الدين الذي في ذمة من هو قادر على الوفاء يزكى؛ لأنه بمنزلة الأمانة عنده، ويقدر صاحبه أن يأخذه ويتحصل عليه متى طلبه، وأما الدين الذي عند معسر أو مماطل ولو كان غنيا، فإن صاحبه لا يقدر على الحصول عليه، ولو طالبه قد يدعي الإعسار والفقر، فمثل هذا المال كالمعدوم، فلا زكاة عليه إلا إذا قبضه لم يوجد أحد من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم دخل في بدعة ولا خالف السنة ولا جماعة المسلمين،ولا خرج على أئمة الدين بل الصحابة كلهم عدول؛ وذلك لأنهم تلقوا الوحي من النبي مباشرة فوصل الإيمان إلى قلوبهم، فلم يكن إيمانهم عن تقليد بل عن فقه واتباع. شرع الله تطهير هذه الأعضاء وغسلها وتنظيفها عند القيام إلى الصلاة أو عند وجود حدث؛ حتى يصير المصلي نظيف البدن، وحتى يحصل له النشاط والقوة، وحتى يقبل على الصلاة بصدق ومحبة ورغبة الإسلام خير الأديان نظافة وآدابا، ولم يترك رسول الله صلى الله عليه وسلم لأتباعه أمرا إلا بينه لهم، حتى آداب قضاء الحاجة وما يتعلق بها من التباعد عن النجاسات ونحو ذلك (يجب) على الوالد التسوية بين أولاده في العطية والتمليك المالي، (ويستحب) له التسوية في المحبة والرعاية، لكن إذا كان فيهم من هو معاق أو مريض أو صغير ونحوه فالعادة أن يكون أولى بالشفقة والرحمة والرقة. وقد سئل بعض العرب: من أحب أولادك إليك؟ فقال: الصغير حتى يكبر، والمريض حتى يبرأ، والغائب حتى يقدم.
الكنز الثمين
89293 مشاهدة
لا يلزم من إثبات الصفات القول بأنه جسم محدود

رابعا: لا يلزم من إثبات الصفات القول بأنه جسم محدود.
فأما قوله:

[فمن كان هذا شأنه لا بداية ولا نهاية، كيف تعتقد أنه جسم محدود مؤلف من أعضاء، يتحرك، وينتقل من مكان إلى مكان آخر، ويترك وراءه فراغًا؟ ]
هذا عليه فيه ملاحظات :
منها قوله: [لا بداية ولا نهاية] :
قال ذلك بعد الآية الكريمة: هُوَ الْأَوَّلُ وَالْآخِرُ وهو تفسير مبتدَع، فإن هذه الأسماء قد بيَّن معانيها النبي - صلى الله عليه وسلم - ووضحها بقوله في دعاء الاستفتاح: أنت الأول فليس قبلك شيء، وأنت الآخر فليس بعدك شيء، وأنت الظاهر فليس فوقك شيء، وأنت الباطن فليس دونك شيء .
ومنها قوله: [كيف نعتقد أنه جسم محدود]:
والجواب: إنه لا يلزم من إثبات الصفات على ما يليق بها القول: بأنه جسم محدود، ثم قد سبق الرد على قوله: جسم محدود مؤلف من أعضاء، وبيَّنا أن هذه ألفاظ بدعية، لا يجوز الخوض فيها إثباتا ولا نفيا.. إلخ.
ومنها قوله: [يتحرك وينتقل من مكان … إلخ]:

فنقول: اتهم بالقول بذلك أئمة الدعوة السلفية وهو كقوله آنفا: يجلس ويقوم، ويغدو ويروح، وينزل ويرتفع، وقد ذكرنا الجواب عنه آنفا، وأوضحنا أنه لا يلزم من إثبات المجيء والنزول الذي وردت به الأدلة أن نقول بالحركة والانتقال المحسوس الذي هو من خواص المحدثات والمركبات، بل مجيء الله ونزوله هو كما يليق به، وهو حق حقيقي ليس بمجاز، ولا يصح نفيه بعد ثبوته في النصوص التي دلالتها قطعية.
ذكر الكاتب أمثلة على تأويل بعض الآيات المتشابهة
المثال الأول: تأويل قول الله تعالى: وَجَاءَ رَبُّكَ .
ثم إن هذا الكاتب ذكر مثالا لتأويل بعض الآيات المتشابهة، كما زعم وهي قوله : وَجَاءَ رَبُّكَ فأقحم فيها لفظ : (أمر)، فقال: [ و جاء أمر ربك والملك.. إلخ].
