شريعة الإسلام شريعة واسعة كاملة، اشتملت على كل ما تمس إليه حاجة البشر، حاجة الذكور والإناث في الدنيا وفي الآخرة، فذكر الله تعالى نساء الدنيا وجعل لهن أحكاما، وذكر النساء في الآخرة وذكر ثوابهن كثواب الرجال المؤمنين، وفي هذا تمام العدل والحكمة logo       إن المؤمن بربه يرضى بالقضاء والقدر، ويعلم أن ما أصابه لم يكن ليخطئه، ويعلم أن في الابتلاء والامتحان خيرا كثيرا وأجرا كبيرا، وأن المصائب والنكبات يخفف الله بها من الخطايا، فيستحضر قول النبي صلى الله عليه وسلم: "ما أصاب العبد المسلم من نصب ولا وصب ولا هم ولا حزن ولا أذى ولا غم، حتى الشوكة يشاكها، إلا كفر الله بها من خطاياه" متفق عليه. (يجب) على الوالد التسوية بين أولاده في العطية والتمليك المالي، (ويستحب) له التسوية في المحبة والرعاية، لكن إذا كان فيهم من هو معاق أو مريض أو صغير ونحوه فالعادة أن يكون أولى بالشفقة والرحمة والرقة. وقد سئل بعض العرب: من أحب أولادك إليك؟ فقال: الصغير حتى يكبر، والمريض حتى يبرأ، والغائب حتى يقدم. اشترط كثير من العلماء أن يكون التيمم بتراب له غبار يعلق باليد، ومنعوا التيمم بالرمل ونحوه مما لا غبار له، وألزموا المسافر أن يحمل معه التراب إذا سافر في أرض رملية، ولعل الصحيح جواز التيمم بالرمل؛ لعموم قوله صلى الله عليه وسلم: "جعلت لي الأرض مسجدا وطهورا" متفق عليه. تعبير الرؤيا يرجع فيه إلى معرفة أشياء تختص بالرائي وما يتصل به، وكذا معرفة القرائن والأحوال، ومعرفة معاني الكلمات وما يتصل بها لغة وشرعا وما يعبر به عنها، وهذه الأمور ونحوها يختص بها بعض الناس لانشغالهم بمعرفتها وما يدور حولها، فعلى هذا لا يجوز لكل أحد أن يعبر الرؤى، فقد يفهم فهما بعيدا، وقد يأخذ التعبير من اللفظ لا من المعنى فيخطئ في ذلك.
shape
شرح كتاب العظمة المجموعة الثالثة
98304 مشاهدة print word pdf
line-top
بيان ذكر صفة الرعد والبرق

بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على أشرف المرسلين نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
قال -رحمه الله تعالى- في صفة الرعد والبرق:
قال: حدثنا إسحاق بن أحمد الفارسي قال: حدثنا ابن أبي سريج قال: حدثنا أبو أحمد قال: حدثنا عبد الله بن الوليد عن بكير بن شهاب عن سعيد بن جبير عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: أقبلت يهود إلى النبي-صلى الله عليه وسلم- فقالوا: يا أبا القاسم ! إنا نسألك عن خمسة أشياء, فإن أنبأتهن عرفنا أنك نبي واتبعناك. قالوا فأخبرنا عن الرعد ما هو؟ قال: ملك من الملائكة موكل بالسحاب, معه مخاريق من نار ليسوق بها السحاب حيث شاء الله, قالوا: فما الصوت الذي نسمع فيه؟ قال زجره السحاب, إذا زجره حتى ينتهي إلى حيث أمر. قالوا صدقت .
قال: حدثني خليل بن أبي رافع قال: حدثنا جدي, قال: حدثنا محمد بن يزيد عن جويبر عن الضحاك رحمه الله تعالى: وَيُسَبِّحُ الرَّعْدُ بِحَمْدِهِ قال: ملك يسمى الرعد وصوته الذي تسمع تسبيحه.
قال: حدثنا إبراهيم قال: حدثنا الأشج قال: حدثنا أبو نعيم قال: حدثنا سفيان عن سلمة بن كهيل عن ابن أشوع عن ربيعة بن الأبيض عن علي رضي الله عنه قال: البرق مخاريق الملائكة.
