شرح سلم الوصول وأبواب من كتاب التوحيد
إثبات رؤية الله تعالى
بعد ذلك تكلم على الرؤية:
وأنــه يـــرى بلا إنكــار | فـي جنـة الفردوس بالأبصار |
كـل يـراه رؤيـــة العيـان | كمـا أتـى في محكم القـرآن |
وفـي حـديث ســـيد الأنـام | من غـير ما شك ولا إيهــام |
رؤيــة حـق ليس يمترونهـا | كالشمس صحوا لا سحاب دونها |
وخـص بالرؤيــة أوليــاؤه | فضيلـة وحجــبوا أعــداؤه |
أثبتوها كأنهم لم يقدروا على أن يردوا على السلف ومنهم الإمام الشافعي اسم> رحمه الله كثير من الأشاعرة على المذهب الشافعي، وقد اشتهر عن الشافعي اسم> رحمه الله أنه أثبت رؤية الله، واستدل بقوله تعالى: رسم>
![](/images/b2.gif)
![](/images/b1.gif)
ولكن لم يثبتوا رؤية حقيقية، وإنما أثبتوها وهمية، قالوا: إنها بمعنى المكاشفات، يعني أنها رؤية قلبية بحيث أنه يكشف لقلبه فيتلذذ بتلك المكاشفات، وأما الرؤية البصرية عيانا فإنها لا تثبت؛ لأنهم ينفون أن يكون الله تعالى فوق العباد، وينفون أن يكون الله تعالى في جهة العلو، أو يكون الله مستويا على العرش كما يشاء، ويحرفون ما جاء من الآيات التي في إثبات العلو، ويحملونها على أن العلو علو القدر، أو علو القهر والغلبة، ويحملون الاستواء على أنه الاستيلاء، ويستدلون ببيت ينسبونه إلى الأخطل اسم> .
قد اسـتوى بشـر اسم> على العراق اسم> | من غير سـيف أو دم مهـراق |
أما المعتزلة فأنكروها إنكارا كليا، ولا يبالون أن يخالفوا الإمام الشافعي اسم> أو الإمام أحمد اسم> أو غيرهم من الأئمة؛ لأنهم أنكروا جميع الصفات.
أما أهل السنة والجماعة فقد أثبتوا هذه الرؤية، وجعلوها ميزة وفضيلة، فضيلة وكرامة لأولياء الله -سبحانه وتعالى- وقد تكاثرت الأدلة على إثباتها.
تكلم عليها ابن القيم اسم> رحمه الله في كتابه حادي الأرواح إلى بلاد الأفراح الذي تكلم فيه عن الجنة، وتكلم عليها أيضا في كثير من كتبه، وتكلم عليها أيضا الشارح – المؤلف - في شرحه أورد الآيات، وأورد الأحاديث أخذا مما ذكره ابن القيم اسم> في حادي الأرواح وغيره.
المعتزلة يكررون دلالة الاستدلال بآيتين:
الآية الأولى في سورة الأنعام: رسم>
![](/images/b2.gif)
![](/images/b1.gif)
والآية الثانية في سورة الأعراف، وهي قوله لموسى اسم> رسم>
![](/images/b2.gif)
![](/images/b1.gif)
![](/images/b2.gif)
![](/images/b1.gif)
![](/images/b2.gif)
![](/images/b1.gif)
![](/images/b2.gif)
![](/images/b1.gif)
![](/images/b2.gif)
![](/images/b1.gif)
لا شك أن هذا دليل على أن الرؤية شيء غير الإدراك، فسروا الإدراك بأنه الإحاطة، أي لا تحيطوا به؛ فيكون المعنى إذا رأته الأبصار فإنها لا تحيط به، ولا تدرك ماهيته ولا تدرك كنهه، وسئل ابن عباس اسم> عن هذه الآية؛ فقال: ألست ترى القمر؟ فقالوا: بلى . قال: أكله؟ -يعني أتراه كله؟- قال: لا. قال: فذلك الإدراك.
النبي -صلى الله عليه وسلم- مثل بالقمر في حديث جرير اسم> قال: رسم>
![](/images/b2.gif)
![](/images/b1.gif)
![](/images/b2.gif)
![](/images/b1.gif)
نحن نرى القمر ولكن هل ندري ما ماهيته؟ ما ماهيته التي هو منها؟، هل هو من تراب؟ هل هو من حجارة؟ هل هو من زجاج؟ هل هو من حديد؟ لا ندري، فهذا هو الإدراك، يعني عدم علمنا بماهية القمر، فالإدراك شيء زائد على الرؤية.
فمعنى الآية أن الله تعالى أثبت أو أنه - سبحانه وتعالى- تمدح بأنه لا تدركه الأبصار، وهذا على وجه التمدح، يقول ابن القيم اسم> إن الآية سيقت على وجه التمدح، والتمدح لا يكون بنفي، لا يمدح الشيء بالنفي، فإنه يشبه المعدوم، المعدوم ليس بشيء ولا يرى.
