تفكروا في آيات الله وكيف بسط الله عز وجل الأرض، وجعل فيها الجبال والوهاد والأودية، والمنخفضات والمرتفعات والرمال والأبطحة، والمعادن التي في جوفها والمياه، وما شابه ذلك.فلو أن الإنسان أخذ يتدبر في هذه المخلوقات وأخذ يكرر ذلك لحفظ وقته من الضياع، وازداد يقينا وقوي إيمانه، ولم تتطرق إلى عقله الشكوك والتخيلات الشيطانية. logo إن المؤمن بربه يرضى بالقضاء والقدر، ويعلم أن ما أصابه لم يكن ليخطئه، ويعلم أن في الابتلاء والامتحان خيرا كثيرا وأجرا كبيرا، وأن المصائب والنكبات يخفف الله بها من الخطايا، فيستحضر قول النبي صلى الله عليه وسلم: "ما أصاب العبد المسلم من نصب ولا وصب ولا هم ولا حزن ولا أذى ولا غم، حتى الشوكة يشاكها، إلا كفر الله بها من خطاياه" متفق عليه إن المسلم الملتزم بدين الله ، والذي سار على صراط الله المستقيم ، سيجد دعاة الضلال والانحراف؛ وهم واقفون على جانبي الطريق، فإن أنصت لهم والتفت إليهم عاقوه عن السير، وفاته شيء كثير من الأعمال الصالحة. أما إذا لم يلتفت إليهم؛ بل وجه وجهته إلى الله فهنيئا له الوصول إلى صراط ربه المستقيم الذي لا اعوجاج فيه ولا انحراف إن الغذاء الطيب من مكسب حلال يكسب القلب قوة، ويكسبه صفاء وإخلاصا، ويكون سببا في قبول الأعمال وإجابة الدعوات. والغذاء الطيب يكون سببا في بركة الله ومباركته للأعمال والأعمار والأموال، وأثر ذلك واضح، فقد ثبت عن النبي -صلى الله عليه وسلم- أنه قال: (كل لحم نبت على سحت فالنار أولى به) يجوز أن يعلم القبر بعلامات يعرف بها، فقد ثبت أنه صلى الله عليه و سلم لما دفن عثمان بن مظعون جعل عند قبره حجرا وقال: "أعرف به قبر أخي، وأدفن إليه من مات من أهلي". فيجوز أن يجعل علامة كحجر أو لبنة أو خشبة أو حديدة أو نحو ذلك، ليميز بها القبر عن غيره حتى يزوره ويعرفه.أما أن يكتب عليه فلا يجوز؛ لأنه قد نهي أن يكتب على القبور حتى ولو اسمه، وكذلك نهي أن يرفع رفعا زائدا عن غيره.
shape
شرح كتاب العظمة المجموعة الثالثة
98292 مشاهدة print word pdf
line-top
ذكر صفة البحر والحوت وعظم خلقهما وعجائب ما فيهما

بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين, والصلاة والسلام على أشرف المرسلين نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
قال -رحمه الله تعالى-
صفة البحر والحوت وعظم خلقهما وعجائب ما فيهما.
قال: حدثني محمد بن عبد الله العاصمي قال: حدثني إبراهيم بن إسحاق بن إبراهيم عن أحمد بن عبد الله الشيباني قال: حدثنا عبد المنعم بن إدريس عن أبيه, عن وهب -رحمه الله تعالى- قال: قال سليمان عليه السلام: يا رب أرني السمكة التي عليها قرار الأرضين, فأوحى الله -عز وجل- أن سر إلى مجمع البحار, فأمر الله -عز وجل- دابة من دواب البحار فأخرجت وسطها, فجعلت تخرج وسطها ثلاثة أشهر, الليل مع النهار, لا تفتر ساعة, فقال سليمان عليه السلام بعد ثلاثة أشهر: يا رب ! أما آن لها أن يخرج رأسها أو ذنبها؟! فأوحى الله -عز وجل- إليه: يا سليمان لو أنها أخرجت إلى السنة المقبلة ليلها ونهارها على نحو ما رأيتها ما أخرجت رأسها ولا ذنبها من البحر! وهل تدري يا سليمان كم رزق هذه السمكة التي عليها قرار الأرضين مثل هذه السمكة؟ قال: لا, قال: إن غذاءها سبعون ألف سمكة مثل هذه, وعشاءها سبعون ألف سمكة مثل هذه, ما فارقها رزقها طرفة عين, فارجع يا سليمان فإنك لا تطيق أن ترى هذه, فكيف تطيق أن تنظر إلى السمكة التي عليها قرار الأرضين؟! فقال سليمان عليه السلام: لا سلطان إلا سلطانك, ولا مُلْك إلا ملكك.
قال: حدثنا إبراهيم بن محمد بن الحسن قال: حدثنا عمرو بن عبد الله الأوْدي قال: حدثنا وكيع عن الأعمش عن أبي ظبيان عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: خلق الله تعالى النور فدحا الأرض عليها, فارتفع بخار الماء, ففتق منه السماوات.
قال: حدثنا إبراهيم بن محمد قال: حدثنا محمد بن ثواب قال: حدثنا عثمان بن عبد الرحمن الحراني عن الوليد بن عمرو عن أبي الواصل عن أبي أيوب عن كعب -رحمه الله تعالى- في قوله -عز وجل- حَتَّى تَوَارَتْ بِالْحِجَابِ قال: الحجاب جبل أخضر من ياقوت, يحيط بالخلائق, فمنه خضرة السماء التي يقال لها الخضراء, وخضرة البحر من السماء, فمن ثَمَّ يقال: البحر الأخضر.
