شرح كتاب العظمة المجموعة الثالثة
أثر الريح في نشأة السحاب
الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على أشرف المرسلين نبينا محمد اسم> وعلى آله وصحبه أجمعين.
قال رحمه الله تعالى: ذكر السحاب وصفته.
قال: حدثنا عبد الرحمن بن محمد بن إدريس اسم> وإبراهيم بن محمد بن الحسن اسم> قالا: حدثنا أبو سعيد الأشج اسم> قال: حدثنا عقبة اسم> عن إسرائيل اسم> عن جابر اسم> عن عطاء اسم> رحمه الله تعالى قال: السحاب يخرج من الأرض ثم تلا: رسم> اللَّهُ الَّذِي يُرْسِلُ الرِّيَاحَ فَتُثِيرُ سَحَابًا قرآن> رسم> .
قال: حدثنا قاسم بن زكريا المطرز اسم> قال: حدثنا محمد بن منصور الطوسي اسم> قال: حدثنا أسيد الجمال اسم> قال: حدثنا يزيد بن مسلم الكناني اسم> عن حبيب بن أبي ثابت اسم> عن سعيد بن جبير اسم> عن ابن عباس اسم> رضي الله عنهما رسم> وَأَرْسَلْنَا الرِّيَاحَ لَوَاقِحَ قرآن> رسم> قال: إن الله تبارك وتعالى يبعث الريح تحمل الماء من السماء، تمري به السحاب تدر كما تدر اللقحة ولو كانت الريح هي التي تلقح لقال الله عز وجل: وأرسلنا الرياح ملقحات.
قال: حدثنا قاسم بن زكريا اسم> قال: حدثنا محمد بن منصور اسم> قال: حدثنا أسيد اسم> قال: حدثنا يزيد بن مسلم اسم> عن الأعمش اسم> عن أبي صالح اسم> عن أبي هريرة اسم> رضي الله عنه عن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: قال: القاسم اسم> سألت محمد بن منصور اسم> فقلت: عن النبي -صلى الله عليه وسلم- مثله؟ قال: لا أدري، وقيل لي: إنه في كتابه صحيح.
قال: حدثنا العباس بن حمدان اسم> قال: حدثنا محمد بن معمر اسم> قال: حدثنا سعيد اسم> عن قتادة اسم> رحمه الله تعالى قال: ذكر لنا أن رجلا سأل عليا اسم> رضي الله عنه عن رسم> فَالْحَامِلَاتِ وِقْرًا قرآن> رسم> قال: السحاب.
قال: حدثنا العباس اسم> قال: حدثنا محمد بن معمر اسم> قال: حدثنا روح اسم> قال: حدثنا شبل اسم> عن ابن أبي نجيح اسم> عن مجاهد اسم> رحمه الله تعالى رسم> فَالْحَامِلَاتِ وِقْرًا قرآن> رسم> قال: السحاب تحمل المطر.
قال: حدثنا الوليد بن أبان اسم> قال: حدثنا أبو حاتم اسم> قال: حدثنا يحيى بن صالح الوحاظي اسم> قال: حدثنا سليمان بن بلال اسم> قال: حدثنا أسامة بن زيد اسم> عن معاذ بن عبد الله بن خبيب الجهني اسم> قال: رأيت ابن عباس اسم> رضي الله عنهما مر على بغلة وأنا في بني سلمة فمر به تبيع اسم> ابن امرأة كعب فسلم على ابن عباس اسم> فقال له ابن عباس اسم> هل سمعت كعبا اسم> يقول في السحاب شيئا؟ قال: نعم، كان يقول: السحاب غربال المطر ولولا السحاب حين ينزل الماء من السماء لأفسد ما يقع عليه من الأرض. قال: سمعت كعبا اسم> يقول في الأرض: تنبت العام نباتا وتنبت عاما قابلا غيره؟ قال: نعم، سمعته يقول: إن البذر ينزل من السماء.
قال ابن عباس اسم> رضي الله عنهما: وأنا قد سمعت ذلك من كعب اسم> .
