شريعة الإسلام شريعة واسعة كاملة، اشتملت على كل ما تمس إليه حاجة البشر، حاجة الذكور والإناث في الدنيا وفي الآخرة، فذكر الله تعالى نساء الدنيا وجعل لهن أحكاما، وذكر النساء في الآخرة وذكر ثوابهن كثواب الرجال المؤمنين، وفي هذا تمام العدل والحكمة logo إن غسل أعضاء الوضوء في اليوم خمس مرات دليل على أن الإسلام جاء بما ينشط البدن وينظفه، كما جاء بما يطهر الروح ويزكيها. فهو دين الطهارة الحسية والمعنوية. إذا ضعفت العقيدة في القلوب ضعف العمل، فإذا رأيت الذي يكون ضعيفا في عباداته، في صلواته وزكواته وما إلى ذلك، فاعلم أن ذلك لضعف في عقيدته بالأساس.فالعقيدة حقيقة إذا امتلأ بها القلب ظهرت آثارها على الجواربالوقوف قائما أو عدم الاستظلال أو بترك الكلام فهذا ليس فيه طاعة يجوز أن يعلم القبر بعلامات يعرف بها، فقد ثبت أنه صلى الله عليه و سلم لما دفن عثمان بن مظعون جعل عند قبره حجرا وقال: "أعرف به قبر أخي، وأدفن إليه من مات من أهلي". فيجوز أن يجعل علامة كحجر أو لبنة أو خشبة أو حديدة أو نحو ذلك، ليميز بها القبر عن غيره حتى يزوره ويعرفه.أما أن يكتب عليه فلا يجوز؛ لأنه قد نهي أن يكتب على القبور حتى ولو اسمه، وكذلك نهي أن يرفع رفعا زائدا عن غيره. شرع الله تطهير هذه الأعضاء وغسلها وتنظيفها عند القيام إلى الصلاة أو عند وجود حدث؛ حتى يصير المصلي نظيف البدن، وحتى يحصل له النشاط والقوة، وحتى يقبل على الصلاة بصدق ومحبة ورغبة
shape
شرح الوصية الكبرى لشيخ الإسلام ابن تيمية
68105 مشاهدة print word pdf
line-top
أثر الأحاديث المكذوبة على معتقدات المتصوفة

...............................................................................


قد مر بنا أن هذه الوصية الكبرى كانت موجهة لتلاميذ وأتباع الشيخ عدي بن مسافر وهؤلاء يغلب عليهم مذهب التصوف, أو يقربون منه, فخاف عليهم شيخ الإسلام أن يدخل عليهم هذا اللبس وأن يتمكن منهم, وأن تغلب عليهم تلك الأحوال وتلك الإرادات التي يعملون بها, فوجه إليهم هذه النصيحة.
من جملة ما يخوض فيه الصوفية ما يسمونه: بالحال أو بالفناء, يؤول بهم هذا الأمر إلى عقيدة الوحدة, وحدة الوجود, وهو اعتقادهم أن الخالق حال في المخلوق, وهي من أخبث العقائد, وأبعدها عن العقول.
ومن جملة ما ينكر عليهم التصديق بالأحاديث المكذوبة, والتي يقلبون بها أمرهم, والتي يروجون بها على أتباعهم, ويقعون بها في التشبيه والتمثيل, ويفترون على الله تعالى, مر بنا أحاديث مكذوبة تروج فيما بينهم, ويصدق بها الجهلاء, مثل الحديث الذي فيه: أن الله ينزل يوم عرفة ينزل عشية عرفة عليه جبة صوف, يصافح الركبان, ويعانق المشاة. هذا من الكذب والبهتان.
ومن الأحاديث التي ذكروا: أن الله ينزل عشية عرفة على جمل أورق, والأحاديث التي فيها: أن الله ينزل ويسير في الأرض، فإذا رأوا أرضا مخضرة, قالوا: هذا أثر قدميه‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‌ا, ويستدلون بقوله: فَانْظُرْ إِلَى آثَارِ رَحْمَةِ اللَّهِ وما علموا أن المراد برحمة الله المطر, آثار رحمته: النبات، ويستدلون بهذه الأحاديث على أن الله يمكن أن يرى في الدنيا, أن تراه الأعين، وهذا خلاف معتقد أهل السنة، ويصل بهم الأمر إلى أنهم يعتقدون أن من رأى الله تعالى في الدنيا وكلمه فإنه تسقط عنه التكاليف، ويؤذن له بأن يفعل ما يريد، وأن يشرع للناس ما لم ينزل به سلطانا.
فكل ذلك بلا شك من الأكاذيب, وقع الخلاف في النبي صلى الله عليه وسلم هل رأى ربه ليلة الإسراء؟ فأنكرت ذلك عائشة ولما سئلت قالت للسائل: لقد قف شعري من كلمتك. ولما سألوها عن قوله تعالى: وَلَقَدْ رَآهُ بِالْأُفُقِ الْمُبِينِ قالت: أنا سألت النبي صلى الله عليه وسلم فقال: رأيت جبريل في صورته مرتين يعني هذه المرة التي في سورة التكوير وَلَقَدْ رَآهُ بِالْأُفُقِ الْمُبِينِ والتي في سورة النجم: وَلَقَدْ رَآهُ نَزْلَةً أُخْرَى فإن الكلام على جبريل في سورة النجم عَلَّمَهُ شَدِيدُ الْقُوَى أي: هو جبريل عليه السلام، وفي سورة التكوير: إِنَّهُ لَقَوْلُ رَسُولٍ كَرِيمٍ ذِي قُوَّةٍ عِنْدَ ذِي الْعَرْشِ مَكِينٍ المراد به جبريل
وأما الحديث الذي فيه قوله: إني رأيت ربي في أحسن صورة, وإنه وضع كفه على صدري حتى وجدت برد أنامله في صدري إلى آخره, فهو حديث صحيح, ولكنها رؤيا منام، ومعلوم أن رؤيا المنام يتخيل فيها الرائي ما يراه وما يتخيله, ولكن لا تدل على أن هذا حقيقة الشيء, أو ذلك الشيء الذي رئي أنه على هذه الهيئة والكيفية؛ فلذلك يقال: لا يجوز أن يمثل الله تعالى بأنه على شكل كذا, وعلى صفة كذا وكذا, فإن ذلك تكييف، والله تعالى لا تبلغه الأوهام والظنون, ولا تكيفه الظنون, وهو أعلى من أن تصل إليه أو إلى معرفته الأفهام، وقد قال تعالى: وَلَا يُحِيطُونَ بِهِ عِلْمًا .
فإذا عرف المؤمن أن هذه الأحاديث لا أصل لها صار على صواب, وصار على الأحاديث الصحيحة, التي في إثبات صفة الله تعالى, وليس فيها شيء مما ينافي العقول, مثل أحاديث النزول: إن الله ينزل إلى السماء الدنيا كل ليلة حين يبقى ثلث الليل الآخر ومثل حديث النزول عشية عرفة إن الله ينزل عشية عرفة إلى السماء الدنيا، وأنه يباهي بعباده الملائكة نزول يليق به, ولم يتكلم العلماء في كيفية هذا النزول, ولم يقولوا: إنه يخلو منه العرش أو لا يخلو, ولا أنه تحصره السماء الدنيا أو لا, الله أعلم بكيفية ذلك, لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ والآن نقرأ من حيث وصلنا.

line-bottom