إذا عرف الصغير ربه، وعظم قدر ربه في قلبه، نشأ على طاعة الله تعالى، ونشأ على محبته، وأحب عبادة الله وعظمها في صغره، وسهلت عليه وداوم عليها في كبره، وكره المعصية ونفر منها، وكره كل ما نهى الله تعالى عنه؛ حيث أن آباءه يعلمونه الخير ويؤدبونه عليه logo إذا ضعفت العقيدة في القلوب ضعف العمل، فإذا رأيت الذي يكون ضعيفا في عباداته، في صلواته وزكواته وما إلى ذلك، فاعلم أن ذلك لضعف في عقيدته بالأساس.فالعقيدة حقيقة إذا امتلأ بها القلب ظهرت آثارها على الجواربالوقوف قائما أو عدم الاستظلال أو بترك الكلام فهذا ليس فيه طاعة الدين الذي في ذمة من هو قادر على الوفاء يزكى؛ لأنه بمنزلة الأمانة عنده، ويقدر صاحبه أن يأخذه ويتحصل عليه متى طلبه، وأما الدين الذي عند معسر أو مماطل ولو كان غنيا، فإن صاحبه لا يقدر على الحصول عليه، ولو طالبه قد يدعي الإعسار والفقر، فمثل هذا المال كالمعدوم، فلا زكاة عليه إلا إذا قبضه إن أهمية الوقت معلومة عند كل عاقل؛ ذلك أن وقت الإنسان هو رأسماله، وهو عمره أيامه ولياليه، فإذا ما ضاع رأس المال، ضاعت الأرباح، وإذا عرف الإنسان ذلك، حرص على أن يستغلها ويستفيد منها وألا يضيعها، ليكون بذلك رابحا اختار بعض العلماء أن وقت الختان في يوم الولادة، وقيل في اليوم السابع، فإن أخر ففي الأربعين يوما، فإن أخر فإلى سبع سنين وهو السن الذي يؤمر فيه بالصلاة، فإن من شروط الصلاة الطهارة ولا تتم إلا بالختان، فيستحب أن لا يؤخر عن وقت الاستحباب.أما وقت الوجوب فهو البلوغ والتكليف، فيجب على من لم يختتن أن يبادر إليه عند البلوغ ما لم يخف على نفسه
shape
الكنز الثمين
123421 مشاهدة print word pdf
line-top
التوجه إلى الله والانقطاع إليه

ثم قال الكاتب:
[الصوفي: هو من عرف أن التوجه إلى الله والانقطاع إليه مما ينيل القصد، ويهيئ النفس للملكية.. إلخ].
أقول:
قد ذكرنا أول الكلام تعريف الصوفية في أول الأمر، ثم ما آل إليه أمرهم وما دخل عليهم من البدع، ثم الطرق التي أوقعت الكثير منهم في الخروج عن الإسلام: كالحلول، والاتحاد، فأما التوجه إلى الله والانقطاع إليه فهو صفة شريفة عَليَّة متى قصد منها الإقبال على العبادات، والتفرغ لها، والإعراض عن كل ما يشغل عن الطاعة، ويعوق عن مواصلة السير إلى الله.
وهذه طريقة أهل الزهد، والعلم، والعبادة من الصوفية السلفيين، ومن غير الصوفية، ولم يزل في المسلمين قديما وحديثا خلق كثير وجمع غفير يشتغلون جُلّ وقتهم بالعبادة القلبية الروحية، ويتوجهون إلى ربهم بقلوبهم، ويعلقون عليه آمالهم، وينقطعون إليه وحده، ويعرضون عما سواه، ولا ينافي ذلك إعطاء النفوس حظها من راحة، ولذة مباحة: من مأكل، ومشرب، ومنكح، وملبس، وكذا الاشتغال بالكسب الحلال، وجمع المال الذي تمس إليه الحاجة من وجوهه الجائزة، كما أمر الله بذلك في قوله: فَإِذَا قُضِيَتِ الصَّلَاةُ فَانْتَشِرُوا فِي الْأَرْضِ وَابْتَغُوا مِنْ فَضْلِ اللَّهِ . وكما في قوله تعالى: وَآخَرُونَ يَضْرِبُونَ فِي الْأَرْضِ يَبْتَغُونَ مِنْ فَضْلِ اللَّهِ .
وإذا كان الأنبياء والرسل يلتمسون الرزق ويطلبون المال من وجوهه، كما قال تعالى: وَمَا أَرْسَلْنَا قَبْلَكَ مِنَ الْمُرْسَلِينَ إِلَّا إِنَّهُمْ لَيَأْكُلُونَ الطَّعَامَ وَيَمْشُونَ فِي الْأَسْوَاقِ . فكيف بأتباعهم ومن هو دونهم؟! فإن أراد الكاتب بالانقطاع إلى الله، ترك الدنيا وما فيها، والزهد في المباحات، والرهبنة، وترك كل الملذات ومشتهيات النفس التي تتقوى بها على الطاعات، فهذا الوصف والقصد غير صحيح، بل هو خلاف سنة النبي -صلى الله عليه وسلم- وسائر الرسل وأتباعهم.
فأما قول الكاتب: [ويهيئ النفس للملكية].. إلخ. فهو خطأ من القول، فإن أراد بالملكية الصعود بالنفس إلى مقام الملائكة، واتصافها بالروحية والنورانية، والاتصال بالملأ الأعلى ونحو ذلك، فلا يصح، فإن نفس الإنسان لا تصل إلى صفات الملائكة التي من خصائصها: العلو، والخفة، والنور، والمكاشفات، والاستغناء عن الدنيا، والانكفاف عن الشهوات ونحوها، فإن الله ركَّب في طباع البشر من الشهوة، والالتذاذ بالمطعم والمشرب، والميل إلى ذلك، والتألم بفقده ما لم يكن من صفات الملائكة.
أما إن أراد بالملكية التملك وأن النفس تتهيأ لأن تملك شيئا من أمر الكون أو تدبره، أو تتصرف فيه تصرف المالك، فهذا أيضا لا يصح، فالنفس البشرية، وسائر النفوس المخلوقة ليس لها من الأمر شيء، ولا تقدر على التصرف المستقبل، ولا الملكية التامة النافذة، بل إن المخلوق نفسه مملوك لربه، ولو ملك الدنيا بأسرها، فملكه مؤقت وناقص، وهو وما بيده ملك لربه، فكيف يقال: إن انقطاع الصوفي ينيله القصد ويهيئ نفسه للملكية.

line-bottom