تفكروا في آيات الله وكيف بسط الله عز وجل الأرض، وجعل فيها الجبال والوهاد والأودية، والمنخفضات والمرتفعات والرمال والأبطحة، والمعادن التي في جوفها والمياه، وما شابه ذلك.فلو أن الإنسان أخذ يتدبر في هذه المخلوقات وأخذ يكرر ذلك لحفظ وقته من الضياع، وازداد يقينا وقوي إيمانه، ولم تتطرق إلى عقله الشكوك والتخيلات الشيطانية. إن الغذاء الطيب من مكسب حلال يكسب القلب قوة، ويكسبه صفاء وإخلاصا، ويكون سببا في قبول الأعمال وإجابة الدعوات. والغذاء الطيب يكون سببا في بركة الله ومباركته للأعمال والأعمار والأموال، وأثر ذلك واضح، فقد ثبت عن النبي -صلى الله عليه وسلم- أنه قال: (كل لحم نبت على سحت فالنار أولى به) من كان مسافرا ولم يصل المغرب والعشاء فأدرك العشاء خلف إمام مقيم فالمختار أنه يصلي المغرب وحده، فإذا صلاها دخل معه في بقية العشاء، وذلك لاختلاف النية؛ فإن المغرب والعشاء متفاوتان بينهما فرق في عدد الركعات. هذا الذي نختاره. وأجاز بعض المشائخ أنه يدخل معهم بنية المغرب، فإذا صلوا ثلاثا فارقهم وتشهد لنفسه وسلم، ثم صلى العشاء، ولكل اجتهاده    جاء الشرع الشريف مرغبا في حسن المعاملة مع الأفراد والجماعات ؛ فحث على اختيار الرفقاء الصالحين ونفر من قرناء السوء، ورغب في زيارة الإخوان والأنس بهم، وأخبر بأن المؤمن الذي يخالط الناس ويصبر على أذاهم أفضل من صاحب العزلة؛ فإن الأول ينفع الناس ويرشدهم، ويتحمل ما ناله في ذات الله من إساءة وضرر. لم يوجد أحد من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم دخل في بدعة ولا خالف السنة ولا جماعة المسلمين،ولا خرج على أئمة الدين بل الصحابة كلهم عدول؛ وذلك لأنهم تلقوا الوحي من النبي مباشرة فوصل الإيمان إلى قلوبهم، فلم يكن إيمانهم عن تقليد بل عن فقه واتباع.
الكنز الثمين
92653 مشاهدة
إعطاء المسألة والنصرة لله وحده

رابعا : يجب إعطاء المسألة والنصرة لله وحده.
ثم قال الكاتب في السطر السادس عشر:
[فمن اعتقد أن مدد الرسول انقطع لانتقاله إلى الرفيق الأعلى، فقد أساء الأدب مع الرسول، ويخشى عليه الموت على الكفر والعياذ بالله تعالى].
جوابه:
أن يناقش عن مدد الرسول - صلى الله عليه وسلم - في حياته وبعد مماته.
فإن أراد بمدده دلالته على الخير وإرشاده للأمة، وإيضاحه للحق والهدى، وتبليغه لما أرسل به، وبيانه لعلوم الشريعة أكمل بيان، فهذا لم ينقطع بموته، فإن الأمة لا تزال تستضيئ بأنوار هدايته وتسير على النهج الذي رسمه لها، وتستمد من سنته ما يوضح لها طرق الهدى، فمن صد عن سنته وأعرض عنها فهو أضل من حمار أهله.
أما إن أراد بمدد الرسول -صلى الله عليه وسلم- فوائد اتباعه، وآثار الاقتداء بسنته، وبركات العمل بشريعته، فهذا أيضا لم ينقطع بموته، فنحن نعتقد أن من سار على نهجه واقتفى طريقه حصلت له البركات، وأمده الله بفضله وعطائه، وانتفع في هذه الحياة بنتائج هذا الاتباع كسائر الأعمال الصالحة، فإن العمل الصالح سبب في كثرة الخير، وحلول البركة، وسعة الرزق، وطيب الحياة، ورغد العيش، والنصر على الأعداء، وحصول العلم والفهم والفتح من الله، والإلهام والتوفيق لعمل الصالحات، والحفظ عن المنكرات، لكن لا يضاف المدد إلى الرسول - صلى الله عليه وسلم - إلا حيث إنه ببركة اتباعه، وإلا فالله هو الذي يمد العاملين، ويعطيهم ويتفضل عليهم، لأنه تعالى مالك الملك وبيده النفع والضر، والعطاء والمنع، والخفض والرفع.
