لم يوجد أحد من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم دخل في بدعة ولا خالف السنة ولا جماعة المسلمين،ولا خرج على أئمة الدين بل الصحابة كلهم عدول؛ وذلك لأنهم تلقوا الوحي من النبي مباشرة فوصل الإيمان إلى قلوبهم، فلم يكن إيمانهم عن تقليد بل عن فقه واتباع. اختار بعض العلماء أن وقت الختان في يوم الولادة، وقيل في اليوم السابع، فإن أخر ففي الأربعين يوما، فإن أخر فإلى سبع سنين وهو السن الذي يؤمر فيه بالصلاة، فإن من شروط الصلاة الطهارة ولا تتم إلا بالختان، فيستحب أن لا يؤخر عن وقت الاستحباب.أما وقت الوجوب فهو البلوغ والتكليف، فيجب على من لم يختتن أن يبادر إليه عند البلوغ ما لم يخف على نفسه اشترط كثير من العلماء أن يكون التيمم بتراب له غبار يعلق باليد، ومنعوا التيمم بالرمل ونحوه مما لا غبار له، وألزموا المسافر أن يحمل معه التراب إذا سافر في أرض رملية، ولعل الصحيح جواز التيمم بالرمل؛ لعموم قوله صلى الله عليه وسلم: "جعلت لي الأرض مسجدا وطهورا" متفق عليه. لا بأس أن يكتب المسلم اسمه في طرة المصحف (جانبه) مخافة اشتباه مصحفه بغيره، فقد لا يناسبه إلا مصحفه المخصص له، ولا بأس أن يكتب بعض الفوائد على الهوامش كتفسير كلمة أو سبب نزول أو ما أشبه ذلك. قال النبي صلى الله عليه وسلم: "أد الأمانة إلى من ائتمنك، ولا تخن من خانك". فلو خانك إنسان فلا تجازه بالخيانة، بل اصفح وتجاوز عنه حتى يثيبك الله بالحسنى ويعفو عنك، ويعاقبه على خيانته إذا كان قد تعمدها، ولربما ندم إذا رآك تعامله بهذه المعاملة وهو قد خان! فيندم ويتخلق بأخلاقك؛ فيكون عملك هذا دعوة وسببا للتخلق بهذا الخلق العظيم.
الكنز الثمين
114537 مشاهدة
عصمته من الخطايا

الأمر الثاني: عصمته من الخطايا.
اتفقت الأمة على أن الأنبياء معصومون من كبائر الذنوب؛ لمنافاتها للاجتباء والاصطفاء، ولأن الله حملهم رسالته إلى البشر، فلا بد أن يكونوا قدوة لأممهم، وكلفهم أن يحذروا الناس من مقارفة الكفر والذنوب، والفسوق والمعاصي، فلو وقع منهم ظاهرا شيء من هذه الخطايا، لتسلط أعداؤهم بذلك على القدح فيهم، والطعن في شريعتهم، وذلك ينافي حكمة الله تعالى، فكان من رحمته أن حفظهم من فعل شيء من هذه المخالفات، وكلفهم بالنهي عنها، وبيان سوء مغبتها، كما جعلهم قدوة وأسوة في الزهد، والتقلل من شهوات الدنيا التي تشغل عن الدار الآخرة، فأما صغائر الذنوب فقد تقع من أحدهم على وجه الاجتهاد، ولكن لا يقرون عليها، فلا تكون قادحة في العدالة، ولا منافية للنبوة، وإنما هي أمارة على أنهم بشر لم يصل أحدهم إلى علم الغيب، ولا يصلح أن يمنح شيئا من صفات الربوبية.
وقد ذكر المفسرون وأهل العلم بعضا مما وقع من ذلك، كقوله تعالى: وَلَا تَطْرُدِ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ بِالْغَدَاةِ وَالْعَشِيِّ يُرِيدُونَ وَجْهَهُ .
وقوله: <قرآن س=17 title=سورة الإسراء (سورة رقم: 17)؛ آية رقم:73-74 معياري=وإن كادوا ليفتنونك عن الذي أوحينا إليك لتفتري علينا غيره وإذا لاتخذوك خليلا ولولا أن ثبتناك لقد كدت > وَإِنْ كَادُوا لَيَفْتِنُونَكَ عَنِ الَّذِي أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ لِتَفْتَرِيَ عَلَيْنَا غَيْرَهُ وَإِذًا لَاتَّخَذُوكَ خَلِيلًا وَلَوْلَا أَنْ ثَبَّتْنَاكَ لَقَدْ كِدْتَ تَرْكَـنُ إِلَيْهِمْ شَيْئًا قَلِيلًا . ونحو تلك الوقائع التي فعلها اجتهادا لما يؤمله من مصلحة ظاهرة، علم الله تعالى أنها لا تتحقق.
فأما المعاصي والذنوب فإن الله تعالى حماه من فعلها أو إقرارها؛ لمنافاة ذلك لصفات الرسالة والاختيار، ولمخالفة ما ورد عنه من التحذير عن الكفر والفسوق والعصيان، فأما تبليغ ما أوحي إليه من الشرع فقد ذكر العلماء المحققون اتفاق الأمة على عصمته، بل وعصمة الأنبياء فيما يبلغونه عن الله تعالى من الوحي والتشريع، بل إن الله -جل ذكره- قد عصمه قبل النبوة عن الشرك والخنا ونحو ذلك.
فقد روي عنه -صلى الله عليه وسلم- أنه قال: ما هممت بشيء مما كان أهل الجاهلية يعملون به، وما هممت بسوء حتى أكرمني الله برسالته . ذكره القاضي عياض في كتابه الشفا وغيره.
وقال ابن إسحاق في السيرة: فشب رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يكلؤه الله ويحفظه، ويحوطه من أقذار الجاهلية ومعائبها؛ لما يريد به من كرامته ورسالته وهو على دين قومه، حتى بلغ أن كان رجلا أفضل قومه مروءة، وأحسنهم خلقا، وأكرمهم مخالطة، وأحسنهم جوارا، وأعظمهم خلقا، وأصدقهم أمانة، وأبعدهم من الفحش والأخلاق التي تدنس الرجال تنزها وتكرما، حتى ما سمي في قومه إلا الأمين؛ لما جمع الله به في صغره وأمر جاهليته .