شرح الوصية الكبرى لشيخ الإسلام ابن تيمية
النبي صلى الله عليه وسلم بين لأمته كل ما تحتاج إليه في أمور دينها
بسم الله الرحمن الرحيم.
قال شيخ الإسلام أحمد ابن تيمية اسم> رحمه الله تعالى: وأنتم تعلمون -أصلحكم الله- أن السنة التي يجب اتباعها، ويحمد أهلها، ويذم من خالفها هي سنة رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم بأمور الاعتقادات، وأمور العبادات، وسائر أمور الديانات؛ وذلك إنما يعرف بمعرفة أحاديث النبي صلى الله عليه وآله وسلم الثابتة عنه في أقواله، وأفعاله، وما تركه من قول وعمل، ثم ما كان عليه السابقون، والتابعون لهم بإحسان.
وذلك في دواوين الإسلام المعروفة مثل: صحيحي البخاري اسم> ومسلم اسم> وكتب السنن مثل سنن أبي داود اسم> والنسائي اسم> وجامع الترمذي اسم> وموطأ الإمام مالك اسم> ومثل المسانيد المعروفة كمسند الإمام أحمد اسم> وغيره.
ويوجد في كتب التفاسير و المغازي وسائر كتب الحديث جملها وأجزائها من الآثار ما يستدل ببعضها على بعض. وهذا وقد أقام الله لهم من أهل المعرفة من اعتنى به، حتى حفظ الله الدين على أهله.
وقد جمع طوائف من العلماء الأحاديث والآثار المروية في أبواب عقائد أهل السنة مثل: حماد بن سلمة اسم> وعبد الرحمن بن مهدي اسم> وعبد الله بن عبد الرحمن الدارمي اسم> وعثمان بن سعيد الدارمي اسم> وغيرهم في طبقتهم، ومثلها ما بوب عليه البخاري اسم> وأبو داود اسم> والنسائي اسم> وابن ماجه اسم> وغيرهم في كتبهم.
ومثل مصنفات أبي بكر الأثرم اسم> وعبد الله بن أحمد اسم> وأبي بكر الخلال اسم> وأبي القاسم الطبراني اسم> وأبي الشيخ الأصبهاني اسم> وأبي بكر الآجري اسم> وأبي الحسن الدارقطني اسم> وأبي عبد الله بن منده اسم> وأبي القاسم اللالكائي اسم> وأبي عبد الله بن بطة اسم> وأبي عمرو الطلمنكي اسم> وأبي نعيم الأصبهاني اسم> وأبي بكر البيهقي اسم> وأبي ذر الهروي اسم> وإن كان يقع في بعض هذه المصنفات من الأحاديث الضعيفة ما يعرفه أهل المعرفة.
وقد يروى كثير من الناس في الصفات، وسائر أبواب الاعتقادات، وعامة أبواب الدين أحاديث كثيرة تكون مكذوبة موضوعة على رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، وهي قسمان:
منها: ما يكون كلاما باطلا لا يجوز أن يقال فضلا عن أن يضاف إلى النبي صلى الله عليه وآله وسلم.
والقسم الثاني من الكلام: ما يكون قد قاله بعض السلف، أو بعض العلماء، أو بعض الناس، ويكون حقا، أو مما يسوغ فيه الاجتهاد، أو مذهبا لقائله، فيعزى إلى النبي صلى الله عليه وآله وسلم، وهذا كثير عند من لا يعرف الحديث، مثل المسائل التي وضعها أبو الفرج عبد الواحد بن محمد بن علي الأنصاري اسم> وجعلها محنة؛ ليفرق بها بين السني وبين البدعي، وهي مسائل معروفة عملها بعض الكذابين، وجعل لها إسنادا إلى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وجعلها من كلامه، وهذا يعلمه من له أدنى معرفة أنه مكذوب مفترى.
وهذه المسائل وإن كان غالبها موافقا لأصول السنة ففيها ما إذا خالفه الإنسان لم يحكم بأنه مبتدع مثل أول محنة أنعم بها على عبده؛ فإن هذه المسائل فيها نزاع بين أهل السنة، والنزاع فيها لفظي لأن مبناها على أن اللذة التي يعقبها ألم هل تسمى محنة أم لا؟ وفيها أيضا أشياء مرجوحة.
