اشترط كثير من العلماء أن يكون التيمم بتراب له غبار يعلق باليد، ومنعوا التيمم بالرمل ونحوه مما لا غبار له، وألزموا المسافر أن يحمل معه التراب إذا سافر في أرض رملية، ولعل الصحيح جواز التيمم بالرمل؛ لعموم قوله صلى الله عليه وسلم: "جعلت لي الأرض مسجدا وطهورا" متفق عليه. الاعمى إذا أراد الصلاة فعليه أن يتحرى القبلة باللمس للحيطان إذا كان صاحب البيت، وإلا فعليه أن يسأل من حضر عنده، فإن لم يكن عنده من يسأله تحرى وصلى بالاجتهاد الغالب على ظنه، ولا إعادة عليه، كالبصير إذا اجتهد في السفر ثم تبين له خطأ اجتهاده فلا إعادة عليه. إذا عرف الصغير ربه، وعظم قدر ربه في قلبه، نشأ على طاعة الله تعالى، ونشأ على محبته، وأحب عبادة الله وعظمها في صغره، وسهلت عليه وداوم عليها في كبره، وكره المعصية ونفر منها، وكره كل ما نهى الله تعالى عنه؛ حيث أن آباءه يعلمونه الخير ويؤدبونه عليه تفكروا في آيات الله وكيف بسط الله عز وجل الأرض، وجعل فيها الجبال والوهاد والأودية، والمنخفضات والمرتفعات والرمال والأبطحة، والمعادن التي في جوفها والمياه، وما شابه ذلك.فلو أن الإنسان أخذ يتدبر في هذه المخلوقات وأخذ يكرر ذلك لحفظ وقته من الضياع، وازداد يقينا وقوي إيمانه، ولم تتطرق إلى عقله الشكوك والتخيلات الشيطانية. (يجب) على الوالد التسوية بين أولاده في العطية والتمليك المالي، (ويستحب) له التسوية في المحبة والرعاية، لكن إذا كان فيهم من هو معاق أو مريض أو صغير ونحوه فالعادة أن يكون أولى بالشفقة والرحمة والرقة. وقد سئل بعض العرب: من أحب أولادك إليك؟ فقال: الصغير حتى يكبر، والمريض حتى يبرأ، والغائب حتى يقدم.
الحلول الشرعية للخلافات والمشكلات الزوجية والأسرية
49542 مشاهدة
تقديم فضيلة الشيخ العلامة عبد الله بن عبد الرحمن الجبرين

