تفكروا في آيات الله وكيف بسط الله عز وجل الأرض، وجعل فيها الجبال والوهاد والأودية، والمنخفضات والمرتفعات والرمال والأبطحة، والمعادن التي في جوفها والمياه، وما شابه ذلك.فلو أن الإنسان أخذ يتدبر في هذه المخلوقات وأخذ يكرر ذلك لحفظ وقته من الضياع، وازداد يقينا وقوي إيمانه، ولم تتطرق إلى عقله الشكوك والتخيلات الشيطانية. logo إذا ضعفت العقيدة في القلوب ضعف العمل، فإذا رأيت الذي يكون ضعيفا في عباداته، في صلواته وزكواته وما إلى ذلك، فاعلم أن ذلك لضعف في عقيدته بالأساس.فالعقيدة حقيقة إذا امتلأ بها القلب ظهرت آثارها على الجواربالوقوف قائما أو عدم الاستظلال أو بترك الكلام فهذا ليس فيه طاعة    جاء الشرع الشريف مرغبا في حسن المعاملة مع الأفراد والجماعات ؛ فحث على اختيار الرفقاء الصالحين ونفر من قرناء السوء، ورغب في زيارة الإخوان والأنس بهم، وأخبر بأن المؤمن الذي يخالط الناس ويصبر على أذاهم أفضل من صاحب العزلة؛ فإن الأول ينفع الناس ويرشدهم، ويتحمل ما ناله في ذات الله من إساءة وضرر. اللسان أمانة،استودعه الله عندنا وأمرنا بأن نستعمله في الذكر وفي العلم وفي التعليم وفي النصيحة وما أشبه ذلك، ولا نستعمله في غيبة ونميمة ولا في هجاء ولا في عيب وقذف وهمز ولمز وما أشبه ذلك. وهكذا بقية الجوارح أمانات داخلة في قول الله تعالى: (والذين هم لأماناتهم وعهدهم راعون) . إن المسلم الملتزم بدين الله ، والذي سار على صراط الله المستقيم ، سيجد دعاة الضلال والانحراف؛ وهم واقفون على جانبي الطريق، فإن أنصت لهم والتفت إليهم عاقوه عن السير، وفاته شيء كثير من الأعمال الصالحة. أما إذا لم يلتفت إليهم؛ بل وجه وجهته إلى الله فهنيئا له الوصول إلى صراط ربه المستقيم الذي لا اعوجاج فيه ولا انحراف
shape
التعليقات على متن لمعة الاعتقاد
65392 مشاهدة print word pdf
line-top
قول الله تعالى: وإذا تتلى عليهم آياتنا بينات...

ص (وقال الله تعالى وَإِذَا تُتْلَى عَلَيْهِمْ آيَاتُنَا بَيِّنَاتٍ قَالَ الَّذِينَ لَا يَرْجُونَ لِقَاءَنَا ائْتِ بِقُرْآنٍ غَيْرِ هَذَا أَوْ بَدِّلْهُ قُلْ مَا يَكُونُ لِي أَنْ أُبَدِّلَهُ مِنْ تِلْقَاءِ نَفْسِي [يونس]، فأثبت أن القرآن هو الآيات التي تتلى عليهم، وقال تعالى بَلْ هُوَ آيَاتٌ بَيِّنَاتٌ فِي صُدُورِ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ وَمَا يَجْحَدُ بِآيَاتِنَا إِلَّا الظَّالِمُونَ [العنكبوت]، وقال: إِنَّهُ لَقُرْآنٌ كَرِيمٌ فِي كِتَابٍ مَكْنُونٍ [الواقعة]، بعد أن أقسم على ذلك، وقال تعالى كهيعص [مريم]، حم عسق [الشورى]، وافتتح تسعا وعشرين صورة بالحروف المقطعة، وقال النبي صلى الله عليه وسلم من قرأ القرآن فأعربه فله بكل حرف منه عشر حسنات، ومن قرأه ولحن فيه فله بكل حرف حسنة حديث صحيح. وقال عليه السلام اقرؤوا القرآن قبل أن يأتي قوم يقيمون حروفه إقامة السهم، لا يجاوز تراقيهم، يتعجلون أجره ولا يتأجلونه وقال أبو بكر وعمر رضي الله عنهما: إعراب القرآن أحب إلينا من حفظ بعض حروفه، وقال علي رضي الله عنه: من كفر بحرف منه فقد كفر به كله، واتفق المسلمون على عد سور القرآن وآياته، وكلماته، وحروفه، ولا خلاف بين المسلمين في أن من جحد من القرآن سورة أو آية أو كلمة أو حرفا متفقا عليه أنه كافر، وفي هذا حجة قاطعة على أنه حروف).


