شرح الوصية الكبرى لشيخ الإسلام ابن تيمية
الأدلة من القرآن على وجوب قبول السنة
...............................................................................
ثم الذين فقهوا القرآن يجدون في القرآن أدلة تأمرهم وتكلفهم بقبول السنة؛ مثل آيات الْحِكْمة؛ الحكمة فُسِّرَتْ بأنها السنة، وإن كان الله تعالى يفتح على من يشاء من خلقه بذلك، فقوله تعالى: رسم> يُؤْتِي الْحِكْمَةَ مَنْ يَشَاءُ وَمَنْ يُؤْتَ الْحِكْمَةَ فَقَدْ أُوتِيَ خَيْرًا كَثِيرًا قرآن> رسم> وفُسِّرَتِ الحكمة بأنها السنة، يعني: أنه يُوَفِّقُ من يشاء لحفظها، ومن حفظها، واجتهد في حفظها والعمل بها فقد أوتي خيرا كثيرا، والله تعالى أيضا أخبر بأن رسوله عليه الصلاة والسلام يبلغها؛ يُبَلِّغُ هذه الحكمة.
إذ قال الله تعالى: رسم> لَقَدْ مَنَّ اللَّهُ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ إِذْ بَعَثَ فِيهِمْ رَسُولًا مِنْ أَنْفُسِهِمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ قرآن> رسم> علمهم القرآن، وعَلَّمَهُمْ تفسير القرآن، وعلمهم ما يتبعه وما يُكَمِّلُه، فذلك معنى: رسم> وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ قرآن> رسم> .
كذلك أيضا: كُتُبُ الأنبياء قبله قد أوتوا الحكمة، وهي سننهم، فقال تعالى عن عيسى اسم> رسم> وَيُعَلِّمُهُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَالتَّوْرَاةَ وَالْإِنْجِيلَ قرآن> رسم> فالحكمة التي علمها هي ما فتحه عليه من السنة، ومن المعلومات، وكذلك ما فتحه على نبينا صلى الله عليه وسلم، فإنها تسمى حكمة؛ وهكذا قول الله تعالى في الآية الأخرى في قوله تعالى: رسم> وَعَلَّمَكَ مَا لَمْ تَكُنْ تَعْلَمُ قرآن> رسم> رسم> وَأَنْزَلَ اللَّهُ عَلَيْكَ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَعَلَّمَكَ مَا لَمْ تَكُنْ تَعْلَمُ وَكَانَ فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكَ عَظِيمًا قرآن> رسم> أنزل عليك الكتاب، وأنزل عليك الحكمة. أليس هذا دليلا على أن الحكمة -التي هي السنة- تنزل عليه، يعلمه إياها جبريل اسم> كما يعلمه القرآن؛ إلا أن القرآن له ميزة؛ فتعليمه للحكمة معناه: أنه يفتح الله تعالى عليه، ويلهمه، ويوحي إليه، فيعرف هذه الحكمة، ويعلمها لأمته.
وكانت الحكمة أيضا تُقْرَأُ كما يقرأ القرآن. دليله آية سورة الأحزاب، وهي خطاب من الله تعالى لزوجات النبي صلى الله عليه وسلم في قوله تعالى: رسم> وَاذْكُرْنَ مَا يُتْلَى فِي بُيُوتِكُنَّ مِنْ آيَاتِ اللَّهِ وَالْحِكْمَةِ قرآن> رسم> الذي يُتْلَى في بيوتهن القرآن والسنة: رسم> وَاذْكُرْنَ مَا يُتْلَى قرآن> رسم> يعني: يقرأ رسم> فِي بُيُوتِكُنَّ مِنْ آيَاتِ اللَّهِ وَالْحِكْمَةِ قرآن> رسم> .
فإذن نعرف أن الحكمة هي السنة، وأنا كما نؤمر في القرآن بأوامر، فكذلك نُؤْمَرُ في السنة بأوامر، ويلزمنا قول الله تعالى الذي أمر به في القرآن، والذي أمر به رسوله في السنة، فإنه مِنْ أَمْرِ الله. ما أمر إلا بما أمره الله به. الله تعالى هو الذي علمه: رسم> وَعَلَّمَكَ مَا لَمْ تَكُنْ تَعْلَمُ قرآن> رسم> فلما علمه عَلَّمَ أُمَّتَهُ؛ فعلى الْأُمَّة أن يَقْبَلُوا ما علمهم به نبيهم، ويمتثلوه ويسيروا عليه.
مسألة>