تعبير الرؤيا يرجع فيه إلى معرفة أشياء تختص بالرائي وما يتصل به، وكذا معرفة القرائن والأحوال، ومعرفة معاني الكلمات وما يتصل بها لغة وشرعا وما يعبر به عنها، وهذه الأمور ونحوها يختص بها بعض الناس لانشغالهم بمعرفتها وما يدور حولها، فعلى هذا لا يجوز لكل أحد أن يعبر الرؤى، فقد يفهم فهما بعيدا، وقد يأخذ التعبير من اللفظ لا من المعنى فيخطئ في ذلك. إن أهمية الوقت معلومة عند كل عاقل؛ ذلك أن وقت الإنسان هو رأسماله، وهو عمره أيامه ولياليه، فإذا ما ضاع رأس المال، ضاعت الأرباح، وإذا عرف الإنسان ذلك، حرص على أن يستغلها ويستفيد منها وألا يضيعها، ليكون بذلك رابحا اختار بعض العلماء أن وقت الختان في يوم الولادة، وقيل في اليوم السابع، فإن أخر ففي الأربعين يوما، فإن أخر فإلى سبع سنين وهو السن الذي يؤمر فيه بالصلاة، فإن من شروط الصلاة الطهارة ولا تتم إلا بالختان، فيستحب أن لا يؤخر عن وقت الاستحباب.أما وقت الوجوب فهو البلوغ والتكليف، فيجب على من لم يختتن أن يبادر إليه عند البلوغ ما لم يخف على نفسه اللسان أمانة،استودعه الله عندنا وأمرنا بأن نستعمله في الذكر وفي العلم وفي التعليم وفي النصيحة وما أشبه ذلك، ولا نستعمله في غيبة ونميمة ولا في هجاء ولا في عيب وقذف وهمز ولمز وما أشبه ذلك. وهكذا بقية الجوارح أمانات داخلة في قول الله تعالى: (والذين هم لأماناتهم وعهدهم راعون) . لم يوجد أحد من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم دخل في بدعة ولا خالف السنة ولا جماعة المسلمين،ولا خرج على أئمة الدين بل الصحابة كلهم عدول؛ وذلك لأنهم تلقوا الوحي من النبي مباشرة فوصل الإيمان إلى قلوبهم، فلم يكن إيمانهم عن تقليد بل عن فقه واتباع.
إبهاج المؤمنين بشرح منهج السالكين وتوضيح الفقه في الدين (الجزء الأول)
144926 مشاهدة
صلاة الاستسقاء

وصلاة الاستسقاء سنة إذا اضطر الناس لفقد الماء.
وتفعل كصلاة العيد في الصحراء، ويخرج إليها متخشعا متذللا متضرعا. فيصلي ركعتين، ثم يخطب خطبة واحدة، يكثر فيها: الاستغفار وقراءة الآيات التي فيها الأمر به، ويلح في الدعاء، ولا يستبطئ الإجابة.
وينبغي قبل الخروج اليها: فعل الأسباب التي تدفع الشر وتنزل الرحمة: كالاستغفار، والتوبة، والخروج من المظالم، والإحسان إلى الخلق، وغيرها من الأسباب التي جعلها الله جالبة للرحمة دافعة للنقمة. والله أعلم.


ثالثا: صلاة الاستسقاء:
قوله: وصلاة الاستسقاء: سنة إذا اضطر الناس لفقد الماء... إلخ):
صلاة الاستسقاء هي : طلب السقيا، أي: أن يسقيهم الله تعالى، فإذا اضطر الناس لفقد الماء وغارت الآبار وجفت الأرض ويبست الأشجار، فإن الناس يستسقون، لأنهم يعلمون أنه سبحانه هو الذي يملك السقيا ويملك النفع، وهو الذي يسقيهم؛ لذلك تسن صلاة الاستسقاء إذا قحط المطر وتأخر عن أوانه.
