الدين الذي في ذمة من هو قادر على الوفاء يزكى؛ لأنه بمنزلة الأمانة عنده، ويقدر صاحبه أن يأخذه ويتحصل عليه متى طلبه، وأما الدين الذي عند معسر أو مماطل ولو كان غنيا، فإن صاحبه لا يقدر على الحصول عليه، ولو طالبه قد يدعي الإعسار والفقر، فمثل هذا المال كالمعدوم، فلا زكاة عليه إلا إذا قبضه شرع الله تطهير هذه الأعضاء وغسلها وتنظيفها عند القيام إلى الصلاة أو عند وجود حدث؛ حتى يصير المصلي نظيف البدن، وحتى يحصل له النشاط والقوة، وحتى يقبل على الصلاة بصدق ومحبة ورغبة القلوب أوعية؛ منها ما يستوعب الخير، ومنها ما يستوعب الشر. وأفضل القلوب هي التي تمتلئ بالخير،تمتلئ بالعلم وتمتلئ بالدين والعبادة، تمتلئ بالعلم النافع والعقيدة السليمة، هذه هي القلوب الواعية، وهي أرجى القلوب لتحصيل الخير قال النبي صلى الله عليه وسلم: "أد الأمانة إلى من ائتمنك، ولا تخن من خانك". فلو خانك إنسان فلا تجازه بالخيانة، بل اصفح وتجاوز عنه حتى يثيبك الله بالحسنى ويعفو عنك، ويعاقبه على خيانته إذا كان قد تعمدها، ولربما ندم إذا رآك تعامله بهذه المعاملة وهو قد خان! فيندم ويتخلق بأخلاقك؛ فيكون عملك هذا دعوة وسببا للتخلق بهذا الخلق العظيم. من كان مسافرا ولم يصل المغرب والعشاء فأدرك العشاء خلف إمام مقيم فالمختار أنه يصلي المغرب وحده، فإذا صلاها دخل معه في بقية العشاء، وذلك لاختلاف النية؛ فإن المغرب والعشاء متفاوتان بينهما فرق في عدد الركعات. هذا الذي نختاره. وأجاز بعض المشائخ أنه يدخل معهم بنية المغرب، فإذا صلوا ثلاثا فارقهم وتشهد لنفسه وسلم، ثم صلى العشاء، ولكل اجتهاده
الكنز الثمين
91790 مشاهدة
الوهابية متبعون للسلف في إثبات الصفات

ثانيا : الوهابية متبعون للسلف في إثبات الصفات.
قال في السطر الحادي والعشرين من الصفحة الأولى ما نصه:
[كتهمة الوهابية للذات العلية يعتقدون بأن لله جسما محدودًا، مُؤَلَّفًا من أعضاء، يد محسوسة يبطش بها، ورجل يمشي بها، يجلس ويقوم، ويغدو ويروح، وينزل ويرتفع، فأصبحوا كإخوانهم النصارى في الناسوت واللاهوت، لعب إبليس بلحاهم حتى أرداهم وأخرجهم من دائرة الإسلام؛ لأن المجسمة ليسوا من الإسلام في شيء … إلخ].
والجواب أن يقال:
مراده بالوهابية: أتباع أئمة الدعوة السلفية، التي قام بها في نجد الشيخ محمد بن عبد الوهاب مجدد القرن الثاني عشر، وهو وأتباعه -رحمهم الله- ليس لهم مذهب خاص، بل هم في العقيدة على معتقد السلف الصالح والأئمة الأربعة ومن تبعهم بإحسان، وهم في الفروع على مذهب الإمام أحمد بن حنبل إمام السنة والحديث، مع أنهم لا يعيبون من تبع مذهب إمام من الأئمة المعتبرين، وإذا تبين لهم الحق والصواب في غير مذهب إمامهم، تبعوه مع من كان، وقد ذكرنا آنفًا أننا متبعون للنص والدليل ندور معه حيث دار، ففيما ذكره هذا القائل عدة أخطاء:
الأول : تسميته لهم بالوهابية:
بعد أن عرفت أنهم لم يختصوا بشيء ولم يبتدعوا جديدًا، وأن كل ما قالوه: إنهم متبعون للنصوص وللسلف الصالح، ولأن القائم بالدعوة ليس هو عبد الوهاب، وإنما هو ابنه الشيخ محمد، فهم المحمديون أصلا وفرعًا، ولأن الوهَّاب اسم من أسماء الله تعالى، فهو الذي وهبهم الهداية والعلم والعمل.