فالواجب أن يفرق بين الحديث الصحيح والحديث الكذب؛ فإن السنة هي الحق دون الباطل، وهي الأحاديث الصحيحة دون الموضوعة، فهذا أصل عظيم لأهل الإسلام عموما، ولمن يدعي السنة خصوصا.
وقد تقدم أن دين الله وسط بين الغالي فيه والجافي عنه، والله تعالى ما أمر عباده بأمر إلا اعترض الشيطان فيه بأمرين لا يبالي بأيهما ظفر إما إفراط فيه، وإما تفريط فيه.
وإذا كان الإسلام الذي هو دين الله لا يقبل من أحد سواه قد اعترض الشيطان كثيرا ممن ينتسب إليه حتى أخرجه عن كثير من شرائعه، بل أخرج طوائف من أعبد هذه الأمة وأورعها عنه، حتى مرقوا منه كما يمرق السهم من الرمية، وأمر النبي صلى الله عليه وآله وسلم بقتال المارقين منه، فثبت عنه في الصحاح وغيرها في رواية أمير المؤمنين علي بن أبي طالب اسم> وأبي سعيد الخدري اسم> وسهل بن حنيف اسم> وأبي ذر الغفاري اسم> وسعد بن أبي وقاص اسم> وعبد الله بن عمر اسم> وابن مسعود اسم> رضي الله عنهم وغير هؤلاء أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم ذكر الخوارج فقال: رسم> يحقر أحدكم صلاته مع صلاتهم، وصيامه مع صيامهم، وقراءته مع قراءتهم، يقرءون القرآن لا يجاوز حناجرهم، يمرقون من الإسلام كما يمرق السهم من الرمية، أينما لقيتموهم فاقتلوهم -أو فقاتلوهم- فإن في قتلهم أجرا عند الله لمن قتلهم يوم القيامة لئن أدركتهم لأقتلنهم قتل عاد متن_ح> رسم> وفي رواية: رسم> شر قتيل تحت أديم السماء، خير قتيل من قتلوه متن_ح> رسم> وفي رواية: رسم> لو يعلم الذين يقاتلونهم ما زوي لهم على لسان محمد اسم> صلى الله عليه وآله وسلم لنكلوا عن العمل متن_ح> رسم> وهؤلاء لما خرجوا في خلافة أمير المؤمنين علي بن أبي طالب اسم> رضي الله عنه قاتلهم هو وأصحاب رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم بأمر النبي صلى الله عليه وآله وسلم وتحضيضه على قتالهم، واتفق على قتالهم جميع أئمة الإسلام. وهكذا كل من فارق...
هذه وصية بالسنة التي هي أقوال النبي صلى الله عليه وسلم وأفعاله وطريقته التي ترك الأمة عليها، فثبت عنه أنه قال: رسم> لقد تركتكم على مثل البيضاء ليلها كنهارها، لا يزيغ عنها بعدي إلا هالك متن_ح> رسم> وشهد له الصحابة بأنه بلغهم وبين كل ما يحتاجون إليه.
ففي حجة الوداع لما خطبهم قال لهم: رسم> إنكم مسئولون عني، فماذا أنتم قائلون؟ قالوا: نشهد بأنك قد بلغت، وأديت، ونصحت متن_ح> رسم> شهدوا له بأنه بلغ.
كذلك أيضا ذكروا أنه قام مرة موقفا يعلم فيه أصحابه، فذكر أول الأمر وآخره من بدء الخلق حتى ذكر دخول أهل الجنة الجنة، وأهل النار النار، حفظه من حفظه، ونسيه من نسيه، وكذلك أيضا يقول أبو ذر اسم> توفي النبي صلى الله عليه وسلم وما طائر يطير بجناحيه إلا ذكر لنا منه علما.
وفي صحيح مسلم اسم> أنه صلى الله عليه وسلم قال: رسم> ما بعث الله من نبي إلا كان حقا عليه أن يدل أمته على خير ما يعلمه لهم، ويحذرهم من شر ما يعلمه لهم متن_ح> رسم> ولا شك أنه قام بذلك أنه بين لأمته الخير، وحثهم على التمسك به، وبين لهم الشر، وحذرهم عن الوقوع فيه، وسواء كان الشر فيما يضر الأبدان، أو فيما يضر القلوب والعقائد، أو فيما يتعلق بالمكاسب، وما أشبهها، كل ذلك قد وضحه وبينه لأمته، وحذرهم من مخالفته.
مسألة>