جاء الشرع الشريف مرغبا في حسن المعاملة مع الأفراد والجماعات ؛ فحث على اختيار الرفقاء الصالحين ونفر من قرناء السوء، ورغب في زيارة الإخوان والأنس بهم، وأخبر بأن المؤمن الذي يخالط الناس ويصبر على أذاهم أفضل من صاحب العزلة؛ فإن الأول ينفع الناس ويرشدهم، ويتحمل ما ناله في ذات الله من إساءة وضرر. اللسان أمانة،استودعه الله عندنا وأمرنا بأن نستعمله في الذكر وفي العلم وفي التعليم وفي النصيحة وما أشبه ذلك، ولا نستعمله في غيبة ونميمة ولا في هجاء ولا في عيب وقذف وهمز ولمز وما أشبه ذلك. وهكذا بقية الجوارح أمانات داخلة في قول الله تعالى: (والذين هم لأماناتهم وعهدهم راعون) . إن أهمية الوقت معلومة عند كل عاقل؛ ذلك أن وقت الإنسان هو رأسماله، وهو عمره أيامه ولياليه، فإذا ما ضاع رأس المال، ضاعت الأرباح، وإذا عرف الإنسان ذلك، حرص على أن يستغلها ويستفيد منها وألا يضيعها، ليكون بذلك رابحا إذا ضعفت العقيدة في القلوب ضعف العمل، فإذا رأيت الذي يكون ضعيفا في عباداته، في صلواته وزكواته وما إلى ذلك، فاعلم أن ذلك لضعف في عقيدته بالأساس.فالعقيدة حقيقة إذا امتلأ بها القلب ظهرت آثارها على الجواربالوقوف قائما أو عدم الاستظلال أو بترك الكلام فهذا ليس فيه طاعة إذا عرف الصغير ربه، وعظم قدر ربه في قلبه، نشأ على طاعة الله تعالى، ونشأ على محبته، وأحب عبادة الله وعظمها في صغره، وسهلت عليه وداوم عليها في كبره، وكره المعصية ونفر منها، وكره كل ما نهى الله تعالى عنه؛ حيث أن آباءه يعلمونه الخير ويؤدبونه عليه
الكنز الثمين
104396 مشاهدة
محبته الصادقة بالقلب والقالب

رابعا : محبته الصادقة بالقلب والقالب.
بل تقديمها على ما سواها. قال الله تعالى : قُلْ إِنْ كَانَ آبَاؤُكُمْ وَأَبْنَاؤُكُمْ وَإِخْوَانُكُمْ وَأَزْوَاجُكُمْ وَعَشِيرَتُكُمْ وَأَمْوَالٌ اقْتَرَفْتُمُوهَا وَتِجَارَةٌ تَخْشَوْنَ كَسَادَهَا وَمَسَاكِنُ تَرْضَوْنَهَا أَحَبَّ إِلَيْكُمْ مِنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ وَجِهَادٍ فِي سَبِيلِهِ فَتَرَبَّصُوا حَتَّى يَأْتِيَ اللَّهُ بِأَمْرِهِ وَاللَّهُ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الْفَاسِقِينَ .
فانظر كيف وبخهم على تقديم شيء من هذه الأصناف الثمانية، التي تميل إليها النفس عادة، وتؤثر الحياة لأجلها على محبة الله ومحبة رسوله، وتوعدهم بقوله فَتَرَبَّصُوا إلخ ، أي : انتظروا أمر الله وهو أثر سخطه وغضبه، بما ينزل من العقوبة، وفي ذلك أبلغ دليل على وجوب محبة الله تعالى، ومحبة رسوله -صلى الله عليه وسلم- وقد أكد ذلك النبي - صلى الله عليه وسلم - في سنته، كقوله - صلى الله عليه وسلم - في حديث أنس: ثلاث من كن فيه وجد بهن حلاوة الإيمان: أن يكون الله ورسوله أحب إليه مما سواهما، وأن يحب المرء لا يحبه إلا الله، وأن يكره أن يعود في الكفر بعد إن أنقذه الله منه، كما يكره أن يقذف في النار متفق عليه وفي الصحيحين أيضا: عن أنس -رضي الله عنه- قال:قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم- لا يؤمن أحدكم حتى أكون أحب إليه من ولده ووالده والناس أجمعين .
ولما قال عمر بن الخطاب -رضي الله عنه- والله لأنت أحب إلي من كل شيء، إلا من نفسي قال: لا يا عمر، حتى أكون أحب إليك من نفسك، فقال رضي الله عنه: والله لأنت أحب إلي من كل شيء حتى من نفسي. فقال: الآن يا عمر رواه البخاري .
وقد ورد في الحديث أن من ثواب محبته -صلى الله عليه وسلم- الاجتماع معه في الآخرة، وذلك لما سأله رجل عن الساعة فقال: ما أعددت لها؟ قال: ما أعددت لها إلا حب الله ورسوله. فقال: أنت مع من أحببت .
وفي الصحيحين: عن ابن مسعود -رضي الله عنه- عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال : المرء مع من أحب وكفى بذلك ثوابا وأجرا لهذه المحبة، ولكن المحبة الصادقة تستلزم الاقتداء به والتأدب بآدابه، وتقديم سنته على رضا كل أحد، وتستلزم أيضا محبة من يحبه ويواليه، وبغض من يبغضه ويعاديه، ولو كان أقرب قريب، فمن استكمل ذلك فقد صدق في هذه المحبة، ومن خالفه أو نقص شيئا من ذلك نقصت محبته بقدر ذلك.