قال: حدثنا الوليد قال: حدثنا عمرو بن سعيد قال: حدثنا إسحاق قال: حدثنا عمرو بن محمد قال: حدثنا أسباط عن السدي عن بشير بن أبي ميمونة قال: سمعت عليا رضي الله عنه سئل عن البرق؟ فقال: مخاريق من نار بأيدي ملائكة السحاب, يزجرون به السحاب.
قال: حدثنا الوليد قال: حدثنا إسحاق بن إبراهيم قال: حدثنا أبو نعيم قال: حدثنا بشير - يعني: ابن سليمان - قال: حدثنا أبو كثير قال: كنت عند أبي الجلد فجاء رسول ابن عباس رضي الله عنهما بكتاب إليه فكتب إليه: كتبت تسأل عن الرعد والبرق, فالرعد: الريح, والبرق: الماء.
قال: حدثنا محمد بن زكريا قال: حدثنا أبو حذيفة قال: حدثنا سفيان الثوري رحمه الله تعالى في قوله تعالى: يُرِيكُمُ الْبَرْقَ خَوْفًا وَطَمَعًا قال: خوف للمسافر, وطمع للمقيم.
قال: حدثنا إبراهيم بن محمد بن الحسن قال: حدثنا ابن أبي الشوارب قال: حدثنا أبو عوانة عن موسى البزار عن شهر بن حوشب عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: الرعد ملك يسوق السحاب بالتسبيح, كما يسوق الحادي الإبل بحدائه.
قال: حدثنا الوليد قال حدثنا الحسين بن علي قال: قرئ على عامر عن أسباط عن السدي رحمه الله تعالى: وَيُسَبِّحُ الرَّعْدُ بِحَمْدِهِ وَالْمَلَائِكَةُ مِنْ خِيفَتِهِ والرعد هو ملك يقال له: الرعد يسيره بأمره بما يريد أن يمطر.
قال: حدثنا أحمد بن محمد بن أسيد قال: حدثنا الحسين بن عبد المؤمن قال: حدثنا يعقوب بن إسحاق الحضرمي قال: حدثني حرب بن شداد قال: سمعت شهر بن حوشب رحمه الله تعالى يقول: الرعد ملك موكل بالسحاب يسوقه كما يسوق الحادي الإبل. فإذا خالفت سحابة صاح بها فإذا اشتد غضبه تناثرت من فيه النيران وهي الصواعق التي رأيتم.
قال: حدثنا أحمد بن عمر قال: حدثنا عبد الله قال: حدثني الحسين بن الأسود قال: حدثنا أبو أسامة عن عبد الملك بن الحسين عن السدي عن أبي مالك عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: الرعد ملك يحدو يزجر السحاب بالتسبيح والتكبير.
قال: حدثنا أحمد بن عمر قال:حدثنا عبد الله قال: حدثنا أبو سلمة الباهلي قال: حدثنا معتمر عن أبيه عن أبي عمران الجوني قال: إن دون العرش بحورا من نار تقع منها الصواعق.
قال: حدثنا أحمد بن عمر قال حدثنا عبد الله قال حدثنا أبو بكر بن أبي طالب قال: حدثنا علي بن عاصم عن جويبر عن الضحاك عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: البرق ملك يتراءى.
قال: حدثنا أحمد قال: حدثنا عبد الله قال: حدثني إبراهيم بن راشد قال: حدثنا أبو ربيعة قال: حدثنا حماد عن عبد الجليل بن عطية عن شهر بن حوشب رحمه الله تعالى قال: قال: كعب رحمه الله تعالى الرعد ملك يزجر السحاب زجر الراعي الحثيث الإبل فيضم ما شذ منه والبرق تصفيق الملك للبرق وأشار حماد بيده لو ظهر لأهل الأرض لصعقوا.
قال: حدثنا أحمد بن عمر قال: حدثنا عبد الله قال: حدثنا أبو كريب قال: حدثنا ابن فضيل عن عطاء بن السائب عن عامر قال: أرسل ابن عباس رضي الله عنهما إلى أبي الجلد يسأله عن السماء من أي شيء هو وعن البرق والصواعق؟ فقال: أما السماء فإنها من ماء مكفوف، وأما البرق فهو تلألأ الماء وأما الصواعق فمخاريق يزجر بها السحاب.