قال: حدثنا الوليد اسم> قال: حدثنا أبو طاهر سهل بن الفرخان اسم> قال: حدثنا الفرج بن عبد الملك بن ميناس اسم> قال: حدثتني أمي أم عبد الله بنت خالد بن معدان اسم> عن أبيها خالد بن معدان اسم> أنه كان يقول: إن في الجنة شجرة تثمر السحاب، فالسوداء منها الثمرة التي قد نضجت التي تحمل المطر، والبيضاء الثمرة التي لم تنضج لا تحمل المطر.
قال: حدثنا الوليد اسم> قال: حدثنا محمد بن عمارة اسم> قال: حدثنا إسحاق بن سليمان اسم> قال: حدثنا أبو سنان اسم> عن حبيب بن أبي ثابت اسم> عن عبيد بن عمير اسم> رحمه الله تعالى قال : يبعث الله عز وجل المبشرة فتقم الأرض قما، ثم يبعث الله عز وجل المثيرة فتثير السحاب، ثم يبعث الله عز وجل المؤلفة فتؤلفه، ثم يبعث الله عز وجل اللواقح فتلقح السحاب، ثم قرأ عبيد: اسم> رسم> وَأَرْسَلْنَا الرِّيَاحَ لَوَاقِحَ قرآن> رسم> قال: الريح لواقح.
قال: حدثنا أحمد بن الحسن بن عبد الجبار اسم> قال: حدثنا يحيى بن معين اسم> قال: حدثنا عباد بن العوام اسم> قال: حدثني موسى بن محمد بن الحارث التيمي اسم> عن أبيه قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم- في يوم دجن: رسم> كيف ترون بواسقها؟ قالوا: ما أحسنها وأشد تراكمها. قال: كيف ترون قواعدها؟ قالوا: ما أحسنها وأشد تمكنها. قال: كيف ترون جونها؟ قالوا: ما أحسنه وأشد سواده. قال: كيف ترون رحاها استدارت؟ قالوا: نعم ما أحسنها وأشد استدارتها. قال: ما أحسن برقها أخفوا أم وميضا أم يشق شقا؟ قال: بل يشق شقا. قال: الحيا. فقال أعرابي: يا رسول الله ما أفصحك! -أو ما رأينا من هو أعرب منك!- قال: حق لي وإنما نزل القرآن على لساني بلسان عربي مبين رسم> .
قال: حدثنا إبراهيم بن محمد بن الحسن اسم> قال: حدثنا إسحاق بن سنان اسم> قال: حدثنا عبيد الله بن إسماعيل اسم> عن عباد بن عباد اسم> عن إبراهيم بن محمد بن طلحة التيمي اسم> عن أبيه عن جده رضي الله عنه قال: كان النبي -صلى الله عليه وسلم- جالسا في أصحابه فذكر الحديث، قال عباد: اسم> الوميض: شبه الطود السريع، والخفو: الذي يكون بين السحابين، والذي يشق شقا: يعترض في الأفق.
قال: حدثنا أبو بكر الفريابي اسم> قال: حدثنا أبو الأصبغ عبد العزيز بن يحيى الحراني اسم> قال: حدثنا محمد بن سلمة اسم> عن محمد بن إسحاق اسم> عن محمد بن يحيى بن حبان اسم> عن الأعرج اسم> عن حميد بن عبد الرحمن اسم> عن الغفاري اسم> قال: وحدثنيه عبد الواحد بن أبي عون اسم> عن سعيد بن إبراهيم اسم> قال: سمعت الغفاري اسم> قال: رسم> سمعت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يقول: ينشئ الله عز وجل السحاب فتنطق أحسن النطق وتضحك أحسن الضحك متن_ح> رسم> .
قال: حدثنا أحمد بن عمر اسم> قال: حدثنا عبد الله بن محمد اسم> عن سليمان بن داود الهاشمي اسم> قال: سألنا إبراهيم بن سعد اسم> عن هذا فقال: المنطق: الرعد، والضحك: البرق.
