إذا ضعفت العقيدة في القلوب ضعف العمل، فإذا رأيت الذي يكون ضعيفا في عباداته، في صلواته وزكواته وما إلى ذلك، فاعلم أن ذلك لضعف في عقيدته بالأساس.فالعقيدة حقيقة إذا امتلأ بها القلب ظهرت آثارها على الجواربالوقوف قائما أو عدم الاستظلال أو بترك الكلام فهذا ليس فيه طاعة إن المسلم الملتزم بدين الله ، والذي سار على صراط الله المستقيم ، سيجد دعاة الضلال والانحراف؛ وهم واقفون على جانبي الطريق، فإن أنصت لهم والتفت إليهم عاقوه عن السير، وفاته شيء كثير من الأعمال الصالحة. أما إذا لم يلتفت إليهم؛ بل وجه وجهته إلى الله فهنيئا له الوصول إلى صراط ربه المستقيم الذي لا اعوجاج فيه ولا انحراف لا بأس أن يكتب المسلم اسمه في طرة المصحف (جانبه) مخافة اشتباه مصحفه بغيره، فقد لا يناسبه إلا مصحفه المخصص له، ولا بأس أن يكتب بعض الفوائد على الهوامش كتفسير كلمة أو سبب نزول أو ما أشبه ذلك. إن المؤمن بربه يرضى بالقضاء والقدر، ويعلم أن ما أصابه لم يكن ليخطئه، ويعلم أن في الابتلاء والامتحان خيرا كثيرا وأجرا كبيرا، وأن المصائب والنكبات يخفف الله بها من الخطايا، فيستحضر قول النبي صلى الله عليه وسلم: "ما أصاب العبد المسلم من نصب ولا وصب ولا هم ولا حزن ولا أذى ولا غم، حتى الشوكة يشاكها، إلا كفر الله بها من خطاياه" متفق عليه قال النبي صلى الله عليه وسلم: "أد الأمانة إلى من ائتمنك، ولا تخن من خانك". فلو خانك إنسان فلا تجازه بالخيانة، بل اصفح وتجاوز عنه حتى يثيبك الله بالحسنى ويعفو عنك، ويعاقبه على خيانته إذا كان قد تعمدها، ولربما ندم إذا رآك تعامله بهذه المعاملة وهو قد خان! فيندم ويتخلق بأخلاقك؛ فيكون عملك هذا دعوة وسببا للتخلق بهذا الخلق العظيم.
الكنز الثمين
101596 مشاهدة
المبحث السادس نواقض الشهادتين

المبحث السادس :نواقض الشهادتين:
تكلم علماء الإسلام في كل مذهب على نواقض الإسلام، في كتب الفقه في حكم المرتد، وما تحصل به الردة، وبالغ بعضهم في سرد الأمثلة التي تحصل بها الردة نعوذ بالله، وقد بلغت عددا من المئين ما بين فعل وترك، لكن الشيخ محمد بن عبد الوهاب -رحمه الله تعالى- لخصها في عشرة نواقض مذكورة في مجموعة التوحيد وغيرها.
وإنما يهمنا هنا أن نذكر بعض الخصال التي ينافي فعلها كلمتي التوحيد، ولا يحصل الأجر المرتب على فعلهما، والنطق بهما، فمن ذلك:
أولا: إنكار خلق الله تعالى لبعض الموجودات: أو إسناد بعض التدبير والتصرف إلى الطبيعة والصدفة، فإن ذلك طعن في الرب تعالى، وذلك ينافي اعتقاد المسلمين إثبات كمال التصرف لله وحده، وأنه لذلك هو المستحق للعبادة.
ثانيا: إنكار شيء من صفات الكمال لله -عز وجل- كالعلم، والحياة، والقيومية والجبروت، والسمع والبصر، فإن ذلك غاية التنقص الذي ينافي استحقاق الرب للإلهية، وهكذا إثبات شيء من النقائص التي نزه الله نفسه عنها: كالسنة، والنوم، والنسيان، والظلم، والولد، والشريك، ونحوها، فإن ذلك ينافي الكمال الذي استحق به تعالى العبادة من جميع الخلق.
ثالثا: وصف بعض المخلوقات بشيء من خصائص الخالق: كعلم الغيب، وعموم الملك، وكمال التصرف في الكون، والقدرة على الخلق والإيجاد بدون إرادة الله، فإن هذا تشريك مع الله لهذا المخلوق، ورفع له إلى مرتبة الخالق، وذلك غاية التنقص لله تعالى.