قال: حدثنا أحمد قال: حدثنا عبد الله قال: حدثنا خالد بن خداش قال: حدثنا عفان بن راشد التميمي قال: بينا سليمان بن عبد الملك رحمه الله تعالى واقف بعرفة ومعه عمر بن عبد العزيز رحمه الله تعالى إذ رعدت رعدة فجزع منها سليمان حتى وضع خده على مقدم الرحل فقال له عمر بن عبد العزيز رحمه الله تعالى: هذه جاءت برحمة فكيف لو جاءت بسخطة.
قال: حدثنا أحمد قال: حدثنا عبد الله قال: حدثني أبو عبد الرحمن محمد بن الربيع الأسدي قال: حدثنا أبو بكر بن عياش عن العذري قال بينما عمر بن عبد العزيز رحمه الله تعالى بعرفة إذ صعقت رعدة ثم برقت، ثم أرخت أمثال العزالي قال: فرفع سليمان رأسه إلى عمر بن عبد العزيز رحمه الله تعالى فقال: هذا والله السلطان فقال له عمر يا أمير المؤمنين إنما سمعت حس الرحمة فكيف لو سمعت حس العذاب قال: فأبلغ والله في الموعظة.
قال: أخبرنا أبو يعلى قال: حدثنا نعيم بن الهيثم قال: حدثنا عبد الواحد بن زياد عن الحجاج بن أرطأة قال: حدثني أبو مطر أنه سمع سالم بن عبد الله يحدث عن أبيه قال: كان رسول الله -صلى الله عليه وسلم- إذا سمع الرعد والصواعق قال: اللهم لا تقتلنا بغضبك ولا تهلكنا بعذابك وعافنا قبل ذلك .
قال: حدثنا زكريا الساجي قال:حدثنا الفضيل بن الحسين قال: حدثنا أبو النضر يحيى بن كثير صاحب البصري قال: حدثنا عبد الكريم قال: حدثنا عطاء عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إذا سمعتم الرعد فاذكروا الله فإنها لا تصيب ذاكرا .
قال: حدثنا أبو بكر بن معدان قال:حدثنا أبو عمير قال: حدثنا أشهب عن مالك عن عامر بن عبد الله بن الزبير عن أبيه أنه كان إذا سمع الرعد قطع الحديث وقال: هذا وعيد لأهل الأرض.
قال: حدثنا الوليد قال: حدثنا يحيى بن عبدة فيما قرأت عليه قلت حدثكم المقرئ .
قال: حدثنا محمد بن راشد عن سليمان بن علي عن أبيه عن جده ابن عباس رضي الله عنهما قال: كنا مع عمر بن الخطاب رضي الله عنه في سفر فأصابنا رعد وبرق. فقال لنا كعب رحمه الله تعالى من قال حين يسمع الرعد: سبحان من يسبح الرعد بحمده والملائكة من خيفته ثلاثا عوفي مما يكون في ذلك الرعد فقلنا: فعوفينا ثم لقيت عمر بن الخطاب رضي الله عنه في بعض الطريق، فإذا بردة قد أصابت أنفه فأثرت فقلت: يا أمير المؤمنين ما هذا قال: بردة أصابت أنفي فأثرت فيّ، فقلت إن كعبا رحمه الله تعالى قال لنا: من سمع الرعد فقال حين يسمع: سبحان من يسبح الرعد بحمده والملائكة من خيفته ثلاثا عوفي مما يكون في ذلك الرعد فقلنا فعوفينا قال: فهلا أعلمتمونا حتى نقوله.
قال: حدثنا الوليد قال: حدثنا أبو الربيع قال: حدثنا هشام بن عمار قال: حدثنا صدقة بن خالد قال: حدثنا ابن جابر عن عبد الله بن أبي زكريا قال: بلغني أنه من سمع الرعد فقال: سبحان الله وبحمده لم تصبه صاعقة.
قال: حدثنا إبراهيم بن محمد بن الحسن قال: حدثنا يونس بن عبد الأعلى قال: حدثنا سفيان بن عيينة عن عبد الكريم بن أبي أمية رحمه الله تعالى قال: يستحب القول إذا صعقت الصاعقة: اللهم لا تقتلنا بغضبك ولا تهلكنا بعذابك وعافنا قبل ذلك.