قال عبد الله بن محمد بن زكريا اسم> قال: حدثنا سلمة اسم> قال: حدثنا أبو المغيرة اسم> قال صفوان: اسم> حدثنا أبو المثنى اسم> رحمه الله تعالى قال: إن الله عز وجل اطلع إلى أرضه بعد الطوفان، وقد بث فيها خلقه حتى طلع إلى دقاق الدواب التي كانت تحت الحجارة تسبح باسمه، ووكل الأرض بأرزاق خلقه فقالت له الأرض: أروِني من الماء ولا تنزله علي منهمرا كما نزلته علي يوم الطوفان وشققني وجددني. قال: سأجعل لك السحاب غربالا. قالت: رب فإني أخشى الرعد حين أسمع صوته، وأظن أنها الساعة وأن أمرك من أمر الساعة قريب. قال: فإني سأجعل لك أمارة بين يدي الرعد؛ إذا رأيت الرعد فشددي أركانك للرعد. قالت: فإنها لتشد حين ترى البرق كما يخاف الرجل عن الشيء يهابه.
قال: حدثنا أحمد بن عمر اسم> قال: حدثنا عبد الله بن عبيد اسم> قال: حدثنا أبو بكر بن جعفر اسم> قال: حدثنا كثير بن هشام اسم> قال: حدثني عيسى بن إبراهيم اسم> عن عبد الرحمن بن جابر اسم> عن عمير بن هانئ اسم> عن ابن عباس اسم> رضي الله عنهما قال: السحاب الأسود فيه المطر والأبيض فيه الندى وهو الذي ينضج الثمار.
قال: حدثنا أحمد بن عمر اسم> قال: حدثنا عبد الله بن عبيد اسم> قال: حدثنا محمد بن يحيى الأزدي اسم> قال: حدثنا محمد بن عمر اسم> قال: حدثنا عبد الحكيم بن عبد الله بن أبي فروة اسم> قال: سمعت عوف بن الحارث اسم> يقول: سمعت عائشة اسم> رضي الله عنها تقول: سمعت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- رسم> إذا نشأت السماء بحرية ثم تشاءمت فتلك عام غديقة. رسم> يعني: مطرا كثيرا .
قال: حدثنا إبراهيم بن محمد بن الحسن اسم> قال: حدثنا أحمد بن سعيد اسم> قال: حدثنا ابن وهب اسم> قال: أخبرني عبد العزيز بن محمد اسم> عن عمرو بن أبي عمرو اسم> عن الثقة أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: رسم> هذا سحاب ينشئ الله عز وجل فينزل الله منه الماء، فما من منطق أحسن من منطقه ولا من ضحك أحسن من ضحكه رسم> وقال رسول الله -صلى الله عليه وسلم- رسم> منطقه الرعد وضحكه البرق منطق السماء وضحكه فيها رسم> .
قال عمرو بن أبي عمرو اسم> قال: حدثنا ابن رستة اسم> قال: حدثنا عثمان بن سعيد الأنماطي اسم> قال: حدثنا عبد الرحمن الدشتكي اسم> قال: حدثنا أبو جعفر الرازي اسم> عن قتادة اسم> عن الحسن اسم> عن أبي هريرة اسم> رضي الله عنه قال: رسم> كنا جلوسا مع رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فمرت سحابة فقال رسول الله -صلى الله عليه وسلم- أتدرون ما هذه؟ قالوا: الله ورسوله أعلم قال: هذه العنانة. هذه روايا الأرض يسوقها الله عز وجل إلى أهل بلد لا يعبدونه متن_ح> رسم> .
قال: حدثنا العباس بن حمدان اسم> وإبراهيم بن متويه اسم> قالا: حدثنا أبو سعيد قال: حدثني عقبة اسم> عن إسرائيل اسم> عن جابر اسم> عن عطاء اسم> رحمه الله تعالى قال: السحاب يخرج من الأرض ثم تلا: رسم> اللَّهُ الَّذِي يُرْسِلُ الرِّيَاحَ فَتُثِيرُ سَحَابًا قرآن> رسم> .
قال: حدثنا محمد بن زكريا اسم> حدثنا أبو حذيفة اسم> عن سفيان اسم> رحمه الله تعالى في قوله: رسم> وَيُنْشِئُ السَّحَابَ الثِّقَالَ قرآن> رسم> قال: الذي فيه المطر.
قال: حدثنا عبد الله بن محمد بن عمران اسم> قال: حدثنا ابن أبي عمر اسم> قال: حدثنا سفيان اسم> في قوله تعالى: رسم> كَانَتَا رَتْقًا فَفَتَقْنَاهُمَا قرآن> رسم> قال: كانت السماء لا تمطر والأرض لا تنبت، ففتقت هذه بالمطر وهذه بالنبات.