وهذا تفسير الجهمية ومن تبعهم، ولا عبرة بكثرة من قاله من المتقدمين والمتأخرين، فإننا متبعون للأدلة، فقد ذكر الله الإتيان وأضافه إلى ذاته، وفرق بين إتيانه وإتيان بعض آياته، فقال -عز وجل- هَلْ يَنْظُرُونَ إِلَّا أَنْ تَأْتِيَهُمُ الْمَلَائِكَةُ أَوْ يَأْتِيَ رَبُّكَ أَوْ يَأْتِيَ بَعْضُ آيَاتِ رَبِّكَ وقال تعالى: هَلْ يَنْظُرُونَ إِلَّا أَنْ يَأْتِيَهُمُ اللَّهُ فِي ظُلَلٍ مِنَ الْغَمَامِ ... إلخ.

ومتى قلنا: إن الله يجيء كما يشاء إتيانا يليق به، لم يلزم القول بالحركة الموهومة، مع أن تأويله بالأمر لم ينقل عن أحد من السلف وهم الأسوة وبهم القدوة.
المثال الثاني: تأويل حديث النزول
ثم ذكر مثالا ثانيا للتأويل الذي التزم سلوكه خوفا من التشبيه، فقال في السطر الثامن من الصفحة الثانية:
[(النزول) معناه: الهبوط من أعلى إلى أسفل، ثم الرجوع ثانيا إلى مكانه، وهذا أيضا مستحيل، إذا لا بد من التأويل، نزول مَنّ وإفضال، وقبول توبة، بمعنى التنزل، لا كنزول الأجسام والصور .. إلخ].
والجواب: أن يقال: وردت أحاديث كثيرة صحيحة عن النبي -صلى الله عليه وسلم- في أن الله تعالى ينزل كل ليلة، وذكرت بلفظ النزول وبلفظ الهبوط، والذين نقلوها هم نقلة أحكام الشريعة، ولم ينكرها أحد من السلف، ولم يقولوا: إن المراد نزول فضله أو منِّه أو قبوله التوبة... إلخ. كما أنهم لم يكيفوا ذلك ولم يشبِّهوه بنزول الأجسام، واعتبروه مثل المجيء والإتيان الذي أثبته الله لنفسه، ولم يلزم من إثباته ما هو مستحيل، بل الجميع نصّ على حقيقته، وهو من خصائص المتصف به لأنه تعالى: لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ في ذاته ولا في صفاته.
المثال الثالث: صرف اللفظ عن ظاهره:
ثم ذكر مثالا ثالثا لصرف اللفظ عن ظاهره، فقال في السطر العاشر في الصفحة الثانية:
[وهذا كحديث: الحجر الأسود يمين الله في الأرض . لما كانت اليد هي موضع التقبيل والتبجيل، والاعتراف بالفضل والجميل، كان الحجر بمنزلة اليد لا عينها].
فنقول: أولا: إن هذا لم يثبت حديثا مرفوعا، وإنما هو من قول ابن عباس في الحكمة من استلامه الحجر وتقبيله.
ثانيا: إن ابن عباس قد بيّن في تمام كلامه ما يبعد الوهم، فقال: فمن صافحه أو قبّله فكأنما صافح الله وقبَّل يمينه. فقد بيّن أن الحجر ليس هو عين يمين الله تعالى فإن المشبه غير المشبه به، فقد بيّن أن مستلمه ليس مصافحا لله، وأنه ليس هو عين يمين الله، فليس في هذا إيهام، ولا يحتاج إلى تأويل، حيث إن السياق لا يدل على التشبيه.
ذكر الكاتب أمثلة أخرى على تأويل بعض الآيات:
ثم ذكر جملة من الآيات وصرفها عن ظاهرها متبعا في ذلك تأويلات الجهمية وأتباعهم:
1- ففي السطر الثاني عشر، قال: [ أَأَمِنْتُمْ مَنْ فِي السَّمَاءِ هذه إشارة إلى علو المكانة لا المكان].
والجواب: إن هذا تأويل المعتزلة ونحوهم، حيث ينكرون صفة العلو الذاتي لله تعالى، أما أهل السنة فيقولون: إن الله تعالى في السماء كما يشاء. وكما في هذه الآية والتي بعدها، وكما وردت به السنة في جملة أحاديث، ولا يقولون: إنّ السماء تحويه أو تحصره، تعالى عن ذلك عُلُوّا كبيرا، بل يقولون: إن المراد بالسماء جهة العلو، فإن كل ما علا فهو سماء، أو أن المراد: من على السماء كقوله: فَسِيحُوا فِي الْأَرْضِ أي عليها.
