الله تعالى هذه الرياح إذا شاء, فلا يدري أحد أين مسكنها، أين مستودعها الذي تأتي منه؟ تارة تكون ريحا طيبة, وتارة تكون ريحا شديدة إذا اشتدت, فإنها تقلع الأشجار ولو كانت راسخة, تقلع النخيل, وتقلع الأشجار الكبيرة, وتهدم البيوت.
وذكر في هذه الأيام أنه أرسلت ريح على إحدى القرى داخل المملكة اسم> وأنها قلعت مواسير الكهرباء, كثيرٌ منها انقلعت, وأنه حصل بها ضرر. لا شك أن هذا دليل على أنها ريح شديدة إذا أرسلها الله تعالى أرسلها كما يشاء. ولهذا ورد في الحديث النهي عن سب الريح , وذكر أن سبها سب لله تعالى, لأنه الذي يصرفها رسم> لا تسبوا الريح, فإنها مأمورة, وإذا هاجت الرياح فقولوا: اللهم إنا نسألك خيرها وخير ما فيها, وخير ما أرسلت به, ونعوذ بك من شرها وشر ما فيها وشر ما أرسلت به متن_ح> رسم> ونقول أيضا: اللهم اجعلها رياحا, ولا تجعلها ريحا, اجعلها رياحا لأن الرياح تكون رحمة, كقوله تعالى: رسم> وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ يُرْسِلَ الرِّيَاحَ مُبَشِّرَاتٍ قرآن> رسم> أي تبشر بالخصب, وتبشر بالغيث, وفي سورة الأعراف رسم> وَهُوَ الَّذِي يُرْسِلُ الرِّيَاحَ بُشْرًا بَيْنَ يَدَيْ رَحْمَتِهِ قرآن> رسم> أي: بشارة بين يدي أي قبل رحمته , التي هي نزول المطر, وبعدما ينزل يقول الله: رسم> فَانْظُرْ إِلَى آثَارِ رَحْمَةِ اللَّهِ كَيْفَ يُحْيِي الْأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِهَا قرآن> رسم> وكذلك قال تعالى: رسم> وَأَرْسَلْنَا الرِّيَاحَ لَوَاقِحَ قرآن> رسم> أي تلقح السحاب, وهذه الرياح تلقح السحاب وتثيره, رسم> يُرْسِلُ الرِّيَاحَ فَتُثِيرُ سَحَابًا قرآن> رسم> .
يرسل الرياح فتثير بأمر الله هذا السحاب, فينشئ الله هذا السحاب كما يشاء, ثم يسوقه إلى حيث شاء, يقول تعالى: رسم> فَسُقْنَاهُ إِلَى بَلَدٍ مَيِّتٍ فَأَحْيَيْنَا بِهِ الْأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِهَا قرآن> رسم> سقناه: الله تعالى هو الذي يسيره, وقد تكون الريح أيضا تدفعه بأمر الله تعالى, فتسيره إلى حيث يشاء الله. لا شك أن هذا من آياته, وأما قوله: رسم> ولا تجعلها ريحا رسم> فإن الريح بالإفراد ذُكِرَ أنها عذاب, ذكرت عذابا كما في قصة عاد التي ذكرنا أدلتها رسم> فَأَرْسَلْنَا عَلَيْهِمْ رِيحًا صَرْصَرًا فِي أَيَّامٍ نَحِسَاتٍ قرآن> رسم> ريحا, وكذلك قوله: رسم> وَأَمَّا عَادٌ فَأُهْلِكُوا بِرِيحٍ صَرْصَرٍ عَاتِيَةٍ قرآن> رسم> فجعلها مفردة, رسم> رِيحًا صَرْصَرًا قرآن> رسم> أي: لها صرصرة, ولها شدة, رسم> سَخَّرَهَا عَلَيْهِمْ سَبْعَ لَيَالٍ وَثَمَانِيَةَ أَيَّامٍ حُسُومًا فَتَرَى الْقَوْمَ فِيهَا صَرْعَى كَأَنَّهُمْ أَعْجَازُ نَخْلٍ خَاوِيَةٍ قرآن> رسم> فهذه ذكرت بالإفراد.
وكذلك الريح التي أرسلها الله على الأحزاب الذين حاصروا النبي -صلى الله عليه وسلم- سنة خمس. المشركون من أهل مكة اسم> ومن معهم حاصروا المسلمين, فدعا عليهم النبي-صلى الله عليه وسلم- فأرسل الله عليهم ريحا, قال تعالى: رسم> يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اذْكُرُوا نِعْمَةَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ جَاءَتْكُمْ جُنُودٌ قرآن> رسم> يعني: جنود كثيرة رسم> فَأَرْسَلْنَا عَلَيْهِمْ رِيحًا وَجُنُودًا لَمْ تَرَوْهَا قرآن> رسم> أي: ما جاءتكم ولا أضرتكم هذه الريح, وإنما تسلطت عليهم فقلعت خيامهم, وأكفأت قدورهم, وأطفأت نيرانهم , وأقلقتهم, فلم يجدوا بُدًّا من أن يرتحلوا ويرجعوا. هذا نصر من الله, رسم> فَأَرْسَلْنَا عَلَيْهِمْ رِيحًا وَجُنُودًا لَمْ تَرَوْهَا قرآن> رسم> وورد أن النبي-صلى الله عليه وسلم- قال: رسم> نُصِرْت بالصبا, وأُهْلِكَتْ عاد بالدَّبُور متن_ح> رسم> الصبا: الريح التي تأتي من الشرق, والدبور: التي تأتي من الغرب. أي: أن الله تعالى نصر نبيه-صلى الله عليه وسلم- بهذه الريح التي جاءت من الصبا, فتسلطت على الأحزاب حتى تفرقوا, وأهلكت عاد بالريح التي تأتي من الغرب, التي هي الدبور.
