الإسلام خير الأديان نظافة وآدابا، ولم يترك رسول الله صلى الله عليه وسلم لأتباعه أمرا إلا بينه لهم، حتى آداب قضاء الحاجة وما يتعلق بها من التباعد عن النجاسات ونحو ذلك الدين الذي في ذمة من هو قادر على الوفاء يزكى؛ لأنه بمنزلة الأمانة عنده، ويقدر صاحبه أن يأخذه ويتحصل عليه متى طلبه، وأما الدين الذي عند معسر أو مماطل ولو كان غنيا، فإن صاحبه لا يقدر على الحصول عليه، ولو طالبه قد يدعي الإعسار والفقر، فمثل هذا المال كالمعدوم، فلا زكاة عليه إلا إذا قبضه اللسان أمانة،استودعه الله عندنا وأمرنا بأن نستعمله في الذكر وفي العلم وفي التعليم وفي النصيحة وما أشبه ذلك، ولا نستعمله في غيبة ونميمة ولا في هجاء ولا في عيب وقذف وهمز ولمز وما أشبه ذلك. وهكذا بقية الجوارح أمانات داخلة في قول الله تعالى: (والذين هم لأماناتهم وعهدهم راعون) . اشترط كثير من العلماء أن يكون التيمم بتراب له غبار يعلق باليد، ومنعوا التيمم بالرمل ونحوه مما لا غبار له، وألزموا المسافر أن يحمل معه التراب إذا سافر في أرض رملية، ولعل الصحيح جواز التيمم بالرمل؛ لعموم قوله صلى الله عليه وسلم: "جعلت لي الأرض مسجدا وطهورا" متفق عليه. إذا ضعفت العقيدة في القلوب ضعف العمل، فإذا رأيت الذي يكون ضعيفا في عباداته، في صلواته وزكواته وما إلى ذلك، فاعلم أن ذلك لضعف في عقيدته بالأساس.فالعقيدة حقيقة إذا امتلأ بها القلب ظهرت آثارها على الجواربالوقوف قائما أو عدم الاستظلال أو بترك الكلام فهذا ليس فيه طاعة
شرح الوصية الكبرى لشيخ الإسلام ابن تيمية
56294 مشاهدة
طاعة الرسول من طاعة الله

وقد سمعنا الآيات التي فيها الأمر باتباعه وبطاعته؛ مثل قوله تعالى: مَنْ يُطِعِ الرَّسُولَ فَقَدْ أَطَاعَ اللَّهَ جعل طاعته علامة على طاعة الله؛ لأنه لا يأمر إلا بما أَمَرَهُ الله به. ثبت عنه صلى الله عليه وسلم أنه قال: كل الناس يدخل الجنة إلا من أبى. قالوا: ومَنْ يَأْبَى؟ قال: مَنْ أطاعني دخل الجنة، ومَنْ عصاني فقد أبى وفي حديث آخر: من أطاعني فقد أطاع الله، ومن عصاني فقد عصى الله .
وكثيرا ما يَقْرِنُ الله طاعته بطاعته؛ طاعة الله بطاعة رسوله، ومعصيته بمعصيته؛ مثل قوله تعالى: وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ يُدْخِلْهُ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ ومثل قوله تعالى: وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا ومثل قوله تعالى: وَأَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَاحْذَرُوا يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَلَا تُبْطِلُوا أَعْمَالَكُمْ .
وآيات كثيرة يقرن الله طاعته بطاعته.
أليست طاعته هي الامتثال؟! الذي يطيعه هو الذي يسير على نهجه ويتبعه؛ ولأجل ذلك أمر الله أيضا باتباعه في الآية التي سمعنا في سورة آل عمران: قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ تسمى هذه آية المحنة. قالوا: إن اليهود لما قالوا: نحن أبناء الله وأحباؤه، يعني: أننا نحب الله، ويحبنا الله، امتحنهم الله؛ امتحن صدقهم: قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ إن كنتم صادقين في أنكم تحبون الله، فإن لمحبة الله علامة: فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ قُلْ أَطِيعُوا اللَّهَ وَالرَّسُولَ فأمر باتباعه، وأمر بطاعته، وهما بمعنى واحد؛ من أطاعه كمن اتبعه. ويكون ذلك بِتَقَبُّلِ كل ما جاء به، وبالامتثال لأمره، والابتعاد عن نهيه؛ على حَدِّ قوله تعالى: وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا وهو عامٌّ في: (آتاكم) يعني: أعطاكم وعَلَّمَكُمْ، (ونهاكم) يعني: حَذَّرَكُمْ، فهذا دليل على أنه لا يأمر إلا بما أمر الله به.
وكان القرآن يأمرنا بأن نتبعه، ويُحَذِّرُنا من معصيته، مثل قوله تعالى: فَلْيَحْذَرِ الَّذِينَ يُخَالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ يعني: عن أمر الله، وعن أمر رسوله أَنْ تُصِيبَهُمْ فِتْنَةٌ أَوْ يُصِيبَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ بعدما أمر الله باتباعه...