إن المؤمن بربه يرضى بالقضاء والقدر، ويعلم أن ما أصابه لم يكن ليخطئه، ويعلم أن في الابتلاء والامتحان خيرا كثيرا وأجرا كبيرا، وأن المصائب والنكبات يخفف الله بها من الخطايا، فيستحضر قول النبي صلى الله عليه وسلم: "ما أصاب العبد المسلم من نصب ولا وصب ولا هم ولا حزن ولا أذى ولا غم، حتى الشوكة يشاكها، إلا كفر الله بها من خطاياه" متفق عليه. عيادة المريض سنة مؤكدة، وقد رأى بعض العلماء وجوبها. قال البخاري في صحيحه: باب وجوب عيادة المريض. ولكن الجمهور على أنها مندوبة أو فرض على الكفاية، وقد ورد في فضلها قول النبي صلى الله عليه وسلم: "إن المسلم إذا عاد أخاه المسلم لم يزل في خرفة الجنة حتى يرجع" رواه مسلم. (الخرفة: اجتناء ثمر الجنة) قال النبي صلى الله عليه وسلم: "أد الأمانة إلى من ائتمنك، ولا تخن من خانك". فلو خانك إنسان فلا تجازه بالخيانة، بل اصفح وتجاوز عنه حتى يثيبك الله بالحسنى ويعفو عنك، ويعاقبه على خيانته إذا كان قد تعمدها، ولربما ندم إذا رآك تعامله بهذه المعاملة وهو قد خان! فيندم ويتخلق بأخلاقك؛ فيكون عملك هذا دعوة وسببا للتخلق بهذا الخلق العظيم. إن أهمية الوقت معلومة عند كل عاقل؛ ذلك أن وقت الإنسان هو رأسماله، وهو عمره أيامه ولياليه، فإذا ما ضاع رأس المال، ضاعت الأرباح، وإذا عرف الإنسان ذلك، حرص على أن يستغلها ويستفيد منها وألا يضيعها، ليكون بذلك رابحا إن غسل أعضاء الوضوء في اليوم خمس مرات دليل على أن الإسلام جاء بما ينشط البدن وينظفه، كما جاء بما يطهر الروح ويزكيها. فهو دين الطهارة الحسية والمعنوية.
فتاوى الصيام
125441 مشاهدة
حال دون رؤية الهلال غيم أو قتر

س17: إذا حال دون رؤية الهلال ليلة الثلاثين من شعبان غيم أو قتر فهل يجب صيام الثلاثين من شعبان، أم أنه لا يجوز لدخوله في النهي عن صوم يوم الشك؟
الجواب: هذه مسألة خلافية، طال الخلاف فيها بين العلماء، وألفت فيها المؤلفات، وانتصر فيها كل لمذهبه، وللإمام أحمد -رحمه الله- فيها روايات:
القول الأول في المسألة:
نصره صاحب زاد المستقنع وغيره، أنه إذا لم يُر الهلال ليلة الثلاثين، وحال بينهم وبينه غيم أو قتر، فيجب أن يصبحوا صياما. واستدل أصحاب هذا القول بعدة أدلة منها:
1- عن عائشة -رضي الله عنها- قالت: لَأَنْ أصوم يوما من شعبان أحب إلي من أن أفطر يوما من رمضان وكانت تصومه احتياطا.
وهؤلاء يقولون: إن هذا اليوم مشكوك فيه، فربما كان قد أهلّ ولم نره؛ لحيلولة هذا السحاب وهذا القتر دونه، وحيث إنه محتمل فإنا نصومه حتى نحتاط لديننا ولا نفطر يوما من رمضان.
2- استدلوا أيضا بحديث رواه مالك، عن نافع، عن ابن عمر في الصحيحين أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: صوموا لرؤيته، وأفطروا لرؤيته فإن غم عليكم فاقدروا له .