فلا شك أن هذا دليل على كمال تصرف الخالق سبحانه وتعالى, رسم> وَهُوَ الَّذِي يُرْسِلُ الرِّيَاحَ بُشْرًا بَيْنَ يَدَيْ رَحْمَتِهِ حَتَّى إِذَا أَقَلَّتْ سَحَابًا ثِقَالًا سُقْنَاهُ لِبَلَدٍ مَيِّتٍ فَأَنْزَلْنَا بِهِ الْمَاءَ فَأَخْرَجْنَا بِهِ مِنْ كُلِّ الثَّمَرَاتِ كَذَلِكَ نُخْرِجُ الْمَوْتَى لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ قرآن> رسم> يحتج الله تعالى بهذا على أنه هو الذي يحيي الموتى حيث أنه هو الذي يحيي الموتى حيث إنه أرسل الرياح, وأثارت هذا السحاب -سحابا ثقالا- مثقلا بالماء, لا ندري كيف تحمل الماء؟ من أين حمل هذا الماء؟ ومن أين جاءه؟ الله هو العالم بذلك, نشاهد أن هذه الطائرات تخرق هذا الجو, وتكون فوق السحاب, والسحاب تحتها يمطر فيكون له رعد وله برق, وأهل الطائرة لا يحسون بشيء من ذلك, ولا يجدون هذه الرطوبة التي امتلأ بها هذا السحاب. إذا خرقت هذه السحاب لا تحس برطوبة ولا بماء, مع غزارة الماء الذي تحمله تلك السحب ولا تحس أيضا بذلك الرعد وذلك البرق, فيدل على أنه من آيات الله تعالى.
قال بعضهم: إن البرق من آثار احتكاك السحاب بعضه ببعض, وإذا احتكت سحابة بأخرى اشتعل منها هذا البرق, وظهر منها هذا الصوت الذي هو هذا الرعد، ويقول بعضهم: إن هذا الرعد هو من آثار الريح الشديدة التي تزجر السحاب, فيكون من آثارها هذا الصوت الشديد الذي يسمع في وسط السحب. ومن المعلوم أن الطائرة تخرق السحب المتكاثفة, ومع خرقها لها ومع سرعتها لا يحصل شيء من هذا الاصطدام, لا تصطدم بذلك الرعد المتكاثف, ولا يحصل شيء من الاحتكاك الذي يسمع له صوت رعد ولا برق, وإنما يجدون هذا السحب غماما كهيئة الغبار, تخرقه الطائرة وتتجاوزه, ولا يكون لذلك تصويت ولا غيره, فلا شك أن الله تعالى هو الذي حَمَّلَهُ هذا الماء, جعله يحمل هذا الماء, فتثير سحابا.
ذكر في الآية الأخرى أنه رسم> سَحَابًا ثِقَالًا قرآن> رسم> وأنه جعله سببا في حمل الماء, ثم ننظر أيضا في أنه تعالى يسيره كيف يشاء, فيشاهد أنه يسير أحيانا في جهة الشرق متوجها, وأحيانا في جهة الغرب, وأحيانا يشاهد أنه يذهب يمينا شمالا أو جنوبا. ويشاهد أيضا أن السحب تكون في جهة الشمال بعيدا عن بعض القرى, فيأمرها الله تعالى وتتوجه إلى مكان أراد الله نزول المطر عليه, فتُنْزِل ما بها من السحاب أي: بأمر الله تعالى. وهذا معنى قوله : رسم> فَسُقْنَاهُ إِلَى بَلَدٍ مَيِّتٍ قرآن> رسم> .