وصفتها كصفة صلاة العيد، وتفعل في الصحراء إذا تيسر، والا فيجوز أن تفعل في المساجد؛ لأن الصحراء أحيانا تكون بعيدة على بعض الناس، ولكن الأفضل أن تكون في صحراء، كصلاة العيد، وقد ثبت أنه عليه الصلاة والسلام خرج اليها متخشعا متذللا متضرعا والتخشع هو الانكسار، والتذلل إظهار الذل والضعف، والتضرع إظهار الضراعة والاستكانة بين يدي الله سبحانه.
وهي ركعتان مثل العيد إلا أنه لا يخطب فيها إلا خطبة واحدة، أما العيد فيخطب فيه خطبتين كما سيأتينا، ويكثر فيها من الاستغفار، ويقرأ الآيات التي فيها الأمر بالاستغفار، كقوله تعالى: فَقُلْتُ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ إِنَّهُ كَانَ غَفَّارًا يُرْسِلِ السَّمَاءَ عَلَيْكُمْ مِدْرَارًا [نوح: 10، 11] وكقوله: اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ ثُمَّ تُوبُوا إِلَيْهِ يُرْسِلِ السَّمَاءَ عَلَيْكُمْ مِدْرَارًا وَيَزِدْكُمْ قُوَّةً إِلَى قُوَّتِكُمْ [هود: 52] وإرسال السماء مدرارا، يعني: بالمطر. ومنها أيضا قوله تعالى: وَمَا كَانَ اللَّهُ مُعَذِّبَهُمْ وَهُمْ يَسْتَغْفِرُونَ [الأنفال: 33] فيستشهد بالآيات التي فيها الأمر بالاستغفار، ثم يلح ويكثر من الأدعية ولا يستبطئ الاستجابة، فقد تتأخر الاستجابة فلا ينقطعون عن الاستسقاء، فيكرر بعد ذلك إلى أن يغيثهم الله تعالى.
وصلاة الاستسقاء ينبغي أن يقدم قبلها شيئا من أسباب إجابة الدعاء، فهناك أسباب تدفع الشر وترفع البلاء وتنزل الرحمة، منها كثرة الاستغفار، وكثرة الدعاء، مثل: رَبَّنَا لَا تُؤَاخِذْنَا إِنْ نَسِينَا أَوْ أَخْطَأْنَا [البقرة: 286] ومثل: رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الْآخِرَةِ حَسَنَةً [البقرة: 201] ومثل: ربنا لا تؤاخذنا بما فعل السفهاء منا، ومثل: رَبَّنَا ظَلَمْنَا أَنْفُسَنَا وَإِنْ لَمْ تَغْفِرْ لَنَا وَتَرْحَمْنَا لَنَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِينَ [الأعراف: 23] .
وكذلك التوبة، كقوله: (نستغفر الله ونتوب اليه، اللهم تب علينا) ونحوه، وكذلك القراءة والذكر.
والخروج من المظالم، من أسباب الاستجابة، لأن المظالم من أسباب الحرمان، فيحث الخطيب الحاضرين يوم الجمعة على أن يرد كل إنسان مظالمه ويستبيح إخوته، لكي لا يعاقبوا جميعا.
كذلك الإحسان إلى الخلق، يعني: إيصال الخير اليهم كالصدقات وما أشبهها، فيتصدق على الفقراء، وقد ذكروا أن الصدقة تدفع الشر، وكانوا يؤمرون بالصدقة قبل أن يخرجوا إلى الاستسقاء؛ لتكون وسيلة من الوسائل التي تجاب بها الدعوة ويرحم الله تعالى بها العباد. وكذا الإحسان إلى الخلق بغير الصدقة، بدلالتهم على الخير ونفعهم، والشفاعة لهم، وبنصحهم وإنقاذهم من الشرور، وحثهم على أكل الحلال، وتحذيرهم من أكل الحرام، فإن ذلك من أسباب عدم إجابة الدعاء، وكذلك الالحاح في الدعاء.