الدين الذي في ذمة من هو قادر على الوفاء يزكى؛ لأنه بمنزلة الأمانة عنده، ويقدر صاحبه أن يأخذه ويتحصل عليه متى طلبه، وأما الدين الذي عند معسر أو مماطل ولو كان غنيا، فإن صاحبه لا يقدر على الحصول عليه، ولو طالبه قد يدعي الإعسار والفقر، فمثل هذا المال كالمعدوم، فلا زكاة عليه إلا إذا قبضه شريعة الإسلام شريعة واسعة كاملة، اشتملت على كل ما تمس إليه حاجة البشر، حاجة الذكور والإناث في الدنيا وفي الآخرة، فذكر الله تعالى نساء الدنيا وجعل لهن أحكاما، وذكر النساء في الآخرة وذكر ثوابهن كثواب الرجال المؤمنين، وفي هذا تمام العدل والحكمة إن المؤمن بربه يرضى بالقضاء والقدر، ويعلم أن ما أصابه لم يكن ليخطئه، ويعلم أن في الابتلاء والامتحان خيرا كثيرا وأجرا كبيرا، وأن المصائب والنكبات يخفف الله بها من الخطايا، فيستحضر قول النبي صلى الله عليه وسلم: "ما أصاب العبد المسلم من نصب ولا وصب ولا هم ولا حزن ولا أذى ولا غم، حتى الشوكة يشاكها، إلا كفر الله بها من خطاياه" متفق عليه يجوز أن يعلم القبر بعلامات يعرف بها، فقد ثبت أنه صلى الله عليه و سلم لما دفن عثمان بن مظعون جعل عند قبره حجرا وقال: "أعرف به قبر أخي، وأدفن إليه من مات من أهلي". فيجوز أن يجعل علامة كحجر أو لبنة أو خشبة أو حديدة أو نحو ذلك، ليميز بها القبر عن غيره حتى يزوره ويعرفه.أما أن يكتب عليه فلا يجوز؛ لأنه قد نهي أن يكتب على القبور حتى ولو اسمه، وكذلك نهي أن يرفع رفعا زائدا عن غيره.    جاء الشرع الشريف مرغبا في حسن المعاملة مع الأفراد والجماعات ؛ فحث على اختيار الرفقاء الصالحين ونفر من قرناء السوء، ورغب في زيارة الإخوان والأنس بهم، وأخبر بأن المؤمن الذي يخالط الناس ويصبر على أذاهم أفضل من صاحب العزلة؛ فإن الأول ينفع الناس ويرشدهم، ويتحمل ما ناله في ذات الله من إساءة وضرر.
شرح سلم الوصول وأبواب من كتاب التوحيد
77875 مشاهدة
جزاء من يصدق الرسل

فمن يصدقهــم بــلا شـقـاق
فقد وفـــى بـذلك الميثــــاق
أي من صدق الرسل بلا شقاق؛ يعني بلا مجادلة، ولا منازعة بل يتقبل ما جاءوا به، ويصدقهم في كل ما أتوا به، ولا يأخذ بعضا دون بعض؛ فإن من فعل ذلك اعتبر مشاقا لله ولرسوله كما قال الله تعالى: وَمَنْ يُشَاقِّ اللَّهَ فَإِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ وَمَنْ يُشَاقِقِ الرَّسُولَ مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُ الْهُدَى ؛ فكل ذلك من المشاقة التي هي: المنازعة، والمخاصمة، وعدم التقبل، أما إذا صدقهم دون أن يرد شيئا مما جاءوا به فقد وفى بذلك الميثاق، الميثاق الذي أُخذ عليه في عالم الذر، في قوله: وَإِذْ أَخَذَ رَبُّكَ مِنْ بَنِي آدَمَ مِنْ ظُهُورِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ .
وذاك ناج من عــذاب النـــار
وذلك الوارث عقبـــى الــــدار
يعني هذا الذي ذكره وصدق الرسل، ووفى بذلك العهد، هذا هو الذي ينجو من عذاب النار؛ لأن الله -تعالى- خلق جنة ونارا فمن أطاعه دخل الجنة، ومن عصاه دخل النار، فالذين يطيعون الله -تعالى- ويتبعون ما جاء به هؤلاء هم أولياء الله، ولهم الثواب العظيم، وهو يدخلهم الجنة، وينجيهم من عذاب النار، ويجعلهم الوارثين في قوله تعالى: أُولَئِكَ هُمُ الْوَارِثُونَ الَّذِينَ يَرِثُونَ الْفِرْدَوْسَ وفي قوله تعالى: أُولَئِكَ لَهُمْ عُقْبَى الدَّارِ يعني العاقبة الحسنة في الدار الآخرة.