قال: حدثنا إبراهيم قال: حدثنا إسماعيل بن أبي خالد المقدسي قال: حدثنا أيوب بن سويد عن الحسن بن عمارة عن المنهال بن عمرو عن سعيد بن جبير عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: البحر على صخرة خضراء, فما ترون من خضرة فهو من خضرة تلك الصخرة.
قال: حدثنا إسحاق بن أحمد والحسن بن محمد قالا: حدثنا محمد بن إسماعيل البخاري قال: حدثنا إسماعيل بن أبي أويس عن أخيه, عن سليمان عن عبيد الله بن عمر عن أبي الزبير عن جابر رضي الله عنه قال: بعثنا رسول الله-صلى الله عليه وسلم- في سرية ليس معنا زاد, فجئنا ساحل البحر, فإذا البحر قد رمى بدابة مثل الظرب, فوقفنا وتوامرنا, فقال أبو عبيدة رضي الله عنه: هذا رزق رزقكموه الله -عز وجل- فكلوه, فأكلنا منه حتى نمنا, ولقد رأيت أبا عبيدة -رضي الله عنه- أمر بضلع من أضلاع تلك الدابة, فجيء, ثم أمر بجمل فرحل, ثم ركب عليه, فمر من تحت ذلك الضلع وراكبه عليه!! ولقد رأيتنا ننزع من حجاج عينه بالقلال من الودك, ثم قدمنا على رسول الله-صلى الله عليه وسلم- فذكرنا ذلك له, فقال: هو رزق رزقكموه الله -عز وجل- .
قال: حدثنا جعفر بن أحمد بن فارس قال: حدثنا العباس بن يزيد قال: الحوت الذي يقال له العنبر هو جيفة , ويقال لها النال, وهو يقلب السفينة, وهو مثل المدينة كلها, وباعوا من عينه دهنا بألفي درهم.
قال: حدثنا إبراهيم بن محمد السني قال: حدثنا أحمد بن إسماعيل بن عيسى الجلاب القادسي قال: حدثنا علي بن أحمد بن الحسين عن جعفر بن عرفة -رحمه الله تعالى- قال: ركبت في البحر في موكب, فظهرت لنا سمكة بيضاء, وإذا على قفاها كما يبدو مكتوب بسواد أشد سوادا من القير: لا إله إلا الله محمد رسول الله-صلى الله عليه وسلم- قال : ورأينا به سمكة تخرج من الماء حتى يرتفع بدنها من الماء كله, ثم تضرب بنفسها الماء تنضح على أهل المركب, فسألت الملاح: ما هذه السمكة؟ قال: هذه من فراخ سمكة يونس صلى الله على نبينا وعليه وسلم, إذا رأت الآدمي اشتاقت إليهم. ورأيت سمكة قد ظهرت من الماء فقذفت من فيها الخرز أسود, فأخذه شيخ كان في المركب, فنظر إليه, ثم ذاقه, ثم رمى به في الماء, فقلنا: ما لك رميت به؟ قال: وجدته مرا شديد المرارة, فبينا هو كذلك يكلمنا- وكان شعر رأسه أبيض- ثم اسود ! فقلنا: لو كنت تمسك هذا كان فيه غناك ! فقال: لم أدر.
باب صفة البحر والحوت وعجائب ما فيهما.
قال: حدثنا أحمد بن محمد بن شريح قال: حدثنا محمد بن رافع قال: حدثنا إسماعيل بن عبد الكريم قال: حدثنا عبد الصمد قال: سمعت وهبا -رحمه الله تعالى- وسئل عن الأرضين: كيف هي؟ قال: سبع أرضين ممهدة جزائر, بين كل أرضين بحر, والبحر الأخضر محيط بذلك كله, والهيكل من وراء البحر.
وبإسناده قال: إن السماوات والأرض والبحار لفي الهيكل, وإن الهيكل لفي الكرسي, وإن قدميه لعلى الكرسي, فهو يحمل الكرسي, وقد عاد على الكرسي كالنعل في قدمها. وسئل وهب -رحمه الله تعالى- ما الهيكل؟ قال: شيء من أطراف السماوات محدق بالأرضين والبحار كأطناب الفسطاط.
قال: حدثنا أحمد بن محمد قال: حدثنا محمد بن رافع قال: حدثنا إسماعيل قال: حدثنا عبد الصمد أنه سمع وهبا -رحمه الله تعالى- يقول: وذكر من عظم الخلق, فذكر الحوت الذي يحمل الأرض, والماء الذي فيه الحوت, والسماوات وما فيهن, قال: يحمل ذلك حوتان, قلنا لوهب وما هما؟ فكتب بأصبعه: كن .
قال: حدثنا عبد الرحمن بن أبي حاتم قال: حدثني محمد بن عبد الله بن الحكم قال: حدثنا أشهب عن مالك -رحمه الله تعالى- قال: زعم زيد بن أسلم -رحمه الله تعالى- أن نبيًّا من الأنبياء قال لهم: إن الأرض على حوت, فكذبه رجل, فقعد على شط بحر, فمر حوت مثل الظرب, فقال: هذا هو ؟ قال: لا. ثم مر حوت, قال: لا أدري ما قدره, قال: هو هذا؟ قال: لا. ثم مر آخر حين أضحى النهار إلى الظهر, قال: هو هذا؟ قال: لا . إن ذلك الحوت يأكل كل يوم مثل هذا سبعين ألفا.
قال: حدثني جعفر بن أحمد بن فارس قال: حدثنا العباس بن يزيد -رحمه الله تعالى- قال: أما الحوت الذي ابتلع يونس فإنه مربوع مثل رجل. قال العباس ورأيت سمكة تطير.
