الإسلام خير الأديان نظافة وآدابا، ولم يترك رسول الله صلى الله عليه وسلم لأتباعه أمرا إلا بينه لهم، حتى آداب قضاء الحاجة وما يتعلق بها من التباعد عن النجاسات ونحو ذلك يجوز أن يعلم القبر بعلامات يعرف بها، فقد ثبت أنه صلى الله عليه و سلم لما دفن عثمان بن مظعون جعل عند قبره حجرا وقال: "أعرف به قبر أخي، وأدفن إليه من مات من أهلي". فيجوز أن يجعل علامة كحجر أو لبنة أو خشبة أو حديدة أو نحو ذلك، ليميز بها القبر عن غيره حتى يزوره ويعرفه.أما أن يكتب عليه فلا يجوز؛ لأنه قد نهي أن يكتب على القبور حتى ولو اسمه، وكذلك نهي أن يرفع رفعا زائدا عن غيره. إن أهمية الوقت معلومة عند كل عاقل؛ ذلك أن وقت الإنسان هو رأسماله، وهو عمره أيامه ولياليه، فإذا ما ضاع رأس المال، ضاعت الأرباح، وإذا عرف الإنسان ذلك، حرص على أن يستغلها ويستفيد منها وألا يضيعها، ليكون بذلك رابحا    جاء الشرع الشريف مرغبا في حسن المعاملة مع الأفراد والجماعات ؛ فحث على اختيار الرفقاء الصالحين ونفر من قرناء السوء، ورغب في زيارة الإخوان والأنس بهم، وأخبر بأن المؤمن الذي يخالط الناس ويصبر على أذاهم أفضل من صاحب العزلة؛ فإن الأول ينفع الناس ويرشدهم، ويتحمل ما ناله في ذات الله من إساءة وضرر. إن غسل أعضاء الوضوء في اليوم خمس مرات دليل على أن الإسلام جاء بما ينشط البدن وينظفه، كما جاء بما يطهر الروح ويزكيها. فهو دين الطهارة الحسية والمعنوية.
شرح سلم الوصول وأبواب من كتاب التوحيد
75196 مشاهدة
إثبات صفة البصر لله تعالى

بدأ بعد ذلك في صفات أخرى: صفة السمع، والبصر، والعلم:
وهو الـذي يـرى دبـيـب الــذر
في الظلمـات فـوق صم الصخــر
في هذا إثبات البصر، أنه -سبحانه وتعالى- وصف نفسه بأنه بصير، ويقول:
وسامـع للجـهـر والإخـفــات
بسمعــه الـواسـع للأصــوات
وصف نفسه أيضا بالسمع، البصر: إدراك المرئيات، المرئيات الشاخصة؛ إدراك ذلك يسمى إبصارا، والسمع: إدراك الأصوات وإدراك الحركات التي لها تأثير، فالله -سبحانه وتعالى- هو السميع البصير، أخبر عن بصره بأنه لا يخفى عليه شيء في الأرض ولا في السماء: إِنَّ اللَّهَ لَا يَخْفَى عَلَيْهِ شَيْءٌ فِي الْأَرْضِ وَلَا فِي السَّمَاءِ وأخبر بأنه يرى كل شيء، اقرأ قول الله تعالى: الَّذِي يَرَاكَ حِينَ تَقُومُ وَتَقَلُّبَكَ فِي السَّاجِدِينَ إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ يرى حركاتك، ويرى تنقلاتك، وكذلك قال تعالى: وَمَا تَكُونُ فِي شَأْنٍ وَمَا تَتْلُو مِنْهُ مِنْ قُرْآنٍ وَلَا تَعْمَلُونَ مِنْ عَمَلٍ إِلَّا كُنَّا عَلَيْكُمْ شُهُودًا إِذْ تُفِيضُونَ فِيهِ وَمَا يَعْزُبُ عَنْ رَبِّكَ مِنْ مِثْقَالِ ذَرَّةٍ فِي الْأَرْضِ وَلَا فِي السَّمَاءِ وَلَا أَصْغَرَ مِنْ ذَلِكَ وَلَا أَكْبَرَ إِلَّا فِي كِتَابٍ مُبِينٍ ؛ يعني يرى الذر ويعلم حركاتها، ويرى ما في جوفها، يرى ما كان خفيا، يرى الذرة حين تسير في ظلمة الليل، ويرى أيضا ما هو مثلها، أو أصغر منها.
في أبيات للزمخشري يقول فيها:
يا من يـرى مد البعوض جناحــه
في ظلمة الليـل البهيـم الأليــل
ويرى مناط عروقها فـي نحرهــا
والمخ في تـلك العظـام النحــل
امنن علـي بتوبة تمحــو بهــا
ما قد مضـى لي في الزمـان الأول
يعني أنه سبحانه وتعالى هو الذي خلق هذه المخلوقات، وهو الذي قدر لها الأقوات، فيسمع أصواتها، ويرى مكانها، ولو كانت صغيرة، الذر: صغار النمل، النمل الصغير، وهو أنواع الذر: منه ما هو كبير، ومنه ما هو متوسط، ومنه ما هو صغير، فالصغير جدا هو الذي يسمى بالذر، قال تعالى: فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْرًا يَرَهُ وَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ شَرًّا يَرَهُ فجعل أو مثل بالذر لأنهم يشاهدون أنه من أصغر المخلوقات، يرى دبيب الذر؛ يرى مواضع الوطء من أقدامها، كم تخطو من خطوات، والموضع الذي وقعت عليه قوائمها، ولو كان ذلك في الظلمات، ولو كانت على صخرة صماء؛ فإن ذلك لا يخفى عليه.