قال: حدثني إبراهيم بن محمد بن الحسن قال: حدثنا إبراهيم بن سعيد قال: حدثنا محمد بن مصعب وقرة بن حبيب عن عمارة عن أبي نضرة عن أبي سعيد رضي الله عنه قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم- تكثر الصواعق في آخر الزمان حتى يقال: من صعق الليلة .
قال: حدثنا إبراهيم قال: حدثنا إبراهيم بن سعيد قال: حدثنا عمرو بن حماد عن أسباط عن السدي -رحمه الله تعالى- قال: الصواعق نار.
قال: حدثنا إبراهيم قال: حدثنا الأشج قال: حدثنا أبو عبد الرحمن الحارثي عن جويبر عن الضحاك وَمِنْ آيَاتِهِ يُرِيكُمُ الْبَرْقَ خَوْفًا وَطَمَعًا قال: الخوف الصواعق، والطمع الغيث والودق والمطر.


هذه الآيات والآثار تتكلم عن الرعد والبرق والصواعق قد ذكر الله ذلك في القرآن قال تعالى: أَوْ كَصَيِّبٍ مِنَ السَّمَاءِ فِيهِ ظُلُمَاتٌ وَرَعْدٌ وَبَرْقٌ فذكر الظلمات التي تكون من آثار الصيب الذي هو السحب المتكاثفة. ورعد وبرق. جعل ذلك مثلا للمنافقين. أخبر بأنه مثل منطبق عليهم أن مثلهم كمن هو في ظلمات وفي صيب يعني: سحب متكاثفة وفيها رعد وبرق وهم متهيئون في هذه الظلمات إذا برق البرق مشوا ساعة مشوا قدما مشوا خطوة، وإذا انطفأ البرق توقفوا لا يدرون ما أمامهم. فهذا البرق يضيء إضاءة ظاهرة، ولا يدرى ما هذه الإضاءة، وهذا الرعد له صوت شديد بحيث أنه يقلق أو يوقظ من كان نائما ويشتد الخوف منه عندما يكون فيه صوت شديد.
أما الصواعق فإنها شهب تنزل من هذا السحاب، ثم تحرق من شاء الله تعالى، قال تعالى: وَيُرْسِلُ الصَّوَاعِقَ فَيُصِيبُ بِهَا مَنْ يَشَاءُ وَهُمْ يُجَادِلُونَ فِي اللَّهِ وَهُوَ شَدِيدُ الْمِحَالِ لما ذكر أنه ذكر الرعد قال: وَيُسَبِّحُ الرَّعْدُ بِحَمْدِهِ وَالْمَلَائِكَةُ مِنْ خِيفَتِهِ أي: يسبحون. الرعد يسبح مع كونه جمادا لا ندري ما هو، ولكن داخل في كل شيء وَإِنْ مِنْ شَيْءٍ إِلَّا يُسَبِّحُ بِحَمْدِهِ .
فأخبر بأنه يسبح بحمده، والملائكة من خيفتة أي: يسبحون خوفا من الله، وأنه يرسل الصواعق فيصيب بها من يشاء. إذا أصابت فإنها تخرق من أصابته وتحرقه كما هو مشاهد، ولا يدرى ما هي إلا أنها شيء من الشهب الحادة، وقد تنزل على الإنسان فتشقه نصفين، ومع ذلك تنغرس في الأرض قد يحفرون عنها ويجدونها كشبه حديدة كهربائية قوية؛ يرسلها الله تعالى ولا يدرى من أين تأتي.
وفي آية أخرى يقول الله تعالى: وَيُنَزِّلُ مِنَ السَّمَاءِ مِنْ جِبَالٍ فِيهَا مِنْ بَرَدٍ فَيُصِيبُ بِهِ مَنْ يَشَاءُ وَيَصْرِفُهُ عَنْ مَنْ يَشَاءُ يَكَادُ سَنَا بَرْقِهِ يَذْهَبُ بِالْأَبْصَارِ وأخبر بأنه يرسل هذه ينشئ هذه السحب حتى تكون كأنها جبال، كأن السحاب المتكاثف جبل وَيُنَزِّلُ مِنَ السَّمَاءِ مِنْ جِبَالٍ فِيهَا مِنْ بَرَدٍ أي: يشتمل ذلك السحب على برد كبير أو صغير؛ أحيانا يكون كبيرا حتى يكون كرأس البعير، وأحيانا يكون صغيرا حتى يكون كبعر الغنم أو بعر البهم صغيرا.