وفيما ذكر أبو الطيب أحمد بن روح قال: حدثني عمر بن محمد بن عبد الحكم قال: حدثنا سنيد بن داود قال: حدثنا سعيد بن كثير بن عفير قال: حدثنا الوليد بن مسلم مولى بني هاشم, عن رجل من أهل رومية قال: أتانا رجل في وجهه أثر خموش قد بقيت, فسألنا: ما هذا الذي بوجهك؟ فقال: خرجنا في مركب, فأذرتنا الريح إلى جزيرة, فلم نستطع نبرح, فأتانا قوم وجوههم وجوه الكلاب, وسائر خلقهم يشبه خلق الناس, فسبق إلينا رجل منهم, ووقف الآخرون عنا, فساقنا الرجل إلى منزله, فإذا دار واسعة وفيها قدر نحاس على أثافيها, وحولها جماجم وأذرع وسوق الناس! فأدخلنا بيتا فإذا فيه إنسان قد كان أصابه مثل ما أصابنا, فجعل يأتينا بالطعام والفواكه, فقال لي ذلك الإنسان: إنما يطعمكم هذا الطعام, فمن سمن منكم أكله! فانظر لنفسك, وكذلك فعل بأصحابي. قال: فكنت أقصر عن الأكل ! فكان كل من سمن من أصحابي ذهب به فأكله, حتى بقيت أنا وذلك الرجل, وحضر لهم عيد, فقال لي الرجل: حضر لهم عيد يخرجون إليه بأجمعهم, ويقيمون ثلاثا, فإن يك بك نجاء فانجُ, فأما أنا فقد ذهبت رجلاي, وأعلم أنهم أسرع شيء طلبا, وأشده استنشاقا لرائحة, وأعرف أثر الرجل, إلا من دخل تحت شجرة كذا, والشجرة تكثر في بلادهم.
فخرجت أسير الليل, وأكمن النهار تحت الشجرة, فلما كان اليوم الثالث إذا هم قد جاءوا كالكلاب يقصون أثري, فمروا بتلك الشجرة وأنا فيها, فانقطع عنهم الأثر, فرجعوا, فلما جاوزوا أمنت وخرجت, فبينا أنا أسير في تلك الجزيرة إذ رفع لي شجرة كبيرة, فانتهيت إليها, فإذا بها من كل شجر الفواكه, وإذا تحت ظلالها رجال كأحسن ما رأيت من صورة رجال أندية, فقعدت إلى ناد منهم, فجعلت أكلمهم فلا يفهمون كلامي, ولا أفهم كلامهم, فبينا أنا جالس معهم إذ وضع رجل منهم يده على عاتقي, فإذا هو على رقبتي, ثم لوى رجليه علي, ثم أنهضني, فجعلت أعانفه.. لأطرحه, فخمش في وجهي, وجعل يدور بي على تلك الثمار فيجتنيها ويلقيها إلى أصحابه, ويضحكون ! فلما غمي عمدت إلى عنب فقطعته, ثم أتيت به إلى نقرة في صخرة, فعصرته ثم تركته حتى إذا غلا كرعت فيه, فقال: أي شيء هو؟ فقلت: أكرع, فكرع فيه فسكر, فتحللت رجلاه, فقذفت به, وخرجت ذاهبا حتى دفعت إلى المدينة, فلما دنوت منها إذا ناس كالأشبار, أكثرهم عور, فاجتمع علي منهم جماعة يسوقوني إلى أميرهم, فأمر بي إلى الحبس, فانتهوا بي إلى حبس كقفص الدجاج, فلما أدخلوني قمت فكسرته, فأهملوني, فكنت أعيش فيهم.
ثم إذا هم يستعدون للقتال, فقلت لهم: ما هذا؟ قالوا: عدو يأتينا, فلم نلبث أن طلعت الفراش, فإذا أكثرهم عور, فأخذت عصا, فشددت عليها, فطارت وذهبت عنهم, فأكرموني وعظموني, فاشتقت إلى النساء, فقالوا: نزوجك ! وكلما زوجوني امرأة فأفضيت إليها قتلتها! فقالوا: أقمْ عندنا ولا تبال بقتلهن! فعمدت إلى جذعين فهيأتهما, وأخذت حبالا من لحاء الشجر, ثم ربطت الجذعين, وجعلت فيهما طعاما وماء, وركبت واقتنعت ببقية ثوب معي, فألقتني الريح إليكم !! فهذه الخموش مما حدثتكم.
قال: حدثنا أحمد بن محمد بن إبراهيم قال: حدثنا عبيد بن شريك قال: حدثنا ابن أبي مريم قال: حدثنا المفضل عن أبي صخر عن السدي رحمه الله تعالى- في قوله : -تعالى ن وَالْقَلَمِ قال: النون: الحوت الذي عليه الأرض, والقلم قال: قلم الرحمن الذي عنده.
قال أبو الطيب أحمد بن روح قال: حدثنا زكريا بن يحيى قال: حدثنا عبد الحميد بن صالح عن ابن المبارك -رحمه الله تعالى- أنه غزا في البحر, فقال رجل للملاح: أخبرني بأعجب شيء رأيته في هذا البحر!