رابعا: نفي استحقاق الرب -عز وجل- لكل العبادات أو لبعضها: كاعتقاد أنه تعالى لا يخشى، ولا يدعى، ولا يستحق أن يستعان به، أو لا أهمية لذلك أو لا فائدة فيه، وهكذا حكم من سخر ببعض العبادات، أو استهزأ بالمصلين أو المتمسكين بأي نوع من أنواع الطاعة، فإن ذلك انتقاد للشرع، وهو ينافي الشهادتين.
خامسا: من اعتقد أن أحدا من الناس يسوغ له التشريع، والتقنين، ووضع الأحكام التي تغير الشرع: كإباحة الزنا أو الربا، وإبطال العقوبات الشرعية: كقتل القاتل، وقطع السارق، وإبطال الزكاة، وتغيير الفرائض، أو أي نوع من أنواع العبادات، وهكذا التحاكم إلى غير شرع الله، والحكم بغير ما أنزل، فمن اعتقد ذلك أو نحوه فقد اعترض على الرب في شرعه، وزعم أنه ناقص أو غير ملائم، أو أن غير حكم الله أحسن من حكمه، وذلك غاية التنقص فلا يجتمع مع التوحيد الخالص.
سادسا: صرف شيء من أنواع العبادة لغير الله تعالى: وهو شرك القبوريين في هذه الأزمنة، فمن دعا ميتا، أو رجاه، أو علق قلبه به أو أحبه كحب الله، أو انحنى له، أو خشع وخضع عند القبر ونحوه، أو طاف به، أو ذبح له، أو نحو ذلك من أنواع العبادة، فقد أبطل شهادته: أن لا إله إلا الله، وأن محمدا رسول الله، وقد سبق شيء مما يتعلق بمعنى الإلهية والعبادة وما يدخل فيها.
سابعا: موالاة أعداء الله: ومحبتهم وتقريبهم، ورفع مقامهم، واعتقاد أنهم على حق أو أنهم أولى بالتبجيل والاحترام من المسلمين، وسواء كانوا من أهل الكتابين أو من الوثنيين أو الدهريين، فإن طاعتهم وتوقيرهم وإعزازهم يوحى بأنهم على صواب، وأن المسلمين المخالفين لهم ضالون خاطئون، أو يدل احترامهم على تعظيم دنياهم أو علومهم الدنيوية، وكل ذلك ينافي حقيقة الشهادة.
ثامنا: الطعن في رسالة النبي -صلى الله عليه وسلم- أو في شريعته، أو تكذيبه أو دعوى خيانته أو كتمانه لما أوحي إليه، وكذا إظهار سبه أو عيبه أو التهكم بسيرته أو شيء من أعماله أو أحواله أو تصرفاته، ونحو ذلك مما يدل على إنكار رسالته في الباطن، فإن الطعن فيه طعن في الرب تعالى، فهو الذي أرسله وحمله هذه الرسالة، وذلك يناقض كلمتي الشهادتين.
تاسعا: الطعن في القرآن الذي هو كلام الله تعالى: كدعوى المشركين أنه سحر أو شعر أو أساطير الأولين، أو أنه مفتر مكذوب، وكذا من زعم أنه قول البشر، أو نفي وإعجازه أو حاول معارضته بمثله، وأن ذلك ممكن أو كذب ببعض ما اشتمل عليه، أو أنكر بعض السور أو الآيات المنقولة بالتواتر أو نحو ذلك، فإنه كافر مكذب لله ورسوله، وذلك يناقض كلمة التوحيد.
عاشرا: إنكار شيء من الأمور الغيبية التي أمر الله بالإيمان بها: وأخبر بثبوتها وأحقيتها في كتابه، وعلى لسان رسوله -صلى الله عليه وسلم- كالملائكة، والكتب، والرسل، والبعث بعد الموت، وحشر الأجساد والجنة والنار، وكذا عذاب القبر ونعيمه، ونحو ذلك فإن من جحد منها شيئا، فقد كذب الله وكذب رسوله -صلى الله عليه وسلم- وذلك أكبر الطعن في الرسالة، وما اشتملت عليه، فهو يخالف ما تستلزمه الشهادتان.
وأقتصر على هذا القدر مما يتعلق بالشهادتين وما يكون به تحقيقهما، وذلك على وجه الاختصار، ومن أراد التفصيل وجد ذلك في كتب أئمة الدعوة - رحمهم الله - وكذا من سبقهم من علماء المسلمين، والله أعلم وأحكم، وصلى الله على محمد وآله وصحبه وسلم.