فائدة إيماننا بهذا مراقبته مراقبة الله تعالى؛ إذا علم العبد أنه دائما بمرأى، ومسمع من ربه فإنه يراقبه، أو يشاهده تعرفون تفسير الإحسان أن تعبد الله كأنك تراه فإن لم تكن تراه فإنه يراك الرتبة الأولى تسمى عين المشاهدة، والثانية تسمى عين المراقبة، أن تعبد الله كأنك تراه ماذا تسمى؟ عين المشاهدة، فإن لم تكن تراه فإنه يراك؛ هذه عين المراقبة، فمن علم بأن الله تعالى يراه فإنه يراقب الله فلا يقدم على ذنب، ولا يتجرأ على معصية، ولا على ترك طاعة؛ لأنه يعلم أن الله رقيب عليه، تذكرون قول الشاعر:
إذا ما خلوت الدهر يوما فلا تقـل
خلوت ولكـن قــل علـي رقـيـب
علي رقيب؛ الله تعالى يراقبك ويراك.
؛ ففائدة إيمانك برؤية الله تعالى أن تراقبه فلا تتجرأ على معصية، وأنت تعلم أنه يراك ولو كانت صغيرة، يقول بعض العلماء: لا تنظر إلى صغر الذنب؛ ولكن انظر إلى عظمة من عصيته، وهذه المراقبة تؤثر فيمن يؤمن بها دائما، ذكر ابن رجب في شرح خمسين حديثا من جوامع الكلم قال: راود رجلا أعرابية على نفسها في ظلمة الليل، وقال: ما يرانا إلا الكواكب، قالت: فأين مكوكبها؟ يعني الذي خلقها يرانا، كان ذلك سببا لارتداعه، وذكروا أن رجلا دخل على امرأة أو أدخلها في منزل وأرادها على نفسها، وقال لها: أغلقي الأبواب. فأغلقت الأبواب كلها، قال: هل بقي شيء من الأبواب؟ قالت: نعم الباب الذي بيننا وبين الله، فارتعد واقشعر جلده وخرج وتركها، فهكذا يكون أثر من يعلم بأن الله يراه.
جاء في حديث: أفضل العبادة أن تعلم أن الله يراك حيثما كنت ؛ يعني فإن هذا من الإيمان بالغيب، وقد أنكر الله تعالى على الذين لا يستحضرون عظمة الله تعالى ويعتقدون أنه لا يراهم ولا يسمعهم، في حديث عن عبد الله بن عمرو قال: اجتمع ثلاثة نفر في البيت الحرام في مكة في المسجد قليل فقه قلوبهم كثير شحم بطونهم، فقال بعضهم: أترون أن الله يرانا أو يسمعنا؟ فقال أحدهم: يسمعنا إذا جهرنا ولا يسمعنا إذا أخفينا، وقال الآخر: إن كان يسمعنا إذا جهرنا فهو يسمعنا إذا أخفينا، أنزل الله تعالى فيهم: وَمَا كُنْتُمْ تَسْتَتِرُونَ أَنْ يَشْهَدَ عَلَيْكُمْ سَمْعُكُمْ وَلَا أَبْصَارُكُمْ وَلَا جُلُودُكُمْ وَلَكِنْ ظَنَنْتُمْ أَنَّ اللَّهَ لَا يَعْلَمُ كَثِيرًا مِمَّا تَعْمَلُونَ وَذَلِكُمْ ظَنُّكُمُ الَّذِي ظَنَنْتُمْ بِرَبِّكُمْ أَرْدَاكُمْ .
فنعرف بذلك فائدة إيماننا بهذا، أن نؤمن بأن الله تعالى يرانا ويرى كل شيء، فإننا إذا آمنا بذلك لم نتجرأ على ذنب ولم نفعل أية معصية، كيف نفعلها وربنا يشاهدنا؟ كيف نفعلها وقد نهانا الله عنها؟ كيف نفعلها وقد توعد الله عليها بالعقاب؟
فنقول: الذين يتجرءون على المعصية يستخفون برؤية الله تعالى، والذين يتحاشون من المعاصي يستحضرون رؤية الله تعالى، كما ذكر أن فلانا سمي في بعض الروايات الذي كان قد عشق معشوقته، وأخذ يشبب بها، وأخذ يتمنى لقاءها، سأله رجل فقال: لو خلوت بها في مكان لا يراكما إلا الله تعالى ماذا تفعل معها؟ فقال: لا أجعل ربي أهون الناظرين، يعني لا أتهاون بنظر الله تعالى، فهكذا يكون العارف بالله تعالى.