قال: أتاني شيخ, فحملني أعكام أكسية إلى موضع من البحر, فحملتها له, قال: وسرت مع خير رجل, فلما انتهيت إلى الموضع الذي شارطته قال لي: اطرح مراسيك... قال: فطرحتها, فلم تدرك, فقال: تقدم قليلا آخر, فقال: لم تدرك, فقال: تقدم قليلا آخر, فتقدمت فطرحتها, فأدركت. فقال لي: اطرح هذا المتاع في هذا البحر, قال: فما زلنا نعرض عكما عكما حتى غرقناها, ثم أخذ بيدي فغاب بي في الماء, فخرج إلى مدينة شبيهة بالبصرة فأدخلني إلى دار به, وإذا المتاع منضد بعضه على بعض لم يصبه الماء, قال فدعا بغدائه فغداني, ودعا بكيس فوزن لي كرائي , ثم أخذ بيدي فردني إلى السفينة. قال: فمررت بذلك الموضع بعد حين فجعلت أضرب بالمراسي هاهنا وهاهنا فلم تدرك.
قال: حدثني عبد الله بن سلم عن علي بن داود قال: حدثنا عبد الله بن صالح قال: حدثنا يحيى بن أيوب عن خالد بن يزيد عن كعب -رحمه الله تعالى- قال: خرج الخضر بن عاميل إلى بحر الهركند -وهو بحر الصين - فقال لأصحابه: دلوني في هذا البحر, فإني أحب أن أعرف ما عمقه. فدلوه أياما وليالي, ثم خرج فقال: ماذا رأيت يا خضر ؟! فلقد حفظ الله نفسك في لُجِّ هذا البحر ! قال: استقبلني ملك من الملائكة, فقال: يا أيها الآدمي الخطاء ! إلى أين؟ وأين تريد؟ قال: قلت: أريد أن أعرف ما عمق هذا البحر؟! قال :وكيف, وقد ألقي رجل منذ زمن داود عليه السلام- وذلك منذ ثلاثمائة سنة- فما بلغ ثلث قعره حتى الآن !!! قلت: فأخبرني من أين أقبلت؟ قال: من عند الحوت, بعثني الله -عز وجل- إليه أغذيه, لأن حيتان البحر شكت إليه كثرة ما يأكل منها, قلت: فأخبرني عن المد والجزر. قال: المد من نَفَس الحوت, فإذا تنفس كان المد, وإذا رَدَّ النفس كان الجزر!!!
قال: أخبرنا أبو يعلى قال: حدثنا البسام النقال قال: حدثنا معتمر بن سليمان عن صباح عن أشرس المازني قال: سئل ابن عباس رضي الله عنهما عن المد والجزر فقال: إن لله ملكا موكلا بقواميس البحر, أو قاموس البحر, إذا وضع رجله فيها فاض, وإذا رفعها غاض, فذلك المد والجزر.
قال: حدثنا عبد الله بن محمد بن عبد الكريم قال: حدثنا حمدون بن عباد قال: حدثنا علي بن عاصم قال: حدثنا عوف عن أبي المغيرة القواس عن عبد الله بن عمرو رضي الله عنهما قال: تحت بحركم هذا بحر من نار, تحت ذلك البحر من النار بحر من ماء, وتحت ذلك البحر من الماء بحر من نار, حتى عد سبعة أبحر من نار, وسبعة أبحر من ماء.
قال: حدثنا أحمد بن محمد بن حكيم قال: حدثنا أبو جعفر محمد بن عبيد الله بن المنادي قال: حدثنا يونس بن محمد قال: حدثنا محمد بن مسلم الطائفي عن إبراهيم بن ميسرة عن سعيد بن المسيب عن علي رضي الله عنه, عن يهودي كان علي رضي الله عنه يقول: ليس في اليهود أعلم منه- قال: البحر نار الله الكبرى, تنتثر فيه الشمس والقمر والنجوم, فيبعث الله -عز وجل- الدبور فتسجره.
قال: حدثنا محمد بن الحسن بن علي بن بحر قال: حدثنا أبو حفص عمرو بن علي قال: حدثنا يحيى قال: حدثنا عثمان بن غياث قال: حدثنا عكرمة عن ابن عباس رضي الله عنهما, عن كعب -رحمه الله تعالى- وَالْبَحْرِ الْمَسْجُورِ قال: بحر يسجر فيصير جهنم.
قال: حدثنا محمد بن الحسن بن علي بن بحر قال: حدثنا أبو حفص عمرو بن علي قال: حدثنا يحيى قال: حدثنا شعبة عن سماك عن عكرمة وَإِنَّ جَهَنَّمَ لَمُحِيطَةٌ بِالْكَافِرِينَ قال: البحر.
قال: حدثنا عبد الله بن محمد بن عبد الكريم قال: حدثنا أبو زرعة قال: حدثنا إسحاق بن إبراهيم قال: حدثنا عبيد الله بن مسلم قال: حدثنا أشرس أبو شيبان عن أبي مالك العقيلي قال: كنت مع أبي الجوزاء فكان إمام قومه, فقال: حدثني ابن عباس رضي الله عنهما قال: إن هذا الخلق أحاط بهم بحر. قلت: وما بعد البحر؟ قال: هواء. قلت: وما بعد الهواء؟ قال: بحر أحاط بهذا الهواء. والبحر الداخل على سبعة أبحر والثامن. قال: قلت : وما بعد الثامن؟ قال: ثم انتهى الأمر.
قال: حدثنا أحمد بن عمر قال: حدثنا عبد الله بن أحمد بن حنبل رحمهما الله تعالى قال: وجدت في كتاب أبي بخط يده: قال: حدثنا غوث بن جابر قال سمعت أبا الهذيل عمران بن عبد الرحمن يقول: سمعت وهب بن منبه -رحمه الله تعالى- يقول: إنها سبعة أبحر وسبع أرضين, والأرض التي نحن عليها الوسطى, والبحر حولها, وأرض أخرى حول البحر ويخرجون إلى تلك الأرض كذلك, حتى تتم سبع أرضين وسبعة أبحر, والأرض كلها على ظهر الحوت, واسم الحوت: بهموت.