س 36 (أ) هل يقال إنه آيات. (ب) وما دليل إثبات ذلك. (ج) وما الدليل على أنه حروف وكلمات. (د) وما يستفاد من ذلك. (هـ) وما المراد بإعراب القران في الحديث؟
ج 36 (أ) أما كونه آيات فظاهر، فإن كل سورة تشتمل على عدد آيات، أقلها ثلاث آيات كسورة الكوثر، وكل آية لها مبدأ ونهاية، وتسمى آخرها فاصلة، وأصل الآية العلامة الدالة على شيء، وقد سمى الله مخلوقاته آيات كقوله: وَمِنْ آيَاتِهِ اللَّيْلُ وَالنَّهَارُ وَالشَّمْسُ وَالْقَمَرُ [فصلت]- أي من البراهين التي تدل عباده على كمال قدرته، وسميت الآية من القرآن بذلك لكونها بمفردها معجزة وبرهانا، دالة على صحة الدين، وصدق الرسول عليه الصلاة والسلام.
(ب) وقد سمى الله هذا القرآن آيات بينات أي واضحات الدلالة، قال تعالى: وَإِذَا تُتْلَى عَلَيْهِمْ آيَاتُنَا بَيِّنَاتٍ قَالَ الَّذِينَ لَا يَرْجُونَ لِقَاءَنَا ائْتِ بِقُرْآنٍ غَيْرِ هَذَا أَوْ بَدِّلْهُ قُلْ مَا يَكُونُ لِي أَنْ أُبَدِّلَهُ مِنْ تِلْقَاءِ نَفْسِي [يونس]- فالإشارة في بِقُرْآنٍ غَيْرِ هَذَا تعود إلى الآيات البينات التي تتلى عليهم، فدل على تسمية القرآن آيات، وقال تعالى بَلْ هُوَ آيَاتٌ بَيِّنَاتٌ فِي صُدُورِ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ وَمَا يَجْحَدُ بِآيَاتِنَا إِلَّا الظَّالِمُونَ [العنكبوت]- والضمير في (هو) يعود على القرآن المذكور في الآيات قبلها، ثم قال بعدها وَقَالُوا لَوْلَا أُنْزِلَ عَلَيْهِ آيَاتٌ مِنْ رَبِّهِ - إلى قوله- أَوَلَمْ يَكْفِهِمْ أَنَّا أَنْزَلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ فأثبت أن هذا الكتاب هو الآيات التي طلبوا، أي يقوم مقامها في الدلالة والحجة.
(ج) والآية مركبة من كلمات، والكلمة مركبة من حروف، فهذا القرآن كلمات وحروف، والكلمة القول المفرد، وقد تطلق على الجملة، وأصل الحرف طرف شيء كحرف الوادي، سمي به الواحد من حروف التهجي، وقد تكاثرت الأدلة على أن القرآن كلمات وحروف، وقد حكى الله عن الوحيد المذكور في قوله تعالى ذَرْنِي وَمَنْ خَلَقْتُ وَحِيدًا [المدثر] أنه قال إِنْ هَذَا إِلَّا قَوْلُ الْبَشَرِ فقال الله سَأُصْلِيهِ سَقَرَ [المدثر]- وهو يشير بقوله إِنَّ هَذَا إلى القرآن الذي بين أيدينا الذي هو حروف، وكذا أشار إليه الذين كفروا بقولهم لَنْ نُؤْمِنَ بِهَذَا الْقُرْآنِ [سبأ]، وأشار إليه تعالى بقوله قُلْ لَئِنِ اجْتَمَعَتِ الْإِنْسُ وَالْجِنُّ عَلَى أَنْ يَأْتُوا بِمِثْلِ هَذَا الْقُرْآنِ لَا يَأْتُونَ بِمِثْلِهِ [الإسراء].