الله تعالى هو الذي يسوقه, كما أخبر: ( سقناه ) أي بأمرنا, ليس ذلك بطبيعته ولا بالريح, بل بأمر الله تعالى يسوقه حيث يشاء, فينزل المطر كما شاء, ويكون بِقَدَرٍ. فلو اجتمع الخلق على أن ينشئوا سحابة ما قدروا, أو على أن ينزلوا مطرا ما قدروا. وقد ذكر في الأحاديث أن الله تعالى يستجيب دعوة الصالحين, فيغيثهم. في الحديث المشهور عن أنس اسم> في الصحيحين لما استغاث النبي-صلى الله عليه وسلم- وهو على المنبر , يقول أنس: اسم> وما بالسماء قزعة, فنشأت سحابة عند سلع الجبل الصغير اسم> الغربي الشمالي عن المسجد الحرام اسم> مثل الترس,- الترس: هو المجن الذي يلبس على الرأس-. فلما توسطت السماء امتدت, فنزل منها المطر, واستمر المطر سبتا -يعني: أسبوعا-. نشأت مثل الترس, ثم مع ذلك كست السماء بأمر الله تعالى, إلى أن حصل ما حصل, ونزل المطر, ولما دعا النبي-صلى الله عليه وسلم- بقوله: اللهم حوالينا ولا علينا. تقطع السحب, وذهب يمنة ويسرة بأمر الله تعالى, فصار حول المدينة اسم> .
هذه أيضا من كرامات ومعجزات النبي -صلى الله عليه وسلم-. وهذا أيضا واقع أن كثيرا من الصالحين إذا استسقوا وطلبوا المطر أنزل الله عليهم المطر بسهولة. في غزوة تبوك اسم> قحط الصحابة وهم أربعون ألفا, وليس حولهم ماء, فاستسقى النبي-صلى الله عليه وسلم- فأنشأ الله سحابة بقدرهم, فأنزل الله المطر حتى استنقعت الأرض, فشربوا, وسقوا إبلهم, وملئوا قربهم, نظروا وإذا تلك السحابة لم تتجاوز الركب, جاءت على قدرهم, لم تمتد إلى غيرهم من تلك البلاد. هكذا جاءت! والقصص في ذلك كثيرة.
نعرف بذلك أن الله تعالى هو الذي يرسل السحب إذا شاء, وأن هذا السحاب ينشأ بأمر الله إذا قال له كن رسم> إِنَّمَا أَمْرُهُ إِذَا أَرَادَ شَيْئًا أَنْ يَقُولَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ قرآن> رسم> فيرسل الرياح وتثير الرياح سحابا, ثم يسيره ويصرفه كيف يشاء, كما قال الله تعالى : رسم> وَلَقَدْ صَرَّفْنَاهُ بَيْنَهُمْ لِيَذَّكَّرُوا قرآن> رسم> .
روي عن ابن عباس اسم> أنه قال: ليس زمان أكثر مطرا من زمان, ولكن يصرفه الله كيف يشاء, يصرفه كما يشاء بأمره سبحانه وتعالى, فيكون ذلك من آياته أنه تارة يكون شمالا, وتارة يكون شرقا, وتارة يكون غربا, فتكون كثير من البلاد دائما ينزل عليها المطر بأمر الله, ثم يتوقف عنها سنوات, ثم يعود إليها.
لقد أخبرنا بعض الشيوخ كبار الأسنان الذين أدركوا أول القرن الماضي يعني من سنة ثلاثمائة إلى سنة ثلاثمائة وخمس وعشرين: أن المطر والسحب لا تنقطع عنهم, بل مستمرة على هذه البلاد, وأنهم لذلك كثرت أموالهم من المواشي من بهيمة الأنعام -الإبل والبقر والغنم- وتوالدت الصيود -الظباء والوعول- حتى كانت كأنها أغنام, إذا دخلوا شعبا من الشعاب وإذا هو ممتلئ من هذه الصيود, يأخذون منها ما يريدون قدر حاجتهم, ويتركون البقية من كثرة الخير, وأنهم لما أغدقت بلادهم أصبح الماء قريبا.
لا شك أن ذلك كله من آثار بركات الله تعالى, وغيثه لعباده.
في هذه الأزمنة يدعي كثير من هؤلاء المتمعلمين أن هذا المطر إنما هو من بخار الأرض, وأن كل ما صب على الأرض فإنه يتبخر ويكون ماء ينزل بعد ذلك, ولو كان كذلك لكان نزوله في شدة الحر أكثر في الصيف, وذلك لشدة حرارة الشمس التي من آثارها يتبخر الماء, سواء من البحر أو من الأنهار التي تجري أو مما يصب على الأرض من المياه أو ما أشبه ذلك. فدل على أن هذا لا صحة له، كونهم يدعون أنه من بخار الأرض, بل هو من خلق الله تعالى, فالله قادر على أن ينشئ هذا الماء في جو السماء.
قد ذكر الله أن العرش كان على الماء, قال تعالى: رسم> وَكَانَ عَرْشُهُ عَلَى الْمَاءِ قرآن> رسم> يعني: قبل خلق السماوات والأرض, ذكر أن عرشه على الماء. وسئل ابن عباس اسم> على أي شيء الماء؟ فقال: على متن الريح. يعني أن الله تعالى أرسل الريح, أو خلق الريح فاستمسك بها هذا الماء. فلا يغتر بأقوال الذين يعتقدون أن هذه السحب أنها بسبب الأفلاك, أو أن هذا المطر مما يتبخر من الأرض, أو من البحار, أو ما أشبه ذلك, فإن هم إلا يظنون.
مسألة>