قال: حدثنا أبو بكر بن أبي داود قال: حدثنا عباس قال: أخبرني أبي قال: سمعت الأوزاعي قال: حدثني حسان بن عطية قال: بلغني أن مسيرة الأرض خمسمائة سنة, بحورها منها مسيرة ثلاثمائة سنة, أو مائتي سنة, والخراب منها مسيرة مائة سنة أو مائتين, والعمران مسيرة مائة سنة.
قال: حدثنا أحمد بن الحسن بن عبد الملك قال: حدثنا محمد بن عبد الله بن سابور قال: حدثنا عبد الرحمن بن عبد الله العمري عن سهيل عن أبيه, عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله-صلى الله عليه وسلم- كَلَّمَ الله -عز وجل- البحر الشامي, فقال: يا بحر ألم أخلقك فأحسنت خلقك, وأكثرت فيك من الماء؟! قال: بلى يا رب ! قال: كيف تصنع إذا حملت عليك عبادا لي يسبحوني ويحمدوني ويهللوني ويكبروني؟ قال: أغرقهم !! قال: فإني جاعل بأسك في نواحيك, وجاعلهم على يدي. قال: ثم كلم البحر الهندي فقال: يا بحر ! ألم أخلقك وأحسنت خلقك وأكثرت فيك من الماء؟ قال: بلى يا رب, قال: فكيف تصنع إذا حملت عليك عبادا لي يسبحوني ويحمدوني ويهللوني ويكبروني؟! قال: أسبحك معهم, وأحمدك معهم, وأُهَلِّلُكَ معهم, وأكبرك معهم, وأحملهم بين ظهري وبطني, قال: فآتاه الله -عز وجل- الحلي والصيد والطيب .
قال: حدثنا محمد بن هارون قال: حدثنا الربيع بن سليمان قال: حدثنا ابن وهب قال: حدثنا عبد الرحمن بن زيد -رحمه الله تعالى- قال: بينا رجل مع قوم هم في مركب في البحر, إذ انكسر بهم مركبهم, فتعلق بخشبة فطرحته إلى جزيرة من الجزائر, فخرج يمشي فإذا هو بقدم مثل قدم رجل فيها ذراع, وإذا برجل جالس في مسجد, ففزعتُ منه واستبقتُ بالسلام. فرد علي, فلما رد علي السلامَ سكنتُ.
فقال: ممن الرجل؟ قلت: من أهل الإسلام. قال: من أي الأمم؟ قلت: من أمة محمد -صلى الله عليه وسلم-. قال: صلى الله على محمد قال: أنت من الذين يرمقون الشمس فإذا غربت قاموا فصلوا لله تعالى؟ قلت: نعم. قال: طوبى لكم ! ليتني كنت منكم ! ثم قال: أنت من الذين يرمقون الشمس قبل أن تطلع فبادروها فصلوا لله -عز وجل-؟ قلت: نعم . قال: طوبى لكم ! ليتني كنت منكم. قلت: مَنْ أنت يرحمك الله؟ قال: أنا من بقية قوم موسى عليه السلام, الذين قال الله -عز وجل- وَمِنْ قَوْمِ مُوسَى أُمَّةٌ يَهْدُونَ بِالْحَقِّ وَبِهِ يَعْدِلُونَ كنت أنا وأخ لي نتعبد لله -عز وجل- في هذه الجزيرة, فدفنته أول من أمس رحمة الله عليه. هل لك يا أخي أن تتفرغ لله في بقية نفسك وعمرك؟ قلت: نعم. قال: فأقمت معه, فإذا أنا بدار فإذا برجل في رجليه سلسلة منوط فيها, بينه وبين الماء شبر. فقال: اسقني رحمك الله, فأخذت ملء كفي فرفعته, فرفع بالسلسلة فذهب الماء, فلما ذهب الماء حط الرجل, ففعلت ذلك ثلاثا أو أربعا. فلما رأيت ذلك منه قلت: ما لك ويحك !! قال: هو ابن آدم الذي قتل أخاه ! والله ما قُتِلَتْ نفسٌ ظلما مذ قَتَلْتُ أخي إلا يعذبني الله بها! لأني أنا أول من سن القتل.
قال: فجئت صاحبي, فذكرت ذلك له. فقال: صدقت, فقال: فمكثت معه ساعة تعرض لي, وجالت العينان. فقال: ما لك ؟! ذكرت أهلك وولدك؟ قلت: نعم. قال: أتحب أن نبلغك إياهم؟ قلت: وددت ! فقال: نعم, إن شاء الله تعالى, قال: فجعلت السحاب تمر به فيناديها فتجيئه, فيقول: أين أمرتِ ؟ فتقول: مكان كذا وكذا! حتى مرت سحابة, فقال: يا سحابة ! أين أمرتِ ؟ قالت: بالبصرة - وكان الرجل من أهل البصرة - فقال: خذي هذا حتى تبلغيه أهله. قال: فالتفَّت بي, فما دريت بشيء حتى وضعتني في سطح أهلي بالبصرة .


نعرف أن هذه الآثار أغلبها من روايات بني إسرائيل: فكعب الأحبار ووهب بن منبه ويذكرونها للموعظة, ولبيان ما في خلق الله تعالى من العجائب , ولا شك أن من آيات الله تعالى هذه البحار, فإنك تشاهد طولها وامتدادها وما فيها من الرياح وكثرة الماء الذي فيها, وكذلك اضطرابها وتحركها عندما تهب الرياح, وهكذا أيضا ما خلق الله فيها من الدواب التي تعيش في الماء, وإذا أخرجت من الماء ماتت, يكون الماء هو غذاءها, تتنفس فيه, مع أن الحيوانات البرية إذا غمست في الماء ماتت, ومنها الإنسان, إذا غمس ورسب في الماء مدة ينكتم فيها نفسه فيموت.