ولما قال بعضهم: هو شعر قال الله تعالى وَمَا هُوَ بِقَوْلِ شَاعِرٍ [الحاقة]، وقال وَمَا عَلَّمْنَاهُ الشِّعْرَ وَمَا يَنْبَغِي لَهُ إِنْ هُوَ إِلَّا ذِكْرٌ وَقُرْآنٌ مُبِينٌ [يس] - فالضمائر كلها تعود إلى هذا المقروء الموجود في المصاحف، وهو بلا شك متكون من سور وآيات، وكلمات وحروف بِلِسَانٍ عَرَبِيٍّ مُبِينٍ [الشعراء]- لأن الذي ليس كذلك لا يقال إنه شعر ولا مفترى- وقد افتتح الله منه تسعا وعشرين سورة بالحروف المقطعة، وهى آلم- ست سور، والمص، والمر، والر خمس سور، وكهيعص، وطه، وطسم سورتين، وطس، يس وحم ست سور، وحم عسق، وق، وص، ون.
وهذا دليل على أنه حروف مركبة من جنس هذه الحروف، ويدل على ذلك قوله صلى الله عليه وسلم: من قرا القرآن فأعربه فله بكل حرف منه عشر حسنات، ومن قرأه ولحن فيه فله بكل حرف حسنة وفي المسند وسنن أبي داود وغيرهما عن جابر أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: اقرؤوا القرآن قبل أن يأتي قوم يقيمون حروفه إقامة السهم، لا يجاوز تراقيهم، يتعجلون أجره ولا يتأجلونه أي أنهم يقرؤونه بألسنتهم، ويجودونه ويفخمون ألفاظه، ولكنه لا يصل إلى قلوبهم، ولا يتأثرون بزواجره ومواعظه، وإنما يخرج من الفم ولا يصل إلى الجوف، وهو معنى مجاوزة التراقي. ثم ذكر أنهم إنما يقرؤونه لتحصيل أجرة دنيوية عاجلة، ولا يؤجلون الأجر إلى الآخرة، وفي هذه الأحاديث التصريح بأن القرآن مركب من حروف، وكذا في قول أبي بكر وعمر رضي الله عنهما: إعراب القرآن أحب إلينا من حفظ بعض حروفه، وكذا في قول علي رضي الله عنه: من كفر بحرف منه فقد كفر به كله. فسماه هؤلاء الخلفاء حروفا، وقد ورد في الحديث ذكر عدد الآيات لبعض السور، واتفق المسلمون على جواز عد كلماته وحروفه، وأن من جحد منه سورة، أو آية، أو كلمة أو حرفا متواترا فهو كافر، وهذا من جملة الأدلة على أن القرآن الذي هو كلام الله مركب من كلمات وحروف.
(د) ويستفاد من ذلك إثبات أنه عين كلام الله، والرد على من زعم أن كلام الله معنى قائم بنفسه، وأنه شيء واحد، إن عبر عنه بالعربية فهو قرآن، وإن عبر عنه بالسريانية فهو توراة.. الخ، وقد عرفت الدليل على إثبات كون كلام الله تعالى قديم النوع، متجدد الآحاد.
(هـ) وأما إعراب القرآن الوارد في الحديث وكلام أبي بكر وعمر فالمراد به التأكد في قراءته عن الخطأ والغلط، والنقص والزيادة، وهذا حث على حفظه وتحقيقه، والتأكد من كلماته وحروفه عند النطق بها، وهذا هو السر في تعظيم ثوابه حيث أعطي بكل حرف عشر حسنات، لأن إعرابه كذلك دليل على شدة اعتنائه واهتمامه بالقرآن، ولهذا قابله بمن لحن فيه، أي غلط بتغيير بعض الكلمات أو الحروف، زيادة أو نقصا، أو تحريفا عن خطأ أو نسيان، فخطؤه مغفور، وله بكل حرف حسنة، فضلا من الله، لأجل حسن قصده، وهذا الحديث رواه الطبراني في الأوسط وفي إسناده ضعف.

line-bottom