قال النبي صلى الله عليه وسلم: "أد الأمانة إلى من ائتمنك، ولا تخن من خانك". فلو خانك إنسان فلا تجازه بالخيانة، بل اصفح وتجاوز عنه حتى يثيبك الله بالحسنى ويعفو عنك، ويعاقبه على خيانته إذا كان قد تعمدها، ولربما ندم إذا رآك تعامله بهذه المعاملة وهو قد خان! فيندم ويتخلق بأخلاقك؛ فيكون عملك هذا دعوة وسببا للتخلق بهذا الخلق العظيم. الاعمى إذا أراد الصلاة فعليه أن يتحرى القبلة باللمس للحيطان إذا كان صاحب البيت، وإلا فعليه أن يسأل من حضر عنده، فإن لم يكن عنده من يسأله تحرى وصلى بالاجتهاد الغالب على ظنه، ولا إعادة عليه، كالبصير إذا اجتهد في السفر ثم تبين له خطأ اجتهاده فلا إعادة عليه. اللسان أمانة،استودعه الله عندنا وأمرنا بأن نستعمله في الذكر وفي العلم وفي التعليم وفي النصيحة وما أشبه ذلك، ولا نستعمله في غيبة ونميمة ولا في هجاء ولا في عيب وقذف وهمز ولمز وما أشبه ذلك. وهكذا بقية الجوارح أمانات داخلة في قول الله تعالى: (والذين هم لأماناتهم وعهدهم راعون) . إذا عرف الصغير ربه، وعظم قدر ربه في قلبه، نشأ على طاعة الله تعالى، ونشأ على محبته، وأحب عبادة الله وعظمها في صغره، وسهلت عليه وداوم عليها في كبره، وكره المعصية ونفر منها، وكره كل ما نهى الله تعالى عنه؛ حيث أن آباءه يعلمونه الخير ويؤدبونه عليه إذا ضعفت العقيدة في القلوب ضعف العمل، فإذا رأيت الذي يكون ضعيفا في عباداته، في صلواته وزكواته وما إلى ذلك، فاعلم أن ذلك لضعف في عقيدته بالأساس.فالعقيدة حقيقة إذا امتلأ بها القلب ظهرت آثارها على الجواربالوقوف قائما أو عدم الاستظلال أو بترك الكلام فهذا ليس فيه طاعة
الكنز الثمين
104558 مشاهدة
منع السفر لمجرد زيارة القبر النبوي

سادسا : منع السفر لمجرد زيارة القبر النبوي.
ثبت في الصحاح والسنن والمسانيد عنه -صلى الله عليه وسلم- أنه قال: لا تشد الرحال إلا إلى ثلاثة مساجد: المسجد الحرام، ومسجدي هذا، والمسجد الأقصى .
ومعنى ذلك: النهي عن السفر إلى بقعة أو موضع لقصد التعبد فيه؛ لاعتقاد أن العمل فيه مضاعف أو له مزية على غيره من المواضع، فدخل في ذلك منع السفر لزيارة القبور ولو قبور الأنبياء، فإنه من اتخاذها أعيادا، والاعتقاد في المقبورين بما يكون وسيلة إلى عبادتهم مع الله تعالى، كما هو الواقع من المشركين في هذا الزمان وقبله، حيث ينشئون الأسفار الطويلة، إلى قبور الأولياء كما زعموا، أو يتجشمون المشقات وينفقون الأموال الطائلة، ومتى وصلوا إلى تلك المشاهد كما اسموها حطوا رحالهم، وأخذوا في الهتاف والنداء لأولئك الأموات، وعملوا هناك ما لا يصلح إلا لله رب العالمين، من الطواف بتلك الأضرحة والتمسح بترابها والدعاء لأربابها، والذبح والنحر لها ونحو ذلك.
فهذا ما خافه -عليه الصلاة والسلام- من منعه شد الرحال لغير المساجد الثلاثة.
وقد كتب في ذلك شيخ الإسلام ابن تيمية - رحمه الله - رسالة ذكر فيها اختلاف العلماء في حكم شد الرحال لمجرد زيارة قبور الأنبياء والصالحين، ورجح المنع، وذكر أنه قول ابن بطة وأبي الوفاء بن عقيل والجويني والقاضي عياض وغيرهم، بل هو قول الجمهور، ونص عليه مالك ولم يخالفه أحد من الأئمة، لكن ليس المراد النهي عن زيارة القبور بدون شد رحل، فقد ورد الترغيب فيها وأنها تذكر الآخرة، وأن الزائر يدعو للأموات ويترحم عليهم، وهذا يحصل في أقرب مقبرة عنده؛ فإن كل بلد لا تخلو من المقابر، فأما إعمال المطي والسفر إلى بلد بعيد لأجل بقعة أو قبر فإنما يكون ذلك لاعتقاد عظمة ذلك المقبور، وأهليته أن يعظم ويدعى ويرجى، فيصرف له خالص العبادة، فلا جرم ورد النهي عن شد الرحال لغير المساجد الثلاثة.
وقد روى الإمام أحمد وغيره عن ابن عمر وأبي سعيد الخدري أنهما منعا شد الرحل إلى الطور لأجل الصلاة فيه، واستدلا بحديث النهي عن شد الرحال إلا إلى ثلاثة مساجد، مع أن الله ذكر الطور وسماه بالوادي المقدس والبقعة المباركة، وكلم عبده موسى هناك.
وعلى هذا فمن سافر إلى المدينة قاصدا المسجد النبوي الذي تكون الصلاة فيه بألف صلاة فسفره طاعة وقربة، وله بعد الصلاة في المسجد أن يسلم على القبر الشريف ، وعلى قبور الصحابة والشهداء، ويدعو لهم.
فأما من أنشأ السفر لأجل القبر نفسه، سواء للسلام عليه أو للدعاء عنده فسفره بدعة منكرة؛ حيث خالف حديث: لا تتخذوا قبري عيدا، وصلوا علي فإن صلاتكم تبلغني حيث كنتم .
فأما الأحاديث المروية في فضل الزيارة للقبر الشريف فكلها ضعيفة أو موضوعة ، كما حقق ذلك العلماء، فليتنبه لذلك والله الموفق.