فجعل الله تلك الدواب البحرية غذاءها في البحر ليس في البحر كما يكون في البر, ليس فيه الأعشاب ولا الشجر ولا النباتات التي تنبت بالمطر, ويأكل منها الإنسان, وتأكل منها الدواب البرية, كبهيمة الأنعام والوحوش والحشرات والطيور وما أشبهها. ومع ذلك فإن فيه دواب كثيرة في هذا البحر, تعيش في داخله, وتكفَّل الله تعالى برزقها: تكفل بغذائها وبمعيشتها, تتغذى إما من الماء, وإما من الدواب, وتتوالد في داخل الماء, وتنمو وتكبر وتكثر وتنتشر وتسير وتتقلب, والله قدَّر لها قوتها وغذاءها.
ويموت في البحر كثير من الدواب, ومع ذلك لا تُتْرَك ! بل تأكلها الدواب الأخرى, يأكل الحي منها ما مات فيه. وقد يموت كثير منها, ومع ذلك فالبحر لا يتغير, بل يبقى على ما هو عليه, لا يتغير ريحه ولا لونه, ومع ذلك فإنه عميق, لا يُدْرَى ما منتهاه. والبحار ممتدة على وجه الأرض, وهي مع ذلك راكدة, لا تسيح على الأرض التي هي قد انحسر عنها الماء كالجزر ونحوها. ولا تنبسط عليها, ومع ذلك يشاهد أنها أحيانا يكون منها امتداد, وهو ما يسمى بالفيضان ويسمى بالمد, يمتد عدة كليوات, ويأتي على البيوت التي حوله, ويُغْرِق كثيرا من المنازل, وكثيرا من الأمتعة, وأحيانا يجزر وينحسر عن كثير من الأماكن, وتبدو منه أماكن كانت مغطاة بالماء فيما قبل ذلك. ونحو ذلك مما فيه من العجائب.
ولا يعرف الإنسان الأسباب في امتداده ولا في انحساره, ولا يَطَّلِعُ على شيء إلا أنه يشاهد في وقت من الأوقات يمتد ثم ينحسر. وقد يكون ذلك في بعض الأوقات, ويحدده أو يعرفه بعضهم, يعرفه بعضهم بحيث إنهم يقدرونه في بعض الأوقات أو بعض الأيام, فيذكرون أنه في آخر الشهر, أو في النصف الأخير من الشهر يمتد في بعض البلاد, وفي النصف الأول ينحسر, وأحيانا يكون بضد ذلك . لا يُدْرَى ما سبب ذلك.
الأثر الذي مر بنا أن سبب المد أن ذلك الْمَلَك العظيم يغمس فيه قدمه فيكون ذلك سببا لامتداده وانتشاره, وكذلك أيضا إذا خرج منه انحسر, هذا لم يثبت, وليس له إسناد ثابت أن سببه هذا الملك أو نحوه. وإذا عرف أن آخر الشهر , بُدُوُّ القمر في النقص يكون سببا في الامتداد عرف أنه أمر سماوي, لا يدرى ما هو؟ ولا ما أسبابه؟ فذلك من آيات الله تعالى.
الآيات الكونية التي نصبها لعباده ليأخذوا بذلك عبرة وموعظة, يعرفون بها عظمة من أنشأ هذه البحار وما فيها من الآيات, وما فيها من الدلالات, التي تدل بالتأمل على عظمة الخالق وحده. في هذا البحر دواب لا يعلم قدرها إلا الله- يعني: كثرتها, وكذلك عظمها. ورد في قصة يونس عليه السلام قوله تعالى: فَنَبَذْنَاهُ بِالْعَرَاءِ وَهُوَ سَقِيمٌ بعدما سقط في البحر. وذلك لأنه خرج غضبان على قومه, ولما غضب عليهم ركب في سفينة, ولما ركب في السفينة وعند ذلك توسط أهل السفينة في البحر, ولما توسطوا فيه أخذت السفينة تموج وتضطرب, وعرفوا أنهم بحاجة إلى أن يخففوا ما فيها, فأقرعوا بينهم: أينا تصيبه القرعة نرمي به في البحر حتى نخفف ! قال الله تعالى: فَسَاهَمَ فَكَانَ مِنَ الْمُدْحَضِينَ أي: من الذين وقع السهم عليهم على أنهم يلقون في البحر.
ولما ألقي في البحر التقمه حوت كبير, لا ندري ما عظمة هذا الحوت؟! التقمه كأنه لقمة صغيرة !! ابتلعه وهوكامل! وبقي في بطن الحوت, وأخذ يسبح الله, يدل على كبر بطن ذلك الحوت, كأنه يتحرك ويمكن أنه يقف فيه, وأنه يقعد, وأنه يمشي في بطن الحوت! يقول الله تعالى : فَالْتَقَمَهُ الْحُوتُ وَهُوَ مُلِيمٌ فَلَوْلَا أَنَّهُ كَانَ مِنَ الْمُسَبِّحِينَ لَلَبِثَ فِي بَطْنِهِ إِلَى يَوْمِ يُبْعَثُونَ فَنَبَذْنَاهُ بِالْعَرَاءِ أوحى الله إلى ذلك الحوت أن يقذفه بعد أن مكث فيه مدة, الله أعلم بالمدة, أبقى الله عليه حياته, يمكن أنه أجرى له ما يتنفس فيه, وأجرى له أيضا غذاءً. أوحى الله إلى الحوت, فقذفه في خارج البحر, ولما قذفه وإذا هو قد أنهك وضعف, يقول الله تعالى فَنَبَذْنَاهُ بِالْعَرَاءِ وَهُوَ سَقِيمٌ وَأَنْبَتْنَا عَلَيْهِ شَجَرَةً مِنْ يَقْطِينٍ .
