إن الغذاء الطيب من مكسب حلال يكسب القلب قوة، ويكسبه صفاء وإخلاصا، ويكون سببا في قبول الأعمال وإجابة الدعوات. والغذاء الطيب يكون سببا في بركة الله ومباركته للأعمال والأعمار والأموال، وأثر ذلك واضح، فقد ثبت عن النبي -صلى الله عليه وسلم- أنه قال: (كل لحم نبت على سحت فالنار أولى به) إذا عرف الصغير ربه، وعظم قدر ربه في قلبه، نشأ على طاعة الله تعالى، ونشأ على محبته، وأحب عبادة الله وعظمها في صغره، وسهلت عليه وداوم عليها في كبره، وكره المعصية ونفر منها، وكره كل ما نهى الله تعالى عنه؛ حيث أن آباءه يعلمونه الخير ويؤدبونه عليه إن غسل أعضاء الوضوء في اليوم خمس مرات دليل على أن الإسلام جاء بما ينشط البدن وينظفه، كما جاء بما يطهر الروح ويزكيها. فهو دين الطهارة الحسية والمعنوية. اللسان أمانة،استودعه الله عندنا وأمرنا بأن نستعمله في الذكر وفي العلم وفي التعليم وفي النصيحة وما أشبه ذلك، ولا نستعمله في غيبة ونميمة ولا في هجاء ولا في عيب وقذف وهمز ولمز وما أشبه ذلك. وهكذا بقية الجوارح أمانات داخلة في قول الله تعالى: (والذين هم لأماناتهم وعهدهم راعون) . شريعة الإسلام شريعة واسعة كاملة، اشتملت على كل ما تمس إليه حاجة البشر، حاجة الذكور والإناث في الدنيا وفي الآخرة، فذكر الله تعالى نساء الدنيا وجعل لهن أحكاما، وذكر النساء في الآخرة وذكر ثوابهن كثواب الرجال المؤمنين، وفي هذا تمام العدل والحكمة
شرح كتاب العظمة المجموعة الثالثة
83583 مشاهدة
أقسام الإسرائيليات

...............................................................................


وبكل حال ذكر ابن كثير -رحمه الله- أن الإسرائيليات تنقسم إلى ثلاثة أقسام:
قسم: يشهد القرآن والسنة بصدقه وبوقوعه، فهذا يقبل ولكن يستغنى عنه بالأدلة الثابتة التي هي الأحاديث والآيات.
والقسم الثاني: يشهد كتابنا وسنة نبينا بأنه كذب، فهذا باطل لا يجوز قبوله ولا يجوز تصديقه، وقسم: ليس في الكتاب والسنة دلالة على أحقيته فهذا هو الذي لا يصدق ولا يكذب.
ورد أنه -صلى الله عليه وسلم- قال: إذا حدثكم بنو إسرائيل فلا تصدقوهم ولا تكذبوهم وقولوا: آمنا بما أنزل إلينا وما أنزل إليكم وَإِلَهُنَا وَإِلَهُكُمْ وَاحِدٌ وَنَحْنُ لَهُ مُسْلِمُونَ أي لا تصدقوهم فقد يكون كذبا، فتصدقون بما هو كذب معروف أنه كذب، وقد تكذبوهم فيكون صدقا وحقا فتكذبون بالحق، ولكن توقفوا في ذلك.
ومع ذلك فإن كثيرا من القصص الإسرائيلية إذا سمعها أدنى عاقل يعرف أنها خيالية، مثل هذه القصص التي سمعنا في قصة ذي القرنين فالأصل أنها قصص نسيج عقل ونسيج فكر، فيجزم بأنها ليست حقيقية، ولكن المؤلف الذي هو أبو الشيخ الأصبهاني رواها بأسانيده المتصلة إلى من قالها، وتكون العُهدة على من اختلقها أو كذبها، ويقول: هذا مرجعي فيها وهؤلاء الذين نقلوها.
المحقق الذي حقق هذه الرسالة قد بيَّن أيضا من روى هذه القصص؛ لأنها لا بد أن تكون مروية في كتب التفسير التي تتوسع في ذكر الإسرائيليات ونحوها؛ كتفسير ابن جرير وتفسير الثعلبي والثعلبي ديِّن وعالم، ولكن ليس عنده تمييز بالأحاديث فيسمونه حاطب ليل؛ بمعنى أنه يجمع ما وجده ويأخذه دون تمييز بين ما صح وما لم يصح، وله أيضا كتاب مطبوع اسمه قصص الأنبياء للثعلبي مطول كثيرا، وله أيضا عرائس المجالس مطبوع أيضا، وفيه أيضا كثير من هذه القصص التي يعرف بأدنى تأمل أنه لا أصل لها.
نحن نعرف أن ذا القرنين قص الله علينا خبره، ولكن ما ذكر لنا أنه نبي ولا ملك، ولكن يظهر أنه نبي؛ وذلك لأن الله تعالى أنزل عليه أو خاطبه بقوله تعالى: قُلْنَا يَا ذَا الْقَرْنَيْنِ إِمَّا أَنْ تُعَذِّبَ وَإِمَّا أَنْ تَتَّخِذَ فِيهِمْ حُسْنًا وأنه أجاب بقوله: أَمَّا مَنْ ظَلَمَ فَسَوْفَ نُعَذِّبُهُ ثُمَّ يُرَدُّ إِلَى رَبِّهِ فَيُعَذِّبُهُ عَذَابًا نُكْرًا وَأَمَّا مَنْ آمَنَ وَعَمِلَ صَالِحًا فَلَهُ جَزَاءً الْحُسْنَى وَسَنَقُولُ لَهُ مِنْ أَمْرِنَا يُسْرًا هذا مما يُستدل به على أنه نزل عليه الوحي فيكون نبيا من الأنبياء؛ إما من أنبياء بني إسرائيل وإما من الأنبياء غيرهم، وأن من خصائصه أن الله تعالى أعطاه هذه القدرة وهذه القوة وهذه المواصلة حتى سار إلى هذه الأماكن، فسار إلى أن وصل مغرب الشمس وجدها تغرب في تلك العين الحمئة أو الحامية.
ثم بعد ذلك رجع وسار حتى بلغ مطلع الشمس وَجَدَهَا تَطْلُعُ عَلَى قَوْمٍ لَمْ نَجْعَلْ لَهُمْ مِنْ دُونِهَا سِتْرًا وجدها كما ذُكر أنها تطلع على قوم ليس بينهم وبينها ستر، يقولون: إنهم لم يكونوا في أبنية ليس عندهم أبنية يكتنون بها، إذا طلعت عليهم الشمس يتسترون من حر الشمس، وكذلك أيضا ليس عندهم أكسية تقيهم من وهج الشمس وحرها، وما ذكر من أنها إذا طلعت عليهم ينغمسون في ذلك الماء، أو يدخلون في تلك العروش أو المساكن، يمكن أن يكون هذا صحيحا أخذا من ظاهر هذه الآية، والله أعلم بالصواب.