وأحيانا ينزل المطر متجمدا ينزل جامدا كما هو مشاهد في كثير من البلاد الباردة. إذا نزل تجمد على وجه الأرض من شدة البرد فيتراكم على الأرض ويبقى مدة شهرا أو أشهرا وهو ثلوج على وجه الأرض. قد يكون هناك جبال من ثلوج كما هو مشاهد؛ الذي أنشأ ذلك كله هو الله تعالى الذي هو على كل شيء قدير.
فالبرق ضياء مشاهد يشاهد في النهار ولكن ليس شديد الضوء، وأما في الليل فإنه قد يكون ضوءه شديدا ولذلك قال: يَكَادُ سَنَا بَرْقِهِ يَذْهَبُ بِالْأَبْصَارِ سناؤه يعني: ضياؤه من شدته يكاد يخطف الأبصار من شدة ضوئه. ما ندري ما سببه.
جاء في هذه الآثار أن الرعد ملك يزجر السحاب بأمر الله تعالى فيكون من آثار زجره هذا الصوت الشديد، وجاء في بعض الروايات أن معه مخاريق يسوق بها السحاب، وأنه إذا ضرب هذا السحاب بهذا المخراق سمع له هذا الصوت الشديد الذي هو هذا الرعد الذي قد يصم الآذان من شدة صوته. وكذلك جاء في بعض الآثار أنه ريح، أن هذا الرعد ريح شديدة يكون من آثار صوتها للسحب الصوت الشديد الذي يسمع من بعيد ومن قريب.
هكذا جاء في هذه الآثار أن الرعد ملك أو أن الرعد مخراق أو أن الرعد ريح، وأن البرق كما يقال: يعني أنه من آثار ضرب الملك لهذه السحب فينشعل منها هذا البرق إذا ضرب السحاب. في هذه الأزمنة يدعي المتعلمون المتمعلمون أن الرعد هو أثر احتكاك السحاب بعضه ببعض؛ أن السحابتين إذا تقابلتا واصطدمت إحداهما بالأخرى فمن آثار هذا الاصطدام يحدث هذا الصوت.
وكذلك يحدث هذا البرق الذي هو اشتعال إحداهما بالأخرى فيكون منه هذا الضوء يعني: ضوء البرق وصوت الرعد؛ لأنه من آثار تصادم السحابتين إحداهما بالأخرى واحتكاك واحدة منهما بالأخرى. يمكن أن يكون ذلك علامة على هذا الصوت؛ الرعد والبرق أنه علامة عليه. وإلا فالآثار التي وردت في أنه صوت الملك أو صوت الريح أو زجر الملك بمخاريقه هو المعتمد وأن اصطدامه علامة على ذلك.
يشاهد الذين يركبون الطائرات في الجو أن السحب تكون فوقهم، وتكون تحتهم، وقد تخرقها الطائرة؛ تكون مع وسط السحابة المتراكمة المتكاثفة التي هي كالجبل ولا تحس الطائرة بشيء إنما هو غمام بعضه إلى بعض ولا يحسون بشيء من الرطوبة التي تنزل من هذا المطر، وإذا اصطدموا؛ اصطدمت الطائرة بهذه السحب لم يظهر منها صوت مع شدة سيرها، لا يظهر لها هذا الصوت الذي هو صوت الرعد مع أنها تخرقها بسرعة وتصطدم فيها. وتشاهد ويشاهدون أيضا أن السحابتين يتقابلان وتلتصق إحداهما بالأخرى ولا يسمع ذلك الصوت إنما يسمعه أهل الأرض.
فعرف بذلك أن ما يقوله هؤلاء ليس مطابقا للواقع في كل حال، بل الأمر أخفى عليهم من ذلك. الله تعالى هو الذي يرسل هذه السحب وينشئها، ثم ينزل منها هذا المطر ويسمع منها هذا الصوت، ويرى منها هذا البرق، ولم يتضح سببه واضحا بالمشاهدة كالذين يشاهدون سيره فوقهم أو تحتهم أو من فوقهم.