الثاني : رميه لهم بالتجسيم:
فهم لم يقولوا بذلك أبدا، ولم يستعملوا هذه اللفظة إثباتا ولا نفيا، فمن قال: إن الله جسم فهو مبتدع، وكذا من نفى الجسم فهو مبتدع أيضا ، حيث إن هذه اللفظة لم ترد في النصوص، ولم يستعملها السلف والأئمة، ولو كان خيرا لسبقونا إليه، مع أنا نثبت الصفات الواردة ونعتقد حقيقتها، وننفي عنها التشبيه والتمثيل، ولا يلزم أن تكون مجسمة إذا قلنا: بأن الله فوق عباده على عرشه بائن من خلقه، أو قلنا: إن له يدا ووجها وعينا كما يشاء، أو قلنا: إنه ينزل ويجيء لفصل القضاء كما يشاء، فإن هذه الصفات ونحوها قد وردت بها النصوص، فنحن نعتقد حقيقتها ولا نمثلها بخصائص المخلوق، ولا نثبت لها كيفية أو مثالا، فكما لم ندرك كُنْهَ الذات وماهيتها، فكذا نقول في هذه الصفات، فإنّا نثبتها إثبات وجود لا إثبات تكييف وتحديد، كما قال ذلك أكابر الأئمة. فكيف يلزم من ذلك أن نكون مجسمة؟!.
وهكذا قوله: [محدود]. نفضل ترك الخوض في الحد، مع أنه من المسائل التي أثبتها بعض السلف ونفاها البعض، ولكن الأفضل التوقف؛ حيث إن البحث في ذلك مُبْتَدَع، وإن اللفظ لم يرد في الأدلة، ومع ذلك فعذر من أثبت الحد ومن نفاه أن لكل منهما مقصدا ظاهره الصحة.
وبالجملة: فلا اختصاص لنا بهذا دون غيرنا، ولكن هذا الكاتب مزجى البضاعة في عقيدة السلف وأقوالهم، وكان الأولى أن يوجه طعنه ولومه على علماء السلف وأئمتهم، فإن هذه الأقوال والمذاهب المأثورة عنهم مدونة في مؤلفاتهم الموجودة المشهورة!!
الثالث : قوله عن الوهابية:
إنهم يصفون الرب تعالى بأنه: [مؤلف من أعضاء: يد محسوسة يبطش بها، ورجل يمشي بها.. إلخ].
والجواب: إن هذا من جنس ما قبله قول عليهم بلا علم، فإن التأليف جمع المتفرق، أو تركيبه من أدوات مختلفة، وهذه اللفظة محدثة في العقيدة، لا نقول بها ولا نستعملها في عقائدنا ولم ترد في النصوص؛ حيث إن لازمها قول باطل كما ذكرنا.
فأما إثبات اليد والرجل حيث وردت فإنا نقتصر على ذلك، فقد تكاثرت الأدلة على إثبات اليد بما لا يدع مجالا في أنها يد حقيقية لكنا نقول: إنها لا تشبه خصائص المخلوق، وإن الله يقبض بها السماوات والأرض كما أخبر عن ذلك .
وأما الرِّجل: فقد ورد في السنة أن الله يضع رجله أو قدمه على النار ، وورد في القرآن ذكر السّاق ، ووُضِّح في الحديث ، فإذا أثبتنا ذلك لم يلزم أن نكون مجسمة، ولم يلزم أنّا نقول: إن الله تعالى مؤلف من أعضاء، بل نقول: إن ذاته حقيقية، وصفاته حقيقية كما يليق به، كما أنا لا نقول بالبطش والمشي الذي رمانا به، بل نقتصر على الوارد في الكتاب والسنة.
الرابع : زعمه أنهم يصفون الله بأنه:
[يجلس ويقوم، ويغدو ويروح، وينزل ويرتفع.. إلخ](تابع).
الجواب: إن هذا قول لا حقيقة له، ولا عمدة له في هذا النقل، فهذه مؤلفاتهم وعقائدهم مطبوعة شهيرة، ولا يوجد فيها هذه الألفاظ، فإنهم ينفون الصفات التي لم ترد في الوحيين ويتقيَّدون بالأدلة، ولكن أعداءهم يلزمونهم بلوازم باطلة، فإذا أثبتوا الاستواء كما يليق بالله أو فسروه بالعلو والارتفاع -كما قاله السلف وأهل اللغة- لم يلزم أنهم قائلون بالجلوس والقيام، فقد تكاثرت الأدلة على إثبات العلو الحقيقي بكل معانيه وعلى إثبات العرش وأن الله تعالى مستو عليه كما يشاء فليس لنا إنكار ذلك أو تسليط التأويلات التي هي تحريف للكلم عن مواضعه على تلك الأدلة واضحة الدلالة، فمتى ألزمنا أعداؤنا بلوازم باطلة زاعمين أنها تلزم من قال بموجب تلك النصوص، لم نلتفت إلى تلك الإلزامات وأوضحنا خطأهم في هذا الإلزام.
فأما إثبات النزول والمجيء فليس لنا إنكاره، وقد صرحت به النصوص وتواردت على إثباته الأدلة التي لا تحتمل التأويل، ومع ذلك نتوقف عن الكيفية ونكلها إلى الله، ولا نقول: إنه إذا نزل يخلو منه العرش، أو تحصره السماوات… إلخ؛ بل نقول: إن الرسول الناصح لأمته -صلى الله عليه وسلم- قد أخبر بهذا النزول وأن الله تعالى قد أخبر بالمجيء يوم القيامة فنحن نثبت ذلك كما ورد ولا نضيف إليه شيئًا من عند أنفسنا، فما ألزمونا به غير لازم.