فعرف بذلك أن في البحر دواب كبيرة, بحيث إنها تلتقم الإنسان كاملا دون مضغ ودون علك أو نحوه. وإنما التقمه وهو كامل. ذُكِرَ في بعض الروايات أن ذلك الحوت التقمه حوت أكبر منه, لا يدرى ما هو, وأخذوا ذلك من قوله تعالى: وَذَا النُّونِ إِذْ ذَهَبَ مُغَاضِبًا فَظَنَّ أَنْ لَنْ نَقْدِرَ عَلَيْهِ فَنَادَى فِي الظُّلُمَاتِ قالوا: ذكر الله الظلمات, فلا بد أن تكون هناك ظلمات ! فقالوا:
- ظلمة بطن الحوت.- وظلمة بطن الحوت الثاني.- وظلمة البحر, فإن لجة البحر فيها ظلمات, كما في قول الله تعالى: أَوْ كَظُلُمَاتٍ فِي بَحْرٍ لُجِّيٍّ يَغْشَاهُ مَوْجٌ مِنْ فَوْقِهِ مَوْجٌ مِنْ فَوْقِهِ سَحَابٌ ظُلُمَاتٌ بَعْضُهَا فَوْقَ بَعْضٍ إِذَا أَخْرَجَ يَدَهُ لَمْ يَكَدْ يَرَاهَا فلُجَّة البحر عميقة, من غار رسب فيها لم يكد يرى يده من شدة الظلمة. فيونس عليه السلام نادى في بطن الحوت في تلك الظلمات قال: أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا أَنْتَ سُبْحَانَكَ إِنِّي كُنْتُ مِنَ الظَّالِمِينَ أي: ظالم لنفسي, وكلنا ظالم لنفسه ! يدعو الإنسان في آخر صلاته بقوله: اللهم إني ظلمت نفسي ظلما كثيرا. فنبي الله يونس عليه السلام أنقذه الله لما نادى في قوله: فَلَوْلَا أَنَّهُ كَانَ مِنَ الْمُسَبِّحِينَ أي: كان من الذين يسبحون ويحمدون الله, ويعبدونه, فدعا الله تعالى فأنجاه وأخرجه من بطن الحوت, لم يكسر له عظم, ولم يهشم له جسد. أخرجه كاملا! ولما كان بعد إخراجه نحيفا ضعيفا أنبت الله عليه شجرة من يقطين, إلى أن رجع إليه جسده ولحمه.
فهذا دليل على أن في البحر دواب كبيرة كهذه الدابة هذا الحوت, وكذلك الحوت الذي ذُكِرَ في الحديث الصحيح في صحيح البخاري قصة جيش أبي عبيدة بن الجراح بعثه النبي-صلى الله عليه وسلم- في سرية -ثلاثمائة- يتعرضون لبعض الكفار لعلهم أن يغنموا, ولم يجد طعاما يرسله معهم إلا شيئا من التمر, أكلوا منه, ففني التمر حتى بقوا أياما لا يأكل كل واحد منهم في اليوم إلا تمرة واحدة. وحتى كانوا يحتون ورق السمر ويأكلونه كما تأكله الإبل والغنم.
ولما اشتد بهم الجوع وصلوا إلى ساحل البحر أخرج الله لهم دابة, يقال لها: العنبر. دابة كبيرة -حوت كبير -وجدوه كأنه كثيب رمل, أو كأنه ظرب: جبل. الظرب: هو الجبل الكبير الممتد المنبسط . والذي فيه في الحديث: اللهم على الظراب والآكام وبطون الأودية ومنابت الشجر كأنه ظرب: أي جبل كبير ممتد منبسط.
الجيش ثلاثمائة, وقد أصابهم الجوع, بقوا عند هذا الحوت يأكلون منه شهرا, ما ظنك بأكلهم كل يوم وهم جياع؟! لا بد أن يأكلوا قدر أكثر من عشرة من الإبل أو نحوها ! ومع ذلك استمروا يأكلون من لحمه, يقولون: إنهم يغترفون الدهن من قحف عينه بالقلال. القلة: هي الإناء الذي يسمى بالحجلة, أو بالزير. يعني بأواني كبيرة, يدخل في قحف العين اثنا عشر رجلا, يغترفون من قحف عينه. أخذوا ضلعا من أضلاعه وبسطوه على الأرض, يعني طرفيه, وجاء أكبر بعير عليه أكبر راكب, ومر تحت ذلك الضلع, ولم يمسه. دليل على كبر هذا الحوت.