وكذلك أيضا إذا خرقوا هذه السحب بهذه الطائرات، لا يشاهدون أنها تتفرق وأنها تتبدد بل هي كما هي يخرقها الطيارون ولا يحسون بأنها تفرقت، ثم اجتمعت بعد ذلك دليل على أنها تسير كما يشاء الله تعالى إلى أن تأتي على المكان الذي قدر الله أنها تنزل فيه، أو تنزل فيه ماءها الذي تحمله.
لا شك أيضا أن آيات الله تعالى عظيمة، وأن الإنسان عليه أن يعتبر بما يراه من هذه الآيات الكونية، وعليه أن يتفكر فيها. فنقول مثلا: إن هذه الصواعق كما ذكرها الذين عثروا عليها بعد ما حفروها أنها مثل قطعة الحديد الكهربائية التي لها لمعان، ثم إذا نزلت خرقت ما أتت عليه. قد تنزل على وسط النخلة أعلى النخلة فتقسم النخلة نصفين تشق النخلة إلى أن تكون نصفين، ثم بعد ذلك تنغرز في الأرض كما يشاء الله.
كذلك أيضا قد تحرق بعض الأشخاص الذين تنزل عليهم إذا نزلت على اثنين واقفين قطعت هذا نصفين، وقطعت الآخر من تحته كما يشاء الله. لا شك أن هذا كله من آيات الله الكونية، وأن على الإنسان أن يصدق بآيات الله، وأن يستعيذ من غضب الله. فإذا سمعنا الرعد نسبح كما تسبح الملائكة فنقول: سبحان من يسبح الرعد بحمده والملائكة من خيفته؛ لأن الله أخبر بأن الرعد يسبح فنحن نسبح الذي يسبح الرعد بحمده.
وإذا سمعنا هذه الصواعق نستعيذ بالله ونقول: اللهم لا تقتلنا بغضبك ولا تهلكنا بعذابك وعافنا قبل ذلك، فإن هذا من غضب الله يعني: إرسال هذه الصواعق وإرسال البرق وإرسال البرد الكبير أو الصغير وإرسال الثلوج كلها من غضب الله؛ ينزلها على من عصاه أو ينزلها لحكمة ليكون في ذلك عبرة وموعظة للمتعظين، فنعتبر بذلك ونتخذ منها آيات بينات.
لو تأملوا في آية واحدة منها لعلموا كمال قدرة الله، وعلموا عظمته وجلاله وكبرياءه وأنه خالق كل شيء؛ لا يقدر أحد على أن يخلق مثل خلقه كما في قوله تعالى: خَلَقَ السَّمَاوَاتِ بِغَيْرِ عَمَدٍ تَرَوْنَهَا وَأَلْقَى فِي الْأَرْضِ رَوَاسِيَ أَنْ تَمِيدَ بِكُمْ وَبَثَّ فِيهَا مِنْ كُلِّ دَابَّةٍ يعني: من هذه الدواب ثم يقول تعالى: هَذَا خَلْقُ اللَّهِ فَأَرُونِي مَاذَا خَلَقَ الَّذِينَ مِنْ دُونِهِ .
هذا هو خلق الله كله. أروني ماذا خلق الذين من دونه يعني: ماذا خلق المخلوقون من دون الله تعالى؟! لا شيء يخلقونه، ولو اجتمعوا لا يخلقون ذرة أو لا يخلقون ذبابا أو لا يخلقون بعوضة لا يقدرون على ذلك، ولو اجتمعوا على أن يرسلوا الرياح إذا سكنت لم يقدروا, ولو اجتمعوا على أن يسكنوها إذا هاجت لم يقدروا، ولو اجتمعوا على أن ينشئوا سحابا لم يقدروا، ولا على أن يوقفوه ويردوه بكيدهم إذا أنشأه الله تعالى, كل ذلك بتصرف الخالق العظيم سبحانه وتعالى. فالخالق لهذه الأشياء هو المستحق للعبادة.
نواصل القراءة.

line-bottom