فهل يمدح المعدوم؟ إذا قيل: إنه لا يرى، ليس بشيء حتى يمدح بأنه لا يرى، فالله – سبحانه وتعالى - مدح نفسه، والمدح لا يكون إلا بالصفات الثبوتية، لا يكون بالصفات السلبية؛ فدل على أنه أراد بذلك، أنه لعظمته وجلاله وكبريائه إذا رأته الأبصار في يوم القيامة، أو رأته في الجنة، فإنه لعظمته لا تحيط به هذه الأبصار، كما أنهم إذا رأوا السماء فلا يحيطون بها لا يرونها من كل جهاتها، وإنما يرون ما يقابلهم منها.
فكذلك إذا تبدى لهم الرب – تعالى - في الجنة إنما يرون منه ما يبدو لهم، أو ما أبرز لهم كما يشاء؛ فبذلك يثبت أن الآية دليل على إثبات الرؤية لا على نفيها، وذلك لأنها سيقت للتمدح، هكذا استدلوا بها.
يقول شيخ الإسلام رحمه الله: أنا ألتزم أن كل من استدل بحق على باطله؛ أن أرد باطله من ذلك الدليل، فهذه الآية يستدلون بها على باطلهم، ففيها رد لباطلهم، ترد على باطلهم؛ لأن الآية حق.
استدل بها كبير أو رئيس المعتزلة قديما القاضي عبد الجبار اسم> في كتابه الذي سماه متشابه القرآن والذي طبع في مجلدين بتحقيق عدنان محمد زرزور اسم> يظهر أن زرزور اسم> هذا أنه على عقيدة المعتزلة؛ ففي تحقيقه لهذا الكتاب أيده وقرره مع أن عبد الجبار اسم> تسلط على آيات الصفات، وأولها وحرفها تحريفا بليغا، ثم إن زرزور اسم> أيضا ألف له رسالة وسماها متشابه القرآن هكذا ومشى فيها على ما مشى عليه عبد الجبار اسم> ؛ ولكنه اختصر، واقتصر على بعض الآيات التي ذكرها عبد الجبار اسم> ؛ فيدل على أنه على مثل هذا المعتقد، هو استدل بهذه الآية.
واستدل بها أيضا مفتي الإباضية الحالي الذي يسمى أحمد الخليلي اسم> في كتابه الذي ذكرنا، والذي سماه الحق الدامغ؛ وذلك أنه فسر الإدراك باللحوق: رسم>
![](/images/b2.gif)
![](/images/b1.gif)
الأولى: نفي الرؤية تسلط على الآيات، وبالغ في ردها، وكذلك الأحاديث، الأحاديث صريحة؛ ولكن يقول: إنها متناقضة فلا نقبلها، ولو كانت في الصحيحين.
ثم المسألة الثانية: خلق القرآن.
والمسألة الثالثة: إنكار قدرة الله على أفعال العباد.
ثم هناك في قطر اسم> شيخ يظهر أنه -إن شاء الله- من أهل السنة عبد الرحيم الطحان اسم> ألقى محاضرة في إثبات الرؤية، وذكر أدلتها، ووضح تلك الأدلة، وكان إذا تكلم في موضوع وفاه حقه، انتشرت هذه المحاضرة في أشرطة، ووصلت إلى عمان اسم> فكبرت على هذا المفتي الذي هو الخليلي اسم> وصعبت عليه صراحتها؛ فألقى محاضرة في الرد عليها، وتأول الآيات وتأول الأحاديث في تلك المحاضرة، ثم إنه فرغها في كتيب، وسماه وسقط القناع ، طبع هذا الكتيب حوله، يريد بذلك ألا تنتشر هذه المقالة فيما بينهم؛ لأن عندهم هناك من تأثروا بمعتقد أهل السنة؛ حيث قرءوا كثيرا من كتب أهل السنة؛ فتركوا معتقد الإباضية، الذي هو معتقد أشعري؛ فخاف أنه يفشو ذلك المعتقد عندهم ويبطل اعتقادهم؛ فرد بهذا الرد، ولكنه رد ضعيف.
فالحاصل أن هذا دليل على أن لكل قوم وارث، وأنهم لا يزالون يكتبون في خلاف السنة، ورأيت قبل ثلاثين سنة أو نحوها رسالة نوقشت في الماجستير، وأعطيت درجة امتياز، ألفتها امرأة من أهل تلك البلاد في نفي الرؤية، كلها رسالة كاملة في نفي الرؤية، حرفت الآيات والأدلة وتكلمت عليها بكلام قوي في ردها وناقشها أمثال هؤلاء المعتزلة وقبلوها، ومع ذلك أدلتها متهافتة.
والحاصل أن هذا دليل على أن هذا المعتقد متمكن، يعني معتقد الأشعرية، ومعتقد الرافضة.
فالأشعرية يثبتون رؤية ليست حقيقية وهي مكاشفات، والمعتزلة، والإباضية، والرافضة على معتقد المعتزلة ينفون الرؤية نفيا كليا، ويسلطون على أدلتها التأويلات البعيدة، أو الرد لها ردا كليا.
