إن أهمية الوقت معلومة عند كل عاقل؛ ذلك أن وقت الإنسان هو رأسماله، وهو عمره أيامه ولياليه، فإذا ما ضاع رأس المال، ضاعت الأرباح، وإذا عرف الإنسان ذلك، حرص على أن يستغلها ويستفيد منها وألا يضيعها، ليكون بذلك رابحا (يجب) على الوالد التسوية بين أولاده في العطية والتمليك المالي، (ويستحب) له التسوية في المحبة والرعاية، لكن إذا كان فيهم من هو معاق أو مريض أو صغير ونحوه فالعادة أن يكون أولى بالشفقة والرحمة والرقة. وقد سئل بعض العرب: من أحب أولادك إليك؟ فقال: الصغير حتى يكبر، والمريض حتى يبرأ، والغائب حتى يقدم. اللسان أمانة،استودعه الله عندنا وأمرنا بأن نستعمله في الذكر وفي العلم وفي التعليم وفي النصيحة وما أشبه ذلك، ولا نستعمله في غيبة ونميمة ولا في هجاء ولا في عيب وقذف وهمز ولمز وما أشبه ذلك. وهكذا بقية الجوارح أمانات داخلة في قول الله تعالى: (والذين هم لأماناتهم وعهدهم راعون) . إذا كان عقل المريض معه وفهمه وإدراكه فإن الأوامر والأحكام الشرعية تنطبق عليه، ويكلف بالصلاة والصوم والطهارة ونحوها بحسب القدرة، ويجوز مساعدته على الطهارة إن قدر على غسل أعضائه، فإن عجز عن استعمال الماء في أعضائه وشق غسلها عليه عدل إلى التيمم، فإن عجز فإن المرافق يقوم بذلك بأن يضرب التراب فيمسح وجهه وكفيه مع النية. تعبير الرؤيا يرجع فيه إلى معرفة أشياء تختص بالرائي وما يتصل به، وكذا معرفة القرائن والأحوال، ومعرفة معاني الكلمات وما يتصل بها لغة وشرعا وما يعبر به عنها، وهذه الأمور ونحوها يختص بها بعض الناس لانشغالهم بمعرفتها وما يدور حولها، فعلى هذا لا يجوز لكل أحد أن يعبر الرؤى، فقد يفهم فهما بعيدا، وقد يأخذ التعبير من اللفظ لا من المعنى فيخطئ في ذلك.
شرح سلم الوصول وأبواب من كتاب التوحيد
88215 مشاهدة
إثبات البقاء والإرادة لله تعالى

باق فـــلا يفنـى ولا يبيــــد
ولا يكون غـير مــا يـريــــد
هذا أيضا من صفات الله تعالى أنه باقي فلا يفنى، هو الحي: وَتَوَكَّلْ عَلَى الْحَيِّ الَّذِي لَا يَمُوتُ يعني: أنه لا يفنى ولا يموت، والجن والإنس يموتون، ولا يبيد يعني: لا يفنى، باد الشيء يعني فني واضمحل أثره، الله تعالى باق فلا يفنى، وباق فلا يبيد.
..................................
ولا يكون غـير مــا يـريــــد
هذه من صفات الأفعال أنه يفعل ما يشاء ويحكم ما يريد، وأنه من خلقه: إنما يقول للشيء: كن فيكون، كل ما يريده فإنه يحصل، وما لا يريده فإنه لا يحصل، لا يكون غير ما يريد، ما شاء الله كان وما لم يشأ لم يكن. والإرادة هاهنا: هي الإرادة الكونية؛ لا يكون غير ما يريده كونا وقدرا.
منفــرد بـالـخـلـــق والإرادة
وحـاكــم جــل بـمــــا أراده
تفرد بالخلق: أَلَا لَهُ الْخَلْقُ وَالْأَمْرُ جميع المخلوقات فهو خالقها؛ خالق الخلق، وخالق أفعالهم، وخالق حركاتهم، وهو الذي يردهم إذا شاء، ويمدهم إذا شاء؛ فلذلك انفرد بالخلق، وانفرد بالإرادة. الإرادة هاهنا عامة للإرادة الكونية، وللإرادة الشرعية؛ ولهذا قال: وحاكم جل بما أراده، يعني: يحكم بما يريد في قوله تعالى: إِنَّ اللَّهَ يَحْكُمُ مَا يُرِيدُ ما أراده فإنه يحكم به دون أن يحتاج إلى من يعينه، أو لا يقدر أحد على أن يرد ما قدره وما شاءه، في الدعاء المشهور: ما شاء الله كان وما لم يشأ ونظم ذلك بعضهم بقوله:
فما شـئت كـان وإن لـم أشـــأ
وما شئت إن لم تـشـأ لـم يـكـــن
يعني: أن ما شاءه الله تعالى فلا بد أن يقع؛ أي: لأن مشيئته نافذة، ولأن حكمه نافذ؛ فهو حاكم بما أراده؛ بما أراده؛ قدره فإنه حاكم به.
فمـن يـشــأ وفـقـه بفضلــه
ومن يـشــأ أضـلـه بـعـدلــه
من شاء فإنه –سبحانه- يوفقه؛ من هداه الله تعالى فذلك فضل منه، فالعبد لا يهدي نفسه، ولكن الله تعالى يهدي من يشاء؛ ومن هداه الله، فإن لله عليه نعمة، أنعم عليه بهذه الهداية. وكذلك من أضله فإنه أضله بعدله، علم أن هؤلاء أهل ضلال، وليسوا أهل هداية فطردهم، وأبعدهم، وحكم في إبعادهم؛ لأنهم لا خير فيهم، وعلم أن هؤلاء الذين اهتدوا علم أنهم أهل للهداية فوفقهم، وثبتهم، وبصرهم، ودلهم على الخير، فهذه أسباب الهداية، هذه وغيرها مما يأتي كله مما يدل على تصرف الخالق -سبحانه وتعالى- بما يشاء. نتوقف عند هذا، ونواصل غدا إن شاء الله.
نقرأ في كتاب التوحيد ؛ نقرأ باب ما.