اللسان أمانة،استودعه الله عندنا وأمرنا بأن نستعمله في الذكر وفي العلم وفي التعليم وفي النصيحة وما أشبه ذلك، ولا نستعمله في غيبة ونميمة ولا في هجاء ولا في عيب وقذف وهمز ولمز وما أشبه ذلك. وهكذا بقية الجوارح أمانات داخلة في قول الله تعالى: (والذين هم لأماناتهم وعهدهم راعون) . يجوز أن يعلم القبر بعلامات يعرف بها، فقد ثبت أنه صلى الله عليه و سلم لما دفن عثمان بن مظعون جعل عند قبره حجرا وقال: "أعرف به قبر أخي، وأدفن إليه من مات من أهلي". فيجوز أن يجعل علامة كحجر أو لبنة أو خشبة أو حديدة أو نحو ذلك، ليميز بها القبر عن غيره حتى يزوره ويعرفه.أما أن يكتب عليه فلا يجوز؛ لأنه قد نهي أن يكتب على القبور حتى ولو اسمه، وكذلك نهي أن يرفع رفعا زائدا عن غيره. شريعة الإسلام شريعة واسعة كاملة، اشتملت على كل ما تمس إليه حاجة البشر، حاجة الذكور والإناث في الدنيا وفي الآخرة، فذكر الله تعالى نساء الدنيا وجعل لهن أحكاما، وذكر النساء في الآخرة وذكر ثوابهن كثواب الرجال المؤمنين، وفي هذا تمام العدل والحكمة الاعمى إذا أراد الصلاة فعليه أن يتحرى القبلة باللمس للحيطان إذا كان صاحب البيت، وإلا فعليه أن يسأل من حضر عنده، فإن لم يكن عنده من يسأله تحرى وصلى بالاجتهاد الغالب على ظنه، ولا إعادة عليه، كالبصير إذا اجتهد في السفر ثم تبين له خطأ اجتهاده فلا إعادة عليه. لم يوجد أحد من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم دخل في بدعة ولا خالف السنة ولا جماعة المسلمين،ولا خرج على أئمة الدين بل الصحابة كلهم عدول؛ وذلك لأنهم تلقوا الوحي من النبي مباشرة فوصل الإيمان إلى قلوبهم، فلم يكن إيمانهم عن تقليد بل عن فقه واتباع.
إبهاج المؤمنين بشرح منهج السالكين وتوضيح الفقه في الدين (الجزء الأول)
145020 مشاهدة
الخطبة بعد صلاة العيدين

فإذا سلم خطب بهم خطبتين، كخطبتي الجمعة، إلا أنه يذكر في كل خطبة الأحكام المناسبة للوقت.


قوله: (فإذا سلم خطب بهم خطبتين، كخطبتي الجمعة... إلخ):
بعد ذلك يخطب بهم كخطبتين كخطبتي الجمعة، وقوله: (كخطبتي الجمعة) يفهم منه أنه لا يبدأهما بالتكبير خلافا لما اشتهر في كتب الفقهاء أنه يبدأهما بالتكبير، فالمشهور عندهم أنه يقول: الله أكبر الله أكبر الله أكبر... سبع تكبيرات في الأولى، وسبعا في الثانية نسقا متتابعة، ولهم أدلة على ذلك مذكورة في كتاب المغني وفي غيره من الكتب، ولكن أنكر ذلك المحققون كابن القيم وشيخه، وقالوا: ما ثبت ذلك عن النبي عليه الصلاة والسلام وما كان يفتتح خطبه إلا بالحمد، وعلى هذا فيفتتحها بالحمد ثم يجعل التكبير بعد ذلك، والحكمة هن التكبير أنه مأمور به في هذه الأيام- كما سيأتي.
ويذكر في كل خطبة الأحكام المناسبة للوقت ففي خطبة عيد الفطر يذكر زكاة الفطر وأحكامها، ويذكر أيضا مناسبة ختم الشهر، ومناسبة العيد وما أشبهه، وفي خطبة عيد النحر يتكلم عن الأضحية، ويذكر شيئا من أحكامها، والمجزئ منها وغير المجزئ، ووقت ذبحها، وكيفية توزيعها، وما أشبه ذلك.