(خلافات ومشكلات واقعية في كثير من البيوت)
الحمد لله الملك العلام، الذي شرع الشرائع وسَنَّ الأحكام وأوضح فيما شرعه وبين الحلال والحرام، وضمن دينه وشريعته كل ما فيه مصلحة للأنام، أحمده سبحانه وأشكره على جزيل الإنعام. وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، تعالى عن مشاركة الأوثان والأصنام، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله أفضل من صلى وصام وحج بيت الله الحرام، اللهم صلِّ وسلم على محمد وآله وصحبه البررة الكرام.
أما بعد:
فإن شريعة الله ودينه في غاية الكمال والتمام، فقد قال الله تعالى: الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلَامَ دِينًا [ المائدة: 13 ]. وقد أمر الله تعالى نبيه محمدًا -صلى الله عليه وسلم- بالبيان والإيضاح لما أنزل عليه فقال تعالى: وَأَنْزَلْنَا إِلَيْكَ الذِّكْرَ لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ مَا نُزِّلَ إِلَيْهِمْ [ النحل: 44 ].
ولقد امتثل -صلى الله عليه وسلم- هذا الأمر وشرح لأمته ما أمره الله تعالى به، وضرب الأمثلة وباشر الأعمال بنفسه حتى اتضح الحق واستبان وظهر أمر الله وعرف الناس كيف يعبدون ربهم، ولم يبق ما يشكل عليهم، فلا خير إلا دل الأمة عليه، ولا شر إلا حذرها منه.
وقد شهد له بذلك صحابته -رضي الله عنهم- وذكروا أنه توفي وما طائر يقلب جناحيه إلا ذكر لهم منه علمًا ففي الرجوع إلى هذه الشريعة يزول كل لبس وينحل كل إشكال ويعرف المسلم من قواعد الإسلام كيف يعالج ما يحصل من الخلافات والنزاعات التي قد تقع بين الأفراد والجماعات، وبمعالجتها تحصل الألفة وترسخ المحبة في القلوب ويصبح المسلمون إخوة في الدين كما ذكر الله تعالى ذلك بقوله: فَأَصْبَحْتُمْ بِنِعْمَتِهِ إِخْوَانًا [ آل عمران: 103 ].
وهذا أعظم ما يهدف إليه دين الإسلام الذي يحث أهله على التعارف والتآلف وإرساء المودة في القلوب؛ مما يحصل من آثاره التعاون على البر والتقوى والدعوة إلى الله تعالى بالحكمة والموعظة الحسنة، والمجادلة بالتي هي أحسن، والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وانتصار المسلمين، وإظهار دينهم على الدين كله ولو كره المشركون.
ثم إن الله أجرى العادة أن يوجد في المسلمين كغيرهم خلافات خاصة أو عامة لأسباب خفية أو جلية كما قال تعالى: وَلَا يَزَالُونَ مُخْتَلِفِينَ إِلَّا مَنْ رَحِمَ رَبُّكَ [ هود: 118، 119 ]. فهذه سنة الله في خلقه، ولأجل ذلك احتيج إلى نصب القضاة والأئمة وولاة الأمر لحل النزاعات وقطع الخلافات ورد المعتدي، والأخذ على يد الظالم وردعه عن التمادي في ظلمه، ورد الحق إلى مستحقه وبيان ما قد يشتبه على بعض الناس.
ثم إن الاعتماد في حل المشاكل على القواعد الشرعية والأدلة السمعية؛ حيث إنها تتضمن كل مصلحة للعباد والبلاد، وقد احتيج إلى نصب القضاة الذين فيهم الأهلية ومعهم الكفاءة والمعرفة ممن قرءوا وفهموا وتعلموا ونهلوا من معين كتاب الله وسنة النبي -صلى الله عليه وسلم- وعرفوا ما استنبطه العلماء المعترف بهم، وما جرى لمن سبق من القضايا والأحكام، فبالترافع إليهم تحل جميع الخلافات التي تجري في هذا المجتمع حيث يحكمون بالشرع الشريف ويقولون بالحق، ولا يكون معهم حيف ولا ميل ولا محاباة، فينصرف الخصمان متراضيين بالحكم، وبذلك تزول الإحن والبغضاء والعداوة، وتحل المودة والإخاء والتراضي، وتجتمع الكلمة ويصبح المسلمون يدًا واحدة متعاونين على البر والتقوى يقولون بالحق وبه يعملون.
وإن من جملة المشاكل والخلافات ما يحصل بين الزوجين من النزاع الذي يسبب التقاطع والتهاجر ويؤدي إلى الفراق والطلاق وضياع الحقوق وتشتت الأسر، ونحو ذلك مما يجري بكثرة هذه الأزمنة، وقد يكون سببه أمورًا دنيوية تافهة أو شروطًا غير لازمة أو طلبات ليست ضرورية أو نحو ذلك.
وقد جمع بعض الإخوان أسئلة تتعلق بالخلافات والمشاكل الزوجية والأسرية، وقد أجبت عليها حسبما ظهر لي في الوقت، حيث إن أغلبها متشابهة وواقعية، ولم أتمكن من البحث عن حلها في المراجع القديمة لعدم التصريح بأكثرها حسب ما وقع.

وقد رغب بعض التلاميذ طبعها ونشرها؛ رجاء أن تنحل كثير من المشاكل وتعود الأخوة والمحبة وتصلح الأحوال، وتستقيم الصحبة والعشرة الطيبة، مع اعترافي بالنقص والقصور وقلة التصور لتلك المشاكل، ولعل الأخوة من القضاة والحكام أن ينبهوا على ما فيها من خلل وخطأ يخالف ما عرفوه من واقع القضايا التي ترفع إليهم كثيرًا، فيكتب بعضهم ما يكون إيضًاحًا وجوابًا صحيحًا لما يقع بين الأسر والأصهار والأقارب حتى تصلح الأحوال، وتزول العداوة والبغضاء.
والله الهادي إلى سواء السبيل، وصلى الله على محمد وآله وصحبه وسلم.

عبد الله بن عبد الرحمن الجبرين