قالوا: إن معنى اقدروا له؛ أي أعطوه أقل تقدير، فاقدروا أن شعبان (29) يوما، ثم صوموا، وقالوا إن إتيان القدر بمعنى التضييق وارد في القرآن أيضا، قال تعالى: وَمَنْ قُدِرَ عَلَيْهِ رِزْقُهُ فَلْيُنْفِقْ مِمَّا آتَاهُ اللَّهُ [الطلاق: 7]. قوله: قُدِرَ عَلَيْهِ ؛ أي ضيق عليه، وقال تعالى: وَأَمَّا إِذَا مَا ابْتَلَاهُ فَقَدَرَ عَلَيْهِ رِزْقَهُ [الفجر: 16].
قالوا: وهذا دليل على أن معنى قوله -صلى الله عليه وسلم- اقدروا له أي ضيقوا له واجعلوه أقل تقدير.
3- واستدلوا أيضا بفعل ابن عمر راوي الحديث، قالوا: إن ابن عمر كان يفعل ذلك، فإذا كانت ليلة ثلاثين من شعبان بعث من ينظر إليه، فإن كانت السماء صحوا ولم يَرَ الهلال أصبح مفطرا، وإن كان بها غيم أو قتر ولم ير الهلال ليلة الثلاثين أصبح صائما، وهذا تفسير منه -رضي الله عنه- للحديث، والراوي أعلم بما روى.
هكذا استدل الفقهاء الذين قالوا: يجب صوم ليلة الثلاثين إذا كان دون منظره غيم أو قتر.
القول الثاني:
وهو مذهب الجمهور، ورواية عن الإمام أحمد، أنه لا يصام ليلة الثلاثين. واستدلوا على ذلك بأدلة منها:
1- أن النبي -صلى الله عليه وسلم- ورد عنه النهي عن صلة رمضان بغيره، فقد ثبت في الصحيحين قوله: لا تقدموا رمضان بصوم يوم أو يومين، إلا أن يكون صوم أحدكم فليصمه .
2- واستدلوا أيضا بالأحاديث التي فيها الأمر بإكمال العدة، منها قول النبي -صلى الله عليه وسلم- فإن غم عليكم فأكملوا عدة شعبان وقال -صلى الله عليه وسلم- في رمضان: فإن غم عليكم فصوموا ثلاثين .
3- أننا إذا صمنا ذلك اليوم، وهو يوم الثلاثين صمنا مع الشك، فدخلنا فيمن صام يوم الشك المنهي عنه في حديث عمار -رضي الله عنه- قال: من صام اليوم الذي يشك فيه فقد عصى أبا القاسم صلى الله عليه وسلم .
4- أن قوله -صلى الله عليه وسلم- صوموا لرؤيته وأفطروا لرؤيته، فإن غم عليكم فاقدروا له -وهو الحديث الذي استدل به أصحاب القول الأول- أتى مفسَّرا في بعض الروايات؛ فقد ورد في رواية: فاقدروا له ثلاثين ؛ فيكون معنى: اقدروا له أعطوه قدره المعتاد أو الأكثر وهو ثلاثين يوما.
القول الثالث:
وهو رواية أيضا عن الإمام أحمد -رحمه الله- إن صام الإمام صام الناس معه، سواء اعتمدوا على الحساب أو على الرؤية، وإن لم يصم فلا يصام؛ لأنه ورد في أحاديث قوله -صلى الله عليه وسلم- صومكم يوم تصومون، وفطركم يوم تفطرون، وأضحاكم يوم تضحون وفي حديث آخر: والحج يوم يحج الناس ؛ فجعل الأمر منوطا بما عليه أهل البلد، فإذا اتفق أهل البلد على الصيام فإنهم يصومون جميعا، وهكذا على الفطر، وهكذا الحج وغيرها.
الراجح: القول الثاني، وهو قول الجمهور ورواية عن الإمام أحمد -رحمه الله- أنه لا يصام مع الغيم؛ لصراحة الأحاديث وكثرتها.