فمن أدلة أهل السنة هذه الآية؛ لأنها تمدح، أخبر الله تعالى بأنه لعظمته، إذا رأته الأبصار؛ فإنها لا تحيط به، ومن أدلتهم أيضا آية الأعراف، قول الله تعالى عن موسى اسم> رسم>
![](/images/b2.gif)
![](/images/b1.gif)
![](/images/b2.gif)
![](/images/b1.gif)
فأولا: أن موسى اسم> نبي الله وكليمه ورسوله، يسأل الرؤية فيقول: رسم>
![](/images/b2.gif)
![](/images/b1.gif)
كيف تُجَهِّلون موسى اسم> وتقولون: إنه لا يدري ما يجب لله، وما لا يجوز عليه؟ لا شك أن هذا طعن فيه.
كذلك أن الله تعالى ما عاتب موسى اسم> ولا وبخه ولا أنكر عليه، عاتب الله نوحا اسم> لما قال: رسم>
![](/images/b2.gif)
![](/images/b1.gif)
![](/images/b2.gif)
![](/images/b1.gif)
![](/images/b2.gif)
![](/images/b1.gif)
![](/images/b2.gif)
![](/images/b1.gif)
![](/images/b2.gif)
![](/images/b1.gif)
ثم قال: رسم>
![](/images/b2.gif)
![](/images/b1.gif)
الخليلي اسم> في كتابه: الحق الدامغ، لما ذكر اختصار كلام ابن القيم اسم> ورأى أنه بليغ، ذهب إلى شبهة أخرى فقال: إنه ما قال ذلك ما قال: رسم>
![](/images/b2.gif)
![](/images/b1.gif)
![](/images/b2.gif)
![](/images/b1.gif)
![](/images/b2.gif)
![](/images/b1.gif)
وهذا عجب، قول بعيد، فموسى اسم> عندما سأل الرؤية كان بعيدا عن قومه، قد كلمه الله تعالى على الطور اسم> يقول تعالى: رسم>
![](/images/b2.gif)
![](/images/b1.gif)
![](/images/b2.gif)
![](/images/b1.gif)
![](/images/b2.gif)
![](/images/b1.gif)
![](/images/b2.gif)
![](/images/b1.gif)
![](/images/b2.gif)
![](/images/b1.gif)
الأدلة كثيرة، منها وأصرحها قوله – تعالى - رسم>
![](/images/b2.gif)
![](/images/b1.gif)
![](/images/b2.gif)
![](/images/b1.gif)
![](/images/b2.gif)
![](/images/b1.gif)
ومن الأدلة استدلال الشافعي اسم> -كما ذكرنا- رسم>
![](/images/b2.gif)
![](/images/b1.gif)
ومن الأدلة تفسير الزيادة في قول الله – تعالى - رسم>
![](/images/b2.gif)
![](/images/b1.gif)
واستدل أيضا بقوله -تعالى- رسم>
![](/images/b2.gif)
![](/images/b1.gif)
وأما الأحاديث فسرد ابن القيم اسم> نحو ثلاثين حديثا، عن ثلاثين من الصحابة، منها أحاديث في الصحيحين، وأحاديث في أحد الصحيحين، وبعضها خارج الصحيحين، وبعضها فيه ضعف شديد؛ ولكنه يتقوى بغيره، لما ذكر حديث جرير اسم> الذي في الصحيحين: رسم>
![](/images/b2.gif)
![](/images/b1.gif)
أنهم كل من أثبت الصفات، يسميهم حشوية، فمعناه أن السلف كلهم الذين أقروا هذا الحديث، أنهم حشوية، واشتهر بينهم - المعتزلة ونحوهم - لا يقبلونه لأنهم يقولون: إنه خبر آحاد، يعني ما رواه إلا جرير اسم> وما رواه عن جرير اسم> إلا قيس اسم> ولكن إذا كان ثابتا في الصحيحين، تلقته الأمة بالقبول؛ فلا إنكار عليه، وهم لا يحتجون بأخبار الآحاد، وصنف واحد من الإباضية كتابا سماه: السيف الحاد على من يحتج بأخبار الآحاد، وطبع الكتاب هناك، ووزع سرا في الحرم المكي اسم> قبل عشر سنين، واشتهر هذا الكتاب، ورد عليه بعض التلاميذ ردا بليغا، ولكن مؤلفه غضب من ذلك الرد، ورد على الرد في مجلدين- ويمكن أنه يزيد- وكلامه هراء، وكلام لا حقيقة له، وهكذا يكون كلام أهل الباطل.
يقول: كل يراه رؤية العيان - يعني أهل الجنة - ولعله يريد رؤيتهم له إذا نزل يوم القيامة للفصل، أن كلهم يراه رؤية العيان:
كل يـراه رؤيـــة العيــان | كمـا أتـى في محكم القـرآن |
وفـي حـديث ســيد الأنــام | من غير ما شـك ولا إيهــام |
رؤيــة حـق ليس يمترونهـا | كالشمس صحوا لا سحاب دونها |
![](/images/b2.gif)
![](/images/b1.gif)
يقول:
وخـص بالرؤيــة أوليــاؤه | فضيلـة وحجــبوا أعــداؤه |
مسألة>