فإن أراد هذا الكاتب بمدد الرسول -صلى الله عليه وسلم- إعطاءه لمن سأله، ونصره لمن استنصر به، وإجابته لمن دعاه ونحو ذلك، فمثل هذا لا يملكه الرسول - صلى الله عليه وسلم- لا في حياته ولا بعد انتقاله إلى الرفيق الأعلى، بل هو إلى الله تعالى، كما قدمنا بعض الأدلة على ذلك، كقوله تعالى: قُلْ إِنِّي لَا أَمْلِكُ لَكُمْ ضَرًّا وَلَا رَشَدًا . قُلْ إِنِّي لَنْ يُجِيرَنِي مِنَ اللَّهِ أَحَدٌ وَلَنْ أَجِدَ مِنْ دُونِهِ مُلْتَحَدًا . وقوله: قُلْ لَا أَقُولُ لَكُمْ عِنْدِي خَزَائِنُ اللَّهِ وَلَا أَعْلَمُ الْغَيْبَ . وقوله - صلى الله عليه وسلم - لأقاربه: أنقذوا أنفسكم من النار لا أغني عنكم من الله شيئا . وقوله في حديث الغلول: لا أغني عنك من الله شيئا قد أبلغتك .
فإذا كان الرسول - صلى الله عليه وسلم - لا يملك جنس هذا المدد في حياته، فهكذا لا يملكه بعد مماته، بل لا يملكه أحد من خلق الله، لا مَلكٌ مقرب، ولا نبي مرسل، فضلا عن غيرهما، فمن اعتقد أنه - صلى الله عليه وسلم - يمد من سأله، ويعطي من طلبه، وينفع من دعاه مع الله، فقد جعله لله ندا وصرف له خالص حق الله، وهذا النوع من الإمداد هو مراد هذا الكاتب وأضرابه، وغاب عنهم أن الصحابة ومن بعدهم من أئمة المسلمين لم يعتقدوا هذا الاعتقاد، ولم يفعلوا معه ما يدل عليه، فلو كانوا يعتقدون فيه هذا النوع لتهافتوا إلى قبره يطلبون منه المدد والإعطاء، فكم نزلت بهم من مصيبة؟! وكم وقعت من فتنة؛ كوقعة الحرة ونحوها؟! وكم سلط عليهم الأعداء؟! ولم يحفظ أنهم جاءوا إلى القبر مستنصرين، ولا فزعوا إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - قائلين: المدد يا رسول الله!! ولو كان هذا اعتقادهم لتوافدوا إلى قبره أفواجا، وأقبلوا إليه من كل حدب وصوب زرافات ووحدانا، فلما لم يفعلوا عُرف أن هذا الاعتقاد إنما هو من بدع المتأخرين؛ حيث أوقعهم الشيطان في ذلك الاعتقاد السيئ، ونتائجه الشركية، وهم يحسبون أنهم يحسنون صنعا .
ولقد كان الصحابة -رضي الله عنهم- يطلبون منه الدعاء في حياته بالغيث، وإنزال المطر، ورفع العذاب، وبالمغفرة والجنة، وبسعة الرزق، وطيب الحياة، فيدعو الله لهم ويجيب الله دعوته؛ لكرامته عليه، ولفضله وشرفه، وليكون ذلك من جملة معجزاته، فأما بعد موته فلم يطلبوا منه شيئا من ذلك أبدا، بل لما قحطوا عام الرمادة توسلوا بعمه العباس رضي الله عنه ؛ لشرفه وكبر سنه وقرابته من النبي -صلى الله عليه وسلم- فطلبوا من الله أن يجيب دعوته لهم لأنه حي موجود بينهم، ولم يتوسلوا بالنبي لله؛ لأنهم عرفوا عدم جواز ذلك، ولكن أكثر الناس لا يعلمون.