وقال آخرون: كانتا رتقا إحداهما فوق الأخرى.
من آيات الله تعالى أن يرسل الرياح، وينشئ السحاب، وينزل به المطر، وينبت به النبات، وكلها من آيات الله سبحانه التي يذكر بها عباده. فالرياح من خلق الله تعالى يرسلها تارة للرحمة وتارة للعذاب؛ ولهذا ورد النهي عن سب الريح أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: رسم> لا تسبوا الريح فإنها مأمورة ولكن قولوا: اللهم إنا نسألك من خيرها وخير ما فيها وخير ما أرسلت به، ونعوذ بك من شرها وشر ما فيها وشر ما أرسلت به، اللهم اجعلها رياحا ولا تجعلها ريحا. متن_ح> رسم> كثيرا ما يذكر الله تعالى الرياح بالجمع وتكون هي الرياح التي تنشئ أو ينشئ الله بها السحب.
مثل قول الله تعالى: رسم> وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ يُرْسِلَ الرِّيَاحَ مُبَشِّرَاتٍ قرآن> رسم> أي: تبشر بالرحمة. ومثل قوله تعالى: رسم> وَهُوَ الَّذِي يُرْسِلُ الرِّيَاحَ بُشْرًا بَيْنَ يَدَيْ رَحْمَتِهِ قرآن> رسم> أي: بشارة، وقرأها بعض القراء: نشرا بين يدي رحمته. أي أنها تنشر السحاب فينتشر به، ومن ذلك أو دليل ذلك قوله تعالى: رسم> الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الْأَرْضَ مَهْدًا وَجَعَلَ لَكُمْ فِيهَا سُبُلًا لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ وَالَّذِي نَزَّلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً قرآن> رسم> يعني: بواسطة هذه الرياح رسم> فَأَخْرَجْنَا بِهِ نَبَاتَ كُلِّ شَيْءٍ قرآن> رسم> فإرسال الرياح تارة يكون رحمة وتارة يكون عذابا.
ورد أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: رسم> نصرت بالصبا وأهلكت عاد بالدبور. متن_ح> رسم> الصبا التي تأتي من المشرق، والدبور التي تأتي من المغرب؛ وذلك لأن الله تعالى نصر نبيه -صلى الله عليه وسلم- بالريح التي جاءت من المشرق في قوله تعالى: رسم> إِذْ جَاءَتْكُمْ جُنُودٌ فَأَرْسَلْنَا عَلَيْهِمْ رِيحًا وَجُنُودًا لَمْ تَرَوْهَا قرآن> رسم> أرسل الله على الأحزاب ريحا تقلب القدور وتطفئ النيران، وتقلع الخيام فلم يستقر لهم قرار فرحلوا، فكان ذلك نصرا من الله تعالى لنبيه -صلى الله عليه وسلم- وكذلك أهلك بها عادا في قوله تعالى: رسم> إِذْ أَرْسَلْنَا عَلَيْهِمُ الرِّيحَ الْعَقِيمَ قرآن> رسم> وفي قوله تعالى: رسم> فَأَرْسَلْنَا عَلَيْهِمْ رِيحًا صَرْصَرًا فِي أَيَّامٍ نَحِسَاتٍ قرآن> رسم> وفي آية أخرى: رسم> فِي يَوْمِ نَحْسٍ مُسْتَمِرٍّ تَنْزِعُ النَّاسَ كَأَنَّهُمْ أَعْجَازُ نَخْلٍ مُنْقَعِرٍ قرآن> رسم> رسم> وَأَمَّا عَادٌ فَأُهْلِكُوا بِرِيحٍ صَرْصَرٍ عَاتِيَةٍ قرآن> رسم> .
