إن المسلم الملتزم بدين الله ، والذي سار على صراط الله المستقيم ، سيجد دعاة الضلال والانحراف؛ وهم واقفون على جانبي الطريق، فإن أنصت لهم والتفت إليهم عاقوه عن السير، وفاته شيء كثير من الأعمال الصالحة. أما إذا لم يلتفت إليهم؛ بل وجه وجهته إلى الله فهنيئا له الوصول إلى صراط ربه المستقيم الذي لا اعوجاج فيه ولا انحراف تعبير الرؤيا يرجع فيه إلى معرفة أشياء تختص بالرائي وما يتصل به، وكذا معرفة القرائن والأحوال، ومعرفة معاني الكلمات وما يتصل بها لغة وشرعا وما يعبر به عنها، وهذه الأمور ونحوها يختص بها بعض الناس لانشغالهم بمعرفتها وما يدور حولها، فعلى هذا لا يجوز لكل أحد أن يعبر الرؤى، فقد يفهم فهما بعيدا، وقد يأخذ التعبير من اللفظ لا من المعنى فيخطئ في ذلك.       إن المؤمن بربه يرضى بالقضاء والقدر، ويعلم أن ما أصابه لم يكن ليخطئه، ويعلم أن في الابتلاء والامتحان خيرا كثيرا وأجرا كبيرا، وأن المصائب والنكبات يخفف الله بها من الخطايا، فيستحضر قول النبي صلى الله عليه وسلم: "ما أصاب العبد المسلم من نصب ولا وصب ولا هم ولا حزن ولا أذى ولا غم، حتى الشوكة يشاكها، إلا كفر الله بها من خطاياه" متفق عليه. يجوز أن يعلم القبر بعلامات يعرف بها، فقد ثبت أنه صلى الله عليه و سلم لما دفن عثمان بن مظعون جعل عند قبره حجرا وقال: "أعرف به قبر أخي، وأدفن إليه من مات من أهلي". فيجوز أن يجعل علامة كحجر أو لبنة أو خشبة أو حديدة أو نحو ذلك، ليميز بها القبر عن غيره حتى يزوره ويعرفه.أما أن يكتب عليه فلا يجوز؛ لأنه قد نهي أن يكتب على القبور حتى ولو اسمه، وكذلك نهي أن يرفع رفعا زائدا عن غيره. تفكروا في آيات الله وكيف بسط الله عز وجل الأرض، وجعل فيها الجبال والوهاد والأودية، والمنخفضات والمرتفعات والرمال والأبطحة، والمعادن التي في جوفها والمياه، وما شابه ذلك.فلو أن الإنسان أخذ يتدبر في هذه المخلوقات وأخذ يكرر ذلك لحفظ وقته من الضياع، وازداد يقينا وقوي إيمانه، ولم تتطرق إلى عقله الشكوك والتخيلات الشيطانية.
إبهاج المؤمنين بشرح منهج السالكين وتوضيح الفقه في الدين (الجزء الأول)
144829 مشاهدة
تجصيص القبور والقعود والبناء عليها

ونهى رسول الله -صلى الله عليه وسلم- أن يجصص القبر، وأن يقعد عليه، وأن يبنى عليه رواه مسلم .



قوله: (ونهى رسول الله -صلى الله عليه وسلم- أن يجصص القبر، وأن يقعد عليه... إلخ):
قد نهى النبي -صلى الله عليه وسلم- أن يجصص القبر، وأن يقعد عليه وأن يبنى علمه، والجص هو هذا المعروف الأبيض، وقريب منه ما يسمى بـالجبس، فإنه يبيضه، والسبب في ذلك أنه إذا ابيض، فقد يكون ملفتا للأنظار، ومن رآه اعتقد أن له ميزة، وأن له خاصية، فربما يؤدي ذلك إلى تعظيمه أو إلى تخصيصه بشيء لا يجوز؛ فلذلك نهى أن تجصص القبور .
ونهى الرسول -صلى الله عليه وسلم- كذلك أن يقعد عليه، فقد ورد في حديث أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: لأن يجلس أحدكم على جمرة فتحرق ثيابه فتخلص إلى جلده، خير من أن يقعد على قبر وذلك لأن قعوده عليه فيه إهانة لأخيه المسلم، ولو كان ميتا، ولو كاد لا يشعر بذلك، فعليه أن يحترمه حيا وميتا.
وكذلك نهى الرسول صلى الله عليه وسلم أن يبنى على القبر لأنه إذا بني عليه ورفع لفت الأنظار، وكان سببا في تعظيمه أو عبادته من دون الله، وقد ثبت أنه -صلى الله عليه وسلم- أرسل عليا وقال: لا تدع صورة إلا طمستها، ولا قبرا مشرفا إلا سويته أي: إذا رأيته مرتفعا عن بقية القبور فسوه ببقية القبور.