إذا عرف الصغير ربه، وعظم قدر ربه في قلبه، نشأ على طاعة الله تعالى، ونشأ على محبته، وأحب عبادة الله وعظمها في صغره، وسهلت عليه وداوم عليها في كبره، وكره المعصية ونفر منها، وكره كل ما نهى الله تعالى عنه؛ حيث أن آباءه يعلمونه الخير ويؤدبونه عليه شرع الله تطهير هذه الأعضاء وغسلها وتنظيفها عند القيام إلى الصلاة أو عند وجود حدث؛ حتى يصير المصلي نظيف البدن، وحتى يحصل له النشاط والقوة، وحتى يقبل على الصلاة بصدق ومحبة ورغبة الاعمى إذا أراد الصلاة فعليه أن يتحرى القبلة باللمس للحيطان إذا كان صاحب البيت، وإلا فعليه أن يسأل من حضر عنده، فإن لم يكن عنده من يسأله تحرى وصلى بالاجتهاد الغالب على ظنه، ولا إعادة عليه، كالبصير إذا اجتهد في السفر ثم تبين له خطأ اجتهاده فلا إعادة عليه. إن المسلم الملتزم بدين الله ، والذي سار على صراط الله المستقيم ، سيجد دعاة الضلال والانحراف؛ وهم واقفون على جانبي الطريق، فإن أنصت لهم والتفت إليهم عاقوه عن السير، وفاته شيء كثير من الأعمال الصالحة. أما إذا لم يلتفت إليهم؛ بل وجه وجهته إلى الله فهنيئا له الوصول إلى صراط ربه المستقيم الذي لا اعوجاج فيه ولا انحراف شريعة الإسلام شريعة واسعة كاملة، اشتملت على كل ما تمس إليه حاجة البشر، حاجة الذكور والإناث في الدنيا وفي الآخرة، فذكر الله تعالى نساء الدنيا وجعل لهن أحكاما، وذكر النساء في الآخرة وذكر ثوابهن كثواب الرجال المؤمنين، وفي هذا تمام العدل والحكمة
التعليقات على متن لمعة الاعتقاد
54196 مشاهدة
صفة الاستواء

ص (ومن ذلك قوله تعالى الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى [طه].


س 28 (أ) ماذا تدل عليه هذه الآية. (ب) وما العرش. (ج) واذكر تفاسير السلف للاستواء والجواب عن تفاسير المعطلة.
ج 28 (أ) يمجد الرب تعالى نفسه باسمه الرحمن، ليتذكر الخلق سعة رحمته، ثم ذكر علوه على خلقه، واستواءه على عرشه.
(ب) والعرش في اللغة سرير الملك، وهو هنا عرش حقيقي، خلقه الله، وخصه بالاستواء عليه، وقد ذكر في عدة مواضع. كقوله وَكَانَ عَرْشُهُ عَلَى الْمَاءِ [هود]، وقوله رَفِيعُ الدَّرَجَاتِ ذُو الْعَرْشِ [غافر]، وقوله: ذُو الْعَرْشِ الْمَجِيدُ [البروج]، وَهُوَ رَبُّ الْعَرْشِ الْعَظِيمِ [التوبة]، رَبُّ الْعَرْشِ الْكَرِيمِ [المؤمنون]، وَيَحْمِلُ عَرْشَ رَبِّكَ فَوْقَهُمْ يَوْمَئِذٍ ثَمَانِيَةٌ [الحاقة]، ونحوها، وقد ورد في الحديث إن الكرسي بالنسبة إلى العرش كخلقه ألقيت بأرض فلاة مع قوله تعالى وَسِعَ كُرْسِيُّهُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ [البقرة].
(ج) وقد فسر السلف الاستواء بأربعة تفاسير، ذكرها ابن القيم رحمه الله بقوله في الكافية الشافية:
ولهــم عبــارات عليهـا أربـع قــد حــصلت للفــارس الطعـان
وهي استقـر, وقـد علا, وكذلك ار تفـع الـذي مــا فيــه من نكران
وكـذاك قـد صعـد الذي هو رابع وأبـو عبيـدة صــاحب الشـيباني
يختـار هــذا القـول في تفسيره أدرى مــن الجــهمي بــالقرآن

وقد كدّرت نصوص الاستواء وتفاسير السلف لها صفو مشارب الجهمية، حتى تمنى الجهم بن صفوان أن يحك آية الاستواء من المصاحف، وقد ذهبوا في تأويلها كل مذهب، وطعنوا في تفاسير السلف بشبه وهمية زعموها عقلية، وإنما هي خيالات باطلة، وأغلب كتب النفاة تعتمد تفسير استوى باستولى، أو تفسير العرش بالملك، ويستدلون ببيت شعر وهو:
قد استوى بشر على العراق مـن غير سيف أو دم مهراق

وهذا التفسير غير معروف عند العرب، ولم ينقله أحد من أئمة اللغة، والبيت لا يعرف في دواوين العلم الصحيحة، وفيه تصحيف، وعلى تقدير ثبوته فالاستواء فيه هو الاستقرار، أي استقر على عرشها، واطمأن بها. ولو كان الاستواء في الآيات هو الاستيلاء لم يكن لتخصيص العرش فائدة، فإن الله تعالى مستول على جميع المخلوقات.