اللسان أمانة،استودعه الله عندنا وأمرنا بأن نستعمله في الذكر وفي العلم وفي التعليم وفي النصيحة وما أشبه ذلك، ولا نستعمله في غيبة ونميمة ولا في هجاء ولا في عيب وقذف وهمز ولمز وما أشبه ذلك. وهكذا بقية الجوارح أمانات داخلة في قول الله تعالى: (والذين هم لأماناتهم وعهدهم راعون) . إن المؤمن بربه يرضى بالقضاء والقدر، ويعلم أن ما أصابه لم يكن ليخطئه، ويعلم أن في الابتلاء والامتحان خيرا كثيرا وأجرا كبيرا، وأن المصائب والنكبات يخفف الله بها من الخطايا، فيستحضر قول النبي صلى الله عليه وسلم: "ما أصاب العبد المسلم من نصب ولا وصب ولا هم ولا حزن ولا أذى ولا غم، حتى الشوكة يشاكها، إلا كفر الله بها من خطاياه" متفق عليه إذا كان عقل المريض معه وفهمه وإدراكه فإن الأوامر والأحكام الشرعية تنطبق عليه، ويكلف بالصلاة والصوم والطهارة ونحوها بحسب القدرة، ويجوز مساعدته على الطهارة إن قدر على غسل أعضائه، فإن عجز عن استعمال الماء في أعضائه وشق غسلها عليه عدل إلى التيمم، فإن عجز فإن المرافق يقوم بذلك بأن يضرب التراب فيمسح وجهه وكفيه مع النية. تفكروا في آيات الله وكيف بسط الله عز وجل الأرض، وجعل فيها الجبال والوهاد والأودية، والمنخفضات والمرتفعات والرمال والأبطحة، والمعادن التي في جوفها والمياه، وما شابه ذلك.فلو أن الإنسان أخذ يتدبر في هذه المخلوقات وأخذ يكرر ذلك لحفظ وقته من الضياع، وازداد يقينا وقوي إيمانه، ولم تتطرق إلى عقله الشكوك والتخيلات الشيطانية. القلوب أوعية؛ منها ما يستوعب الخير، ومنها ما يستوعب الشر. وأفضل القلوب هي التي تمتلئ بالخير،تمتلئ بالعلم وتمتلئ بالدين والعبادة، تمتلئ بالعلم النافع والعقيدة السليمة، هذه هي القلوب الواعية، وهي أرجى القلوب لتحصيل الخير
شرح الوصية الكبرى لشيخ الإسلام ابن تيمية
56240 مشاهدة
رؤية الله تعالى في الدنيا المتحقق منها وغير المتحقق

...............................................................................


وعلى آله وصحبه أجمعين ذكر الشيخ في هذه الوصية كلاما على بعض الأحاديث المكذوبة, وبعض الأقوال المفتراة التي يروجها المتصوفة في حق أكابرهم ومريديهم, وما يسمونهم: أبدالا وأقطابا وأوتادا, ويعتقدون فيهم الولاية -كما يقولون- ويرفعونهم حتى يفضلونهم على أنبياء الله ورسله, ويدعون أنهم يأخذون من المعين الذي يأخذ منه الملك, ويحملهم .. على أن يعبدوه, ثم يتعلقون بهم في الحياة الدنيا, فلان رأى ربه, وأنه ممن أطلعه الله على ذاته, وأنه وأن الله نزل واطلع أو تبدى لفلان من الأولياء, وما أشبه ذلك, ويقصدون بذلك أن ينخدع بهم أتباعهم حتى يعتقدوا في ساداتهم وفي أوليائهم.
وإذا أردنا .. الشريعة وجدنا أن الله تعالى احتجب في هذه الدنيا عن العباد, ومنع موسى من أن يراه في قوله: لَنْ تَرَانِي وإذا كان موسى لم تحصل له الرؤيا في الدنيا, فكيف تحصل لهؤلاء الذين يدعون أنهم أولياء؟‍‍‍‍‍ والله أعلم بحقائقهم.
وأما مسألة الرؤية فذكر الشيخ الخلاف في أن النبي -صلى الله عليه وسلم- رأى ربه ليلة الإسراء, مع أن الراجح أنه ما رآه، وفي صحيح مسلم عن أبي ذر سألت النبي -صلى الله عليه وسلم- هل رأيت ربك؟ فقال: نور أنى أراه وفي حديث آخر: رأيت نورا وقد ورد أيضا في الحديث قوله -صلى الله عليه وسلم- إن الله لا ينام, ولا ينبغي له أن ينام, يخفض القسط ويرفعه, يرفع إليه عمل الليل قبل النهار, وعمل النهار قبل الليل, حجابه النور, لو كشفه لأحرقت سبحات وجهه ما انتهى إليه بصره من خلقه احتجب بهذا النور, ولو كشفه لأحرقت سبحات وجهه خلقه, فدل على أنه احتجب بنور, فلا يراه أحد إلا احترق.
لا شك أن هذا يفهم منه عظمة الله تعالى إلى هذا المقام، ويفهم منه أن المتصوفة الذين يدعون أن أولياءهم تكشف لهم الله, تكشف لهم, وتجلى لهم, وبرز لهم, ورأوه, يمدحونهم بذلك .. أنهم على ضلال؛ فلأجل ذلك ذكر الشيخ -رحمه الله- مسألة الرؤية لله, أما في الآخرة فإن الله تعالى يقوي عباده أهل الجنة, ويعطيهم من القوة ما يثبتون به أمام الرب تعالى إذا تجلى لهم, أمام تجلي الله تعالى لعباده, لا شك أن هذا أن أدلتهم واضحة، وأن الحكايات التي يروجونها كلها ليس لها أصل في الصحاح, ولو اشتهرت في مؤلفاتهم، وأن مبنى تلك المؤلفات على التخيلات ونحوها.
وأما رؤية الله في المنام فهذه قد تتصور, قد يتصور أن الله تعالى يرى في المنام, ولكن لا تدل على أن من رآه فإنه على تلك الصفة, وعلى تلك الكيفية, أي: لأن الله ليس كمثله شيء؛ ليس كمثله شىء, ولأنهم لا يحيطون به علما, ولكن المنام يتصور فيه صور وخيالات توهم أن هذا المرئي أنه هو الله, ونحو ذلك.
فذكر المعبرون في تفاسير الأحلام رؤية الله تعالى, ومنهم صاحب تعطير الأنام في تفسير الأحلام, أول شيء بدأ به الله تعالى في حرف الألف, وذكر من رأى أن الله رفعه, وأن الله تجلى له, وكذا وكذا, مما يدل على أن هذا شيء واقع, ولكن المتصوفة ما اقتصروا على رؤيا المنام, ورؤيا المنام قد وقعت حتى للنبي -صلى الله عليه وسلم- في الحديث الذي ذكره شيخ الإسلام في قوله: رأيت ربي في أحسن صورة وذكر أنه وضع يده على صدره, قال: حتى وجدت برد أنامله هذه رؤيا منامية, ولا تدل على تمثيل, ولا تدل على أن الله على تلك الكيفية. والآن نستمع إلى كلام شيخ الإسلام.