فهذه من آثار هذه الريح أحيانا تكون قوية تقلع الأشجار وتقلع الخيام وتقلع أو تهلك ما أتت عليه كما في ريح قوم عاد في قول الله تعالى: رسم> تُدَمِّرُ كُلَّ شَيْءٍ بِأَمْرِ رَبِّهَا قرآن> رسم> وتارة تكون رحمة، وهي التي ينشئ الله تعالى بها هذه السحب وفيها منافع عظيمة؛ في هذه الرياح منافع كثيرة يقول بعض العلماء: لو سكنت الريح ثلاثة أيام متتابعة لأنتن كل ما على وجه الأرض. يعني: خاست الأرض وخاس ما عليها، وأصبحت منتنة لا يقر أحد عليها. ينتن كل ما عليها من الأطعمة ومن اللحوم ومن الثمار، وما أشبه ذلك؛ ولكن هذه الريح أو هذه الرياح تصرف روائحها وتزيلها وتبردها حتى لا يسرع إليها الفساد. وكذلك أيضا فيها أنها تثير السحب، ينشئ الله تعالى بها هذه السحب في قول الله تعالى: رسم> وَأَرْسَلْنَا الرِّيَاحَ لَوَاقِحَ قرآن> رسم> قيل: معناه أنها تلقح السحب حتى تمتلئ السحب ماء على ما يشاؤه الله تعالى، ثم ينزل به هذا المطر الذي يروي به الأرض، وتنبت النبات ويكون ذلك رزقا للعباد.
والأدلة على ذلك كثيرة. الله تعالى هو الذي ينزل هذا الماء إلى هذه الأرض، ولو شاء لحبسه عنهم فلم يستطيعوا أن يعيشوا على الأرض. يقول الله تعالى: رسم> قُلْ أَرَأَيْتُمْ إِنْ أَصْبَحَ مَاؤُكُمْ غَوْرًا فَمَنْ يَأْتِيكُمْ بِمَاءٍ مَعِينٍ قرآن> رسم> إذا غارت المياه من أين يأتي هذا الماء؟ يأتي به الله وحده.
فإذا عرفنا أن هذا خلق الله وتدبيره نعرف بذلك كمال قدرته، ونعرف أيضا نعمه على عباده، وأن ذلك من تمام تصرفه. أحيانا يغدق المياه على بعض البلاد حتى تغرق أو يغرق كثير من مواضعها كما حصل لقوم نوح لما أغرقهم الله. قال الله تعالى: رسم> وَفَجَّرْنَا الْأَرْضَ عُيُونًا فَالْتَقَى الْمَاءُ عَلَى أَمْرٍ قَدْ قُدِرَ قرآن> رسم> أمر الله السماء فأمطرت بماء منهمر أي: يصب صبا بليغا، ونبعت الأرض وتفجرت عيونا، فارتفع الماء حتى ارتفع على أعلى الجبال. الذين صعدوا في أعلى الجبال مع ذلك ما نجوا.
ذكر في حديث: رسم> لو كان الله راحما أحدا منهم لرحم أم ذلك الصبي رسم> أم صبي تحبه لما جاء المطر ونبع على الأرض صعدت جبلا رفيعا، وما زال الماء يرتفع حتى وصل إلى قمة الجبل ولما وصل إلى أعلى الجبل وقفت وحملت طفلها، ثم وصل الماء إليه فحملته على كتفها فوصل الماء إلى رأسها فحملته ورفعته بيديها؛ نسيت نفسها وحملت ولدها ورفعته بيديها، ترجو أنه ينجو ولكن الله تعالى قدر أنه يهلك كل من كان على وجه الأرض. آية من آيات الله أنه أمر السماء فأمطرت، وأمر الأرض فتفجرت عيونا. لا شك أن هذا من آيات الله تعالى.
كذلك أيضا نشاهد أن كثيرا من البلاد تفيض المياه عندهم بما يسمى بالفيضانات، ثم تصل إلى مساكنهم وتدخل المساكن، وتغرق الكثير مما فيها وتهلك أو تتلف كثيرا من الأمتعة أليس ذلك بقدرة الله تعالى؟ وكثير من البلاد يسلط الله عليهم القحط فيتأخر عنهم المطر سنين متطاولة حتى تنشف وتجف الأرض، وتهلك الدواب والمواشي كما وجد الآن في دولة الحبشة اسم> وغيرها من الدول، سنوات يتابع الله عليها المطر، ويرتفع الماء حتى يكون على وجه الأرض وتجري منه العيون، وأحيانا تجف الأرض ولا يبقى فيها نبات، ويقل نزول المطر إلى أن لا يبقى فيها نبات. لا شك أن هذه آيات من آيات الله تعالى.