هذا من جملة خلق الله تعالى إذا كان في هذا البحر فماذا يكون غذاؤه؟ لا شك أنه لا بد أن يتغذى, لا بد أن يكون له غذاء يتغذى به في بطن البحر. فإذا عرف ذلك فإن هذا دليل على عظمة الخالق الذي أوجد هذه المخلوقات في هذا الماء, وستره, أين المكان الذي يستره من البحر؟ لا بد أن يكون في البحر أماكن عميقة, قد يكون عمقها مسافات طويلة. يعني: لو انغمس أحدهم في البحر مسافة عشرين ميلا أو عشرة أميال ما وصل إلى قعره, كما هو مذكور. ومن الأدلة أيضا على عمقه: ما وجد في هذه الأزمنة من هذه الباخرات الكبيرة, الباخرة التي كأنها بلد في كبرها, والتي تحمل أحمالا كثيرة بحيث إنها إذا أرست على الساحل يبقى عدد كبير, يُنَزِّلون من أحمالها مدة شهر. لا شك أن هذا دليل على عظمة الله تعالى, حيث خلق هذه المخلوقات في البحر. الدواب التي في البر تُشَاهد, يُشَاهد منها الصغير والكبير, وكلها من مخلوقات الله تعالى, وكلها تعيش بما أعطاها الله تعالى, وبما يسر لها. ويدل كثرتها على أن الذي أوجدها تكفل برزقها, فمنها الصغير والكبير, الذر والنمل والبعوض وما أشبه ذلك, تعيش. ييسر الله تعالى لها رزقها, وكذلك دواب البحر- صغيرها وكبيرها- عاشت في هذا البحر, ويسر الله لها الغذاء الذي تتغذى به.
وأما ما ذكر من تلك السمكة التي ذكرت في هذا الحديث, وأنها لو استمرت تمشي مسيرة سنة ما ظهر ذَنَبُها ولا رأسها, يعني: من طولها. فهذا من الآثار التي يتساهلون في روايتها. مروي - كما سمعنا- عن وهب بن منبه الذي يكون غالبا يأخذ من كتب غير موثوقة. وذكروا ما سمعنا من الكلام حوله, فلا صحة لذلك.
وإنما آيات الله وعجائب مخلوقاته لا يعرفها إلا الله تعالى. وفيها موعظة, ولكن لا يتفكرون, ولا يتعقلون فيما بين أيديهم, وفيما خلفهم, وفيما يشاهدونه من الآيات والعبر.
فلأجل ذلك يبقون على جهلهم وعنادهم, كذلك في هذه الأزمنة, وقبلها أيضا بقديم, خرج هؤلاء الذين يسندون الأفعال والحوادث إلى الطبائع, ولا يعتبرون بما في هذا الكون من الآيات البينات, وصاروا يبررون لأنفسهم ما هم عليه من الكفر, وما هم عليه من العناد. ولو تفكروا وأمعنوا التفكير في آيات الله تعالى لعلموا أنها مدبرة, وأنها مخلوقة.
فالله سبحانه وتعالى يلفت أنظار العباد إلى هذه الموجودات, وهذه المخلوقات, ويأمرهم أن يتذكروا, ويخبرهم أنه ما خلقها عبثا, وأن هذا الكون وما فيه من الآيات والدلالات ليس منه شيء إلا وله حكمة, وفي خلقه عبرة, ما خلق الله شيئا وأهمله, ولذلك قال الله تعالى: وَمَا خَلَقْنَا السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا لَاعِبِينَ مَا خَلَقْنَاهُمَا إِلَّا بِالْحَقِّ أي: خلق الله هذه المخلوقات بالحق, لم يكن خلقها عبثا, وقال تعالى: وَمَا خَلَقْنَا السَّمَاءَ وَالْأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا بَاطِلًا ذَلِكَ ظَنُّ الَّذِينَ كَفَرُوا فَوَيْلٌ لِلَّذِينَ كَفَرُوا مِنَ النَّارِ أي: أن الذين يعتقدون أن هذه المخلوقات لا حكمة في خلقها, وأنها خلقت للهوٍ و للباطل: أنهم كفار. فهذا معنى قوله: ذَلِكَ ظَنُّ الَّذِينَ كَفَرُوا فَوَيْلٌ لِلَّذِينَ كَفَرُوا مِنَ النَّارِ يدخل في ذلك الدهريون, الذين قالوا: وما يهلكنا إلا الدهر! والذين يعتقدون أنه ليس بعد هذه الدنيا ليس بعدها دار أخرى, وأن كل من مات فقد فني, وليس له دار أخرى يحيا فيها, ويجازى فيها بعمله.
وهذا هو الذي حمل الكثير على أن تمادوا في ضلالهم, وعلى أن أكبوا على شهواتهم, واعتقدوا أنهم خلقوا للدنيا, وأنهم مأمورون بأن يتمتعوا فيها, ويأخذوا منها نصيبهم. وهذا ظن سيئ ! شبه الله أهله بالبهائم ففي قوله تعالى: وَالَّذِينَ كَفَرُوا يَتَمَتَّعُونَ وَيَأْكُلُونَ كَمَا تَأْكُلُ الْأَنْعَامُ وَالنَّارُ مَثْوًى لَهُمْ يتمتعون في الدنيا, كما تتمتع البهائم, وليس لهم حظ مما بعد الموت, ولم يقدموا لآخرتهم, وظنوا أنهم مُهْمَلون, وأنهم لا يُؤمرون ولا يُنْهَوْن, فعاتبهم الله فقال: أَفَحَسِبْتُمْ أَنَّمَا خَلَقْنَاكُمْ عَبَثًا وَأَنَّكُمْ إِلَيْنَا لَا تُرْجَعُونَ هذا حسبهم وتقديرهم, أنهم خلقوا عبثا, وأنهم لا يرجعون إلى الله, وأنه إذا انقضت هذه الدنيا فنوا, ولم يكن هناك دار أخرى ! نعوذ بالله ! أَيَحْسَبُ الْإِنْسَانُ أَنْ يُتْرَكَ سُدًى ؟! ولذلك الله سبحانه وتعالى يذكرهم بهذه الآيات الكونية, فيذكرهم بأنفسهم, نفس الإنسان آية وعبرة, لو تفكر في نفسه.

line-bottom