الخامس : قوله: [فأصبحوا كإخوانهم النصارى في الناسوت واللاهوت ... إلخ].
فنقول: هذا تشبيه باطل وبعيد عن الصواب فما وجه الشبه؟! فإن النصارى زعموا أن اللاهوت وهو: (الإله) اتحد بالناسوت وهو: (الإنسان) أو: ( عيسى )، وقالوا: إِِنَّ اللَّهَ هُوَ الْمَسِيحُ ابْنُ مَرْيَمَ وَقَالَتِ النَّصَارَى الْمَسِيحُ ابْنُ اللَّهِ وذلك هو عين الكفر والضلال، فأما أتباع السلف والأئمة فما قالوا شيئًا من قبل أنفسهم، وإنما وصفوا الله تعالى بما وصف به نفسه، أو وصفه به أعلم الخلق بربه، وهو محمد -صلى الله عليه وسلم- فإذا أثبتوا لله الصفات الواردة، واعتقدوها حقيقة لتواتر النصوص بها، ثم نفوا عنها كل أنواع التشبيه وخصائص المخلوقين، واعتقدوا أنها تليق بالله كما يشاء، لم يلزم أن يكونوا كالنصارى في قولهم باللاهوت والناسوت.
وبكل حال فإن هذا الكاتب عليه أن يوجه عيبه ولومه إلى الأئمة المتبعين: كمالك، والشافعي، وأحمد، وإسحاق، ونحوهم، فهل يتجرأ أن يقول عليهم: إنهم وهابية، وإنهم إخوان النصارى؟!!
هذا ما لا يستطيعه لما لهم عند جمهور الأمة من المكانة الراقية، فلو رماهم بذلك لأنكر عليه الخاص والعام، وسددت إليه سهام الملام.
السادس : قوله: [ لعب إبليس بلحاهم حتى أرداهم وأخرجهم من دائرة الإسلام .. إلخ].
فنقول: هذا تهور وجرأة على الله وعلى المسلمين وأهل الدين، واستهزاء وتمسخر بشعائر الإسلام، وتكفير لأهل العقيدة السليمة، وإخراج لهم عن دائرة الإسلام، وتلك مصيبة عظمى لو يعلم أثرها هذا الكاتب لم يتجرأ على ذلك، فإنه:
أولا: زعم أنهم قد أطاعوا الشيطان مطلقًا، وأنه هو الذي أوقعهم في هذا الاعتقاد السلفي، الذي قد سار عليه جمهور سلف الأمة وأهل القرون المفضلة، فإذا كان إبليس قد لعب بهم، فقد لعب أيضًا بأولئك الأئمة والقادة الأجلاء.
ثانيا: إخراجه لهم من الإسلام، وهي إحدى الكُبَر، فبأي خصلة أخرجهم من الدين؟! أما كانوا يدينون لله بالتوحيد؟! ويعملون بمعنى الشهادتين؟! ويحافظون على إقامة أركان الإسلام؟! ويبتعدون عن كل المحرمات؟! ويحذرون منها؟! ويحرصون على إخلاص دينهم لربهم وحده، فلا يجعلون منه شيئا لغيره كائنا من كان؟! فمن كفَّرهم فقد أنكر حقيقة التوحيد، وأباح الكفر والشرك، فهو أولى بما قال، وقد قال النبي -صلى الله عليه وسلم- ومن دعا رجلًا بالكفر أو قال: عدو الله وليس كذلك إلا حار عليه . أي: رجع إليه تكفيره.
وفي حديث آخر: أن رجلًا ممن قبلنا قال: والله لا يغفر الله لفلان، فقال الله تعالى: من ذا الذي يتألّى عليّ أن لا أغفر لفلان؟! إني قد غفرت له، وأحبطت عملك .
فهل ينتبه هذا الكاتب، ويرتدع عن مثل هذا التهور والتسرع في التكفير!!
السابع: قوله: [لأن المجسمة ليسوا من الإسلام في شيء إلخ].
فنقول: ونحن نبرأ إلى الله أن نصفه بالتشبيه، أو التمثيل بشيء من المخلوقات، ولقد أوضحنا أن أئمة الدعوة بريئون من وصمة التشبيه، أو التمثيل الذي يرميهم به أعداؤهم قديما وحديثا، وأنه لا يلزم من إثباتهم صفة الاستواء والنزول والمجيء وسائر الصفات الذاتية والفعلية، أن يكونوا مشبهة، فإنهم تابعون للنصوص الصريحة في الإثبات، ومصرحون بنفي مشابهة المخلوقات، كما يثبت غيرهم الصفات العقلية، وينفون عنها التشبيه، وكما يثبت الباقون الذات الحقيقية، ويتوقفون عن معرفة ماهيتها وكنه حقيقتها، وقد يكون النافون أولى بالتشبيه؛ لأنه لم يبادر إلى أذهانهم سوى دلالة النصوص على التشبيه، ولم يفهموا منها إلا هذا المعنى الباطل، فاعتقدوا أن ظاهر النصوص غير مراد؛ لأنه بزعمهم يدل على مماثلة الله للمخلوقات، تعالى الله وتقدس.