إن المؤمن بربه يرضى بالقضاء والقدر، ويعلم أن ما أصابه لم يكن ليخطئه، ويعلم أن في الابتلاء والامتحان خيرا كثيرا وأجرا كبيرا، وأن المصائب والنكبات يخفف الله بها من الخطايا، فيستحضر قول النبي صلى الله عليه وسلم: "ما أصاب العبد المسلم من نصب ولا وصب ولا هم ولا حزن ولا أذى ولا غم، حتى الشوكة يشاكها، إلا كفر الله بها من خطاياه" متفق عليه logo شرع الله تطهير هذه الأعضاء وغسلها وتنظيفها عند القيام إلى الصلاة أو عند وجود حدث؛ حتى يصير المصلي نظيف البدن، وحتى يحصل له النشاط والقوة، وحتى يقبل على الصلاة بصدق ومحبة ورغبة إن غسل أعضاء الوضوء في اليوم خمس مرات دليل على أن الإسلام جاء بما ينشط البدن وينظفه، كما جاء بما يطهر الروح ويزكيها. فهو دين الطهارة الحسية والمعنوية.    عيادة المريض سنة مؤكدة، وقد رأى بعض العلماء وجوبها. قال البخاري في صحيحه: باب وجوب عيادة المريض. ولكن الجمهور على أنها مندوبة أو فرض على الكفاية، وقد ورد في فضلها قول النبي صلى الله عليه وسلم: "إن المسلم إذا عاد أخاه المسلم لم يزل في خرفة الجنة حتى يرجع" رواه مسلم. (الخرفة: اجتناء ثمر الجنة) الاعمى إذا أراد الصلاة فعليه أن يتحرى القبلة باللمس للحيطان إذا كان صاحب البيت، وإلا فعليه أن يسأل من حضر عنده، فإن لم يكن عنده من يسأله تحرى وصلى بالاجتهاد الغالب على ظنه، ولا إعادة عليه، كالبصير إذا اجتهد في السفر ثم تبين له خطأ اجتهاده فلا إعادة عليه.
shape
شرح كتاب العظمة المجموعة الثالثة
101888 مشاهدة print word pdf
line-top
بيان أثر التفكر والتذكر في آيات الله ودلائله في معرفة عظمته سبحانه وتحقيق العبودية

...............................................................................