فالذين يدعون أن هذا أمر طبيعي، وأن هذه طبيعة هذه البلاد. طبيعة هذه الأرض لا ينزل عليها المطر، وطبيعة هذه الأرض ينزل عليها المطر.
يـرى الطبيعـة في الأشيا مؤثـرة | أين الطبيعـة يا مخذول إذ وُجـدوا |
وكل ذلك ليعتبروا ليعرفوا ما هم فيه، ويعرفوا كمال قدرة الله وكمال حكمته وأنه الذي يملكهم، وأنه الذي يتصرف فيهم كما يشاء. لا شك أن هذا شيء مشاهد. نتذكر ويتذكر آباؤنا قبل مائة سنة أو مائة وعشرين سنة أن بلاد نجد اسم> كانت مياها أرضها بحيث أنهم إذا أرادوا غرس النخلة حفروا لها شبرا أو ذراعا لحقوا بالماء فيأتون بتراب من الأرض اليابسة ويكبونه حولها حتى تستمسك، ثم مع ذلك تعيش ولا تحتاج إلى سقي وتثمر وهي كذلك، وأن الأنهار أو السيول ومجاري السيل أنها أحيانا تجري ثلث السنة، وهي تجري تسيل ولا تتوقف أربعة أشهر أو ثلاثة أشهر، وإذا توقفت فإن آثارها تبقى مستنقعات في ذلك الوادي وما حوله، وأن الآبار التي حوله تفور بالماء حتى يغترفوا المياه بالأقداح إذا أرادوا أن يشربوا أو يسقوا؛ لا يحتاجون إلى الدلاء. يأتون على فم الحفرة أو البئر ويغترف أحدهم بالقدح طوال السنوات. هكذا ولا يتأخر المطر في سنة غالبا إلا نادرا.
ثم جاء بعد ذلك سنوات مطرها معتاد. بمعنى أنهم يأتيهم المطر في زمن الشتاء في هذه البلاد في نجد اسم> وما حولها فيأتي في زمن الشتاء الذي هو زمن الربيع أو ما حوله، وتُغمر الأرض، وتنبت من الأعشاب ومن الأشجار شجر البرادي وما أشبهها. تنبت نباتا خصبا كثيرا؛ ومع ذلك يتوقف في الصيف يتوقف المطر، وأحيانا يأتي بإذن الله في الصيف يعني: مطر الصيف كل ذلك دليل على أن الله تعالى هو الذي يتصرف في عباده كما يشاء، وأن ذلك من آياته التي يذكر بها العباد ليعتبروا وليعرفوا أنهم بحاجة دائمة إلى الله وأنه لا غنى بهم عن ربهم طرفة عين، وأن الله هو مالكهم وهو المتصرف فيهم كما يشاء؛ فيعبدونه حق عبادته ويعظمونه حق عظمته وينصرفون بقلوبهم عن ما سواه.
إذا عرفوا أنهم ملكه وخلقه وعبيده وأنه الذي يعطيهم ويرزقهم إذا شاء، وأنه الذي يعذبهم إذا شاء، فنعرف أن الرياح رحمة أو عذاب، وأن المطر رحمة أو عذاب، رحمة يرحمهم الله بها؛ فينبت لهم النبات ويشربون ويسقون.
وكذلك أيضا عذاب قد يعذب بها من يشاء إذا شاء. بمعنى أنهم يغرقون يعني: ينزل عليهم مطر أو ماء غزير يغرق من حوله فيكون عذابا ويكون رحمة، وكذلك هذه الرياح كما ذكرنا يعتبرون بها، كذلك أيضا يعتبرون بهذا النبات في بعض السنوات ينزل مطر غزير؛ ومع ذلك يقل النبات يقل إنبات الأرض.
ولعل ذلك لنزع البركة. الله تعالى أخبر بأن هذا الماء الذي ينزله مبارك في قوله تعالى: رسم> وَنَزَّلْنَا مِنَ السَّمَاءِ مَاءً مُبَارَكًا فَأَنْبَتْنَا بِهِ جَنَّاتٍ وَحَبَّ الْحَصِيدِ قرآن> رسم> وصفه بأنه مبارك، ولبركته كما هو مشاهد المطر الذي يسقي الأرض مرة، ينبت به النبات ويبقى ذلك النبات من تلك الشربة ثلاثة أشهر أو نحوها، حتى البر الذي هو الحنطة إذا بذروه وجاء المطر وغمره وسقاه نبت ذلك الزرع إلى أن يبلغ شطأه، ويستوي وينضج ما شرب إلا مرة واحدة.