وأدلة العلو متواترة متنوعة الدلالة، صريحة لمن تأملها ولا يلزم منها محذور، كما تقول الجهمية ومن تبعهم.
2- ثم قال في نفس السطر: [ وَيَبْقَى وَجْهُ رَبِّكَ أي: ذاته. وَلِتُصْنَعَ عَلَى عَيْنِي أي: عنايتي ورعايتي لك].
فنقول: هذا تأويل خاطئ، حيث أنكر ما أثبته الله لنفسه من صفة الوجه والعين، وقد وردت أدلة متنوعة في الكتاب والسنة بذلك ومن طلبها وجدها في كتب الحديث والعقائد ، ولم ولم يزل السلف يأثرونها من غير تكبر، ولم يقولوا: إنّها تشبه خصائص المخلوق، بل إنها صفة للرب تعالى كسائر صفاته، نؤمن بها ولا نكيِّفها حيث لم يخالفها عقل سليم، ولا نقل صحيح، بل النقول المتكاثرة المتواردة على حكم واحد يتعذر تأويلها.
3- ثم قال في السطر الذي يليه: [ وَالسَّمَاوَاتُ مَطْوِيَّاتٌ بِيَمِينِهِ أي بقدرته. يَدُ اللَّهِ فَوْقَ أَيْدِيهِمْ ويد الله مع الجماعة أي: يؤيدهم بنصره… إلخ].
وهذا تأويل باطل من جنس ما قبله، فقد تكرر ذكر اليد واليدين للرب تعالى في العديد من الآيات والأحاديث والتصريح بذكر اليمين ونحو ذلك من العبارات الصريحة، فإن تأويلها بالقدرة بعيد عن الصواب، وقد ذكرها الله في قوله لإبليس: مَا مَنَعَكَ أَنْ تَسْجُدَ لِمَا خَلَقْتُ بِيَدَيَّ بلفظ المثنى، ولو المراد القدرة لما حسن ذكر التثنية، ولقال إبليس: وأنا خلقتني يا رب بقدرتك. ثم إنه ادعى الإجماع على تأويل اليد بالقدرة والتأييد، والنصر والرعاية، والحماية والعناية، وليس كذلك، فإجماع الصحابة والتابعين سابق لهؤلاء، على أن يد الله صفة من صفاته، وتبعهم على ذلك سلف الأمة والأئمة الأربعة، وَنَصَرَهُ ابن جرير في تفسير قول الله تعالى: بَلْ يَدَاهُ مَبْسُوطَتَانِ فأين الإجماع على ما قال؟! ومن الذي حكاه كما قال هذا الكاتب؟! ثم إنه أورد بيت شعر اعتمده فيما قال، ونص البيت:
وكل نص أوهم التشبيها أوّله أو فوض ورم تنزيها
وهذا البيت مذكور في منظومة لبعض الأشاعرة.
ونحن نقول:
أولا: إن صاحب النظم لا ينبغي اتخاذه عمدة؛ فإنه إنما بنى كلامه على معتقده الذي اعتنقه عن مشائخه، الذين تلقى عنهم هذه العقيدة السيئة.
ثانيا: لا يُظَنّ أن نصوص الشرع من الكتاب والسنة توهم التشبيه أبدا، فإن السلف والأئمة لم يكونوا يفهمون أو يتوهمون أن النصوص توهم التمثيل بصفات المخلوقين، أو ما هو من خصائصهم، فالله تعالى أعلى وأجل من أن يكون كلامه الذي وصف به نفسه، لا يظهر منه إلا ما هو كفر أو ضلال.
ثالثا: إلزامه بالتأويل والتفويض، ويعتقد أن السلف يفوِّضون النصوص، أي: يسكتون عن المراد بها مع الاعتقاد أنها لا تدل على صفات حقيقية في نفس الأمر، فألزم إما بالتأويل وهو في الحقيقة تحريف للكلم عن مواضعه، لكن ينفي دلالته على الصفات في نفس الأمر، وإما بالتفويض الذي هو السكوت المراد مع روح التنزيه وهو اعتقاد أنها لا تفيد صفات لله في نفس الأمر. وكلا الأمرين خطأ، وإنما الصواب: ترك التأويل وإثبات حقيقة الصفات التي أفادتها تلك النصوص، مع تفويض العلم بالكيفيات والماهيَّات، ومع اعتقاد أنها لا يُفهم منها تشبيه الرب أو شيء من صفاته بالمخلوقين، فلا تشبيه ولا تعطيل.