السلام عليكم ورحمة الله.
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم على أشرف المرسلين نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
قد تكرر معنا التفكر والتذكر بآيات الله التي نصبها كدلالة على عظمته, وأمر عباده بأن يعتبروا بها ويتفكروا فيها, وسماها آيات, يعني: علامات ودلالات تدل على عظمة الخالق, وعلى كمال قدرته, مثل قوله تعالى: وَمِنْ آيَاتِهِ اللَّيْلُ وَالنَّهَارُ وَالشَّمْسُ وَالْقَمَرُ يعني: من الآيات التي نصبها دليلا على عظمته. ومثل قوله تعالى: وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَكُمْ مِنْ تُرَابٍ وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْوَاجًا وَمِنْ آيَاتِهِ خَلْقُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَاخْتِلَافُ أَلْسِنَتِكُمْ وَأَلْوَانِكُمْ وَمِنْ آيَاتِهِ مَنَامُكُمْ بِاللَّيْلِ وَالنَّهَارِ وَابْتِغَاؤُكُمْ مِنْ فَضْلِهِ وَمِنْ آيَاتِهِ يُرِيكُمُ الْبَرْقَ خَوْفًا وَطَمَعًا ونحو ذلك.
وكذلك أمره تعالى بالتفكر كقوله تعالى: أَوَلَمْ يَتَفَكَّرُوا فِي أَنْفُسِهِمْ مَا خَلَقَ اللَّهُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا إِلَّا بِالْحَقِّ أَوَلَمْ يَنْظُرُوا فِي مَلَكُوتِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ قُلْ سِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَانْظُرُوا كَيْفَ بَدَأَ الْخَلْقَ قُلْ سِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَانْظُرُوا كَيْفَ فانظروا, أَفَلَمْ يَسِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَيَنْظُرُوا كيف بدأ الخلق .. ونحو ذلك. فإذا نظر العباد في هذه المخلوقات عرفوا أنها ما خُلِقَتْ عبثا, ورأوا فيها الآيات البينات والدلالات الواضحات.
وأقرب شيء إلى الإنسان نفسه, لو تفكر فيها لرأى فيها الآيات والعجائب, كما قال الله تعالى: وَفِي الْأَرْضِ آيَاتٌ لِلْمُوقِنِينَ وَفِي أَنْفُسِكُمْ أي: وفي أنفسكم آيات. وقد تكلم العلماء على عجائب المخلوقات وما فيها من البراهين ومن الدلالات على عظمة الله. ذكرنا أن ابن القيم رحمه الله تكلم على هذه الآية: وَفِي أَنْفُسِكُمْ في كتابه الذي سماه: (التبيان في أقسام القرآن) وتوسع في ذكر كل خصلة من خصال ابن آدم من رأسه إلى قدميه, يتكلم على كل حاسة وكل جارحة, وكذا على أعضائه الداخلة, وبَيَّنَ أن في ذلك عبرة للمعتبرين, ودلالة على المتعظين.
وكذلك أيضا في كتابه الذي سماه (مفتاح دار السعادة ) فقد تكلم على عجائب المخلوقات وما فيها من الآيات والدلالات العلوية والسفلية. وهكذا أيضا له كلام أيضا في كتابه الذي سماه ( شفاء العليل) ولغيره من العلماء كتب ومؤلفات فيها الدلالة على أن هذه آيات بينات, وأن من تَأَمَّلَ وَتَفَكَّر فيها وجد فيها عبرة وموعظة, وعرف بأنها ما خلقت عبثا, ولم تترك هملا. وذلك لقول الله تعالى: أَفَحَسِبْتُمْ أَنَّمَا خَلَقْنَاكُمْ عَبَثًا أتحسبون أنكم خلقتم عبثا: لا تؤمرون ولا تنهون ؟! هذا يكذبه العقل والواقع.
فربنا الذي أوجدنا, ما خلقنا عبثا، وكذلك قال الله تعالى: أَيَحْسَبُ الْإِنْسَانُ أَنْ يُتْرَكَ سُدًى أي: مهملا لا يؤمر ولا يُنْهَى؟ أَيَحْسَبُ الْإِنْسَانُ أَنْ يُتْرَكَ سُدًى أَلَمْ يَكُ نُطْفَةً يعني: مبدأ أمره نُطْفَةً مِنْ مَنِيٍّ يُمْنَى ثُمَّ كَانَ عَلَقَةً تلك النطفة انقلبت علقة, يعني تنقلت وصارت علقة, ثم مضغة إلى أن أخرجه الله سويا فَجَعَلَ مِنْهُ الزَّوْجَيْنِ الذَّكَرَ وَالْأُنْثَى .
وهكذا المخلوقات, قال الله تعالى : وَمَا خَلَقْنَا السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا لَاعِبِينَ مَا خَلَقْنَاهُمَا إِلَّا بِالْحَقِّ فمن توهم أن الله خلق السماوات مع عظمها وارتفاعها وخلق الأرض لعبا بدون أن يكون لذلك حكمة, فإنه بذلك قد ظن السوء. وكذلك قال تعالى: وَمَا خَلَقْنَا السَّمَاءَ وَالْأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا بَاطِلًا ذَلِكَ ظَنُّ الَّذِينَ كَفَرُوا فَوَيْلٌ لِلَّذِينَ كَفَرُوا مِنَ النَّارِ .
فأولا: يعتقد كل مسلم أن الله ما خلق شيئا من المخلوقات عبثا, بل له الحكمة في كل شيء يخلقه ويوجده في هذه الدنيا, له الحكمة في ذلك. ونقول ثانيا: عليه أن يعتبر ويتذكر كلما رأى شيئا من هذه الموجودات, أخذ منه ذكرى وموعظة, وعلم أنها جعلت آيات ودلالات تدل على عظمة من أوجدها, وعلى أن له حقوقا على عباده: وهي الأوامر والنواهي, وتدل أيضا على صدق رسله الذين أرشدوا العباد إلى معرفة خالقهم, وإلى معرفة وظائفهم التي أوجدوا لأجلها, وإلى معرفة مآلهم ونهايتهم, وماذا تكون حالتهم بعد الموت, وبعد البعث, وجزاؤهم. كل ذلك يأخذه من أدلته. ومنها الأدلة على صدق رسل الله الذين أرسلهم بالهدى ودين الحق. وهذا ما ألفت فيه المؤلفات, وكذلك تفاسير القرآن التي اعتنت باستنباط الدلالات من هذه الآيات.

line-bottom