أما إذا سقي بما يخرج بالدلاء من أجواف الآبار فإنه قد يحتاج إلى أن يسقى كل أسبوع أو كل أسبوع مرتين أو نحو ذلك دليل على أن ماء السماء فيه البركة التي جعلها فيه حتى يظهر أثره، فهذه تصرفات الله تعالى في عباده ليذكرهم ولينبههم.
أسـئلة
بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله.
س: سائل يقول: قال الله تعالى: رسم> أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ يَسْجُدُ لَهُ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَمَنْ فِي الْأَرْضِ قرآن> رسم> وقال تعالى: رسم> سَبَّحَ لِلَّهِ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ قرآن> رسم> هل يدخل في ذلك الكفار والملاحدة وهم يكفرون وينكرون وجود الله أصلا؟ وكيف يكون تسبيحهم إذا كان الجواب بأنهم يسبحون لله؟
سؤال> في آية سورة الحج أثبت السجود لبعض الناس في قوله تعالى: رسم> وَكَثِيرٌ مِنَ النَّاسِ وَكَثِيرٌ حَقَّ عَلَيْهِ الْعَذَابُ قرآن> رسم> يعني أن السجود لكثير من الناس، والمراد السجود الاختياري السجود الديني، وأما الكفار فسجودهم ذكر الله تعالى أنه سجود الظل في قوله تعالى: رسم> وَلِلَّهِ يَسْجُدُ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ طَوْعًا وَكَرْهًا وَظِلَالُهُمْ قرآن> رسم> أي: يسجد ظل أحدهم، فإذا كان كافرا أو منكرا لربوبية الله أو لإلهيته فإنه يعتبر عبدا ذليلا مسخرا معبدا لله تعالى.
الله هو الذي يذله إذا شاء، ويهينه إذا شاء ويمرضه ويفقره، ويتصرف فيه وهو لا يقدر على أن يرد تصرف الله عز وجل، فيكون بذلك خاضعا لأمر الله تعالى فكأنه خاضع لتصرفه فيكون هذا ذله لله.
ويطلق السجود على الخضوع والذل؛ لأنه وإن كان الأصل أنه وضع الوجه على الأرض، ولكن قد يطلق السجود على التذلل فإن قوله تعالى: رسم> وَإِذَا قُرِئَ عَلَيْهِمُ الْقُرْآنُ لَا يَسْجُدُونَ قرآن> رسم> المعنى: لا يتواضعون ولا يتذللون فإنه ليس كل من قُرِئت عليه سورة يجب عليه أن يسجد، وإنما المراد أنهم لا يخشعون ولا يخضعون بل ينفرون ويستكبرون.
س: ما حكم نسبة المطر إلى أن ذلك ناتج عن تبخر البحار ويتكون على إثرها السحاب فيؤدي ذلك إلى هطول المطر، فهل هذا صحيح أم أن هذا يخالف سنن الله جل وعلا في الكون ؟
سؤال> ليس بصحيح. الله تعالى هو الذي ينشئ السحاب، وهو الذي يرسل الرياح وهو الذي يحمل ذلك السحاب بذلك المطر. ونحن لا نعرف من أين ذلك المطر؟ ومن أين ذلك الماء؟ وكيف ينزل في ذلك السحاب؟ نشاهد مثلا أو يشاهد الطيارون أنهم يرتفعون فوق السحب مسافة رفيعة، وأن السحب تحتهم يكون لها برق ورعد ومطر ولا يحسون بنزول شيء من فوقها إليها ولا يحسون برطوبة. إذا خرقت الطائرة تلك السحب لا تحس برطوبة ولا ببلل يصيبها؛ مما يدل على أن الله تعالى هو الذي يخلق ذلك الماء في ذلك السحب ويحمله إياه كما يشاء.
جزى الله فضيلة الشيخ خير الجزاء، وجعلنا الله وإياكم ممن يستمعون القول فيتبعون أحسنه والله أعلم وصلى الله على محمد اسم> .
مسألة>