إن المسلم الملتزم بدين الله ، والذي سار على صراط الله المستقيم ، سيجد دعاة الضلال والانحراف؛ وهم واقفون على جانبي الطريق، فإن أنصت لهم والتفت إليهم عاقوه عن السير، وفاته شيء كثير من الأعمال الصالحة. أما إذا لم يلتفت إليهم؛ بل وجه وجهته إلى الله فهنيئا له الوصول إلى صراط ربه المستقيم الذي لا اعوجاج فيه ولا انحراف الإسلام خير الأديان نظافة وآدابا، ولم يترك رسول الله صلى الله عليه وسلم لأتباعه أمرا إلا بينه لهم، حتى آداب قضاء الحاجة وما يتعلق بها من التباعد عن النجاسات ونحو ذلك تفكروا في آيات الله وكيف بسط الله عز وجل الأرض، وجعل فيها الجبال والوهاد والأودية، والمنخفضات والمرتفعات والرمال والأبطحة، والمعادن التي في جوفها والمياه، وما شابه ذلك.فلو أن الإنسان أخذ يتدبر في هذه المخلوقات وأخذ يكرر ذلك لحفظ وقته من الضياع، وازداد يقينا وقوي إيمانه، ولم تتطرق إلى عقله الشكوك والتخيلات الشيطانية. لا بأس أن يكتب المسلم اسمه في طرة المصحف (جانبه) مخافة اشتباه مصحفه بغيره، فقد لا يناسبه إلا مصحفه المخصص له، ولا بأس أن يكتب بعض الفوائد على الهوامش كتفسير كلمة أو سبب نزول أو ما أشبه ذلك. شرع الله تطهير هذه الأعضاء وغسلها وتنظيفها عند القيام إلى الصلاة أو عند وجود حدث؛ حتى يصير المصلي نظيف البدن، وحتى يحصل له النشاط والقوة، وحتى يقبل على الصلاة بصدق ومحبة ورغبة
شرح سلم الوصول وأبواب من كتاب التوحيد
78556 مشاهدة
حكم الساحر وحدُّه

واحكم علـى الســاحر بـالتكفير
................................
لا شك أن الساحر مشرك؛ وذلك لأنه يدعو الشياطين، ويتقرب إليهم، ويذبح لهم، ويدعوهم من دون الله، ويترك لهم الطاعات، ويفعل لهم المحرمات، وكذلك يتقرب إليهم بما يريدون، وإذا كان كذلك حكم عليه بأنه كافر؛ فلذلك كفرهم الله؛ قال الله تعالى: وَمَا كَفَرَ سُلَيْمَانُ وَلَكِنَّ الشَّيَاطِينَ كَفَرُوا يُعَلِّمُونَ النَّاسَ السِّحْرَ ؛ فدل على أن السحر من الشياطين، وأن الشياطين كفروا بهذا الفعل.
ومن الأدلة أيضا في هذه الآية قوله تعالى: وَمَا يُعَلِّمَانِ مِنْ أَحَدٍ حَتَّى يَقُولَا إِنَّمَا نَحْنُ فِتْنَةٌ فَلَا تَكْفُرْ ؛ فيدل على أن من تعلمه فإنه يكفر. ومن الأدلة قوله في هذه الآية: وَلَقَدْ عَلِمُوا لَمَنِ اشْتَرَاهُ مَا لَهُ فِي الْآخِرَةِ مِنْ خَلَاقٍ اشْتَرَاهُ يعني: أخذه، سماه شراء؛ وذلك أن الساحر باع إيمانه، باع دينه، باع عقيدته، باع توحيده واشترى به هذا العمل الشيطاني؛ فلذلك سماه شراء: لَمَنِ اشْتَرَاهُ يعني: لمن تعلمه، مَا لَهُ فِي الْآخِرَةِ مِنْ خَلَاقٍ أي: ما له عند الله حظ ولا نصيب بل يكون محروما من الحظ الأوفر الذي وعد الله -تعالى- به المؤمنين.
وقد وصف الله -تعالى- اليهود بذلك، نزل فيهم قول الله تعالى: أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ أُوتُوا نَصِيبًا مِنَ الْكِتَابِ يُؤْمِنُونَ بِالْجِبْتِ وَالطَّاغُوتِ فُسر الجبت بأنه السحر، والطاغوت بأنه الشيطان، فيؤمنون بالسحر يعني: يتعلمونه بواسطة الطاغوت الذي هو الشيطان، وعابهم الله -تعالى- بذلك في هذه الآية، قال في حقهم: أُولَئِكَ الَّذِينَ لَعَنَهُمُ اللَّهُ وَمَنْ يَلْعَنِ اللَّهُ فَلَنْ تَجِدَ لَهُ نَصِيرًا فهذا وعيد شديد لهم بسبب ما ذكر أنهم يؤمنون بالجبت والطاغوت يعني: يتعلمون السحر بواسطة الطاغوت الذي هو الشيطان؛ فهذا دليل على أن من فعل ذلك فهو مستحق لللعن: أُولَئِكَ الَّذِينَ لَعَنَهُمُ اللَّهُ فإذا كان الساحر يعبد الشياطين ويتقرب إليهم حكمنا بأنه مشرك وأنه كافر.

واحكم علـى الســاحر بـالتكفير
وحـده القتـــل بلا نكيــــر
كما أتـى في السـنة المصرحـة
مما رواه الـترمــذي وصححـه
عن جنـدب وهكـذا فـي أثــر
أمـر بقتلهـم روى عــن عمـر
وصح عـن حفصة عنـد مـالك
ما فيـه أقـوى مرشـد للسـالك
هذا الكلام دليل على أن حد الساحر القتل، روى الترمذي وغيره عن جندب الخير أنه دخل مرة على بعض أمراء بني أمية، وعنده جمع وإذا هناك ساحر، وهذا الساحر يعمد إلى رجل فيأخذ رأسه فينقطع الرأس، وهم ينظرون ثم يعيد الرأس في مكانه وهم ينظرون، فيتعجبون ويقولون: يحيي الموتى، يحيي الأموات، فعمد في اليوم الثاني جندب -رضي الله عنه- وأخفى معه السيف، واستعاذ بالله من شره وأتى إلى الساحر، فلما حاذاه شهر سيفه وضرب ذلك الساحر فقطع رأسه، وقال له: أحي نفسك إن كنت صادقا، ثم قال: حد الساحر ضربة بالسيف روي هذا الكلام مرفوعا إلى النبي -صلى الله عليه وسلم- وروي أيضا وهو الثابت أنه من قول جندب و جندب صحابي، ولا يمكن أن يتجرأ على قتل ذلك الساحر بدون دليل، ولا يمكن أيضا أن يقول هذه المقالة إلا وعنده علم: حد الساحر ضربة بالسيف ؛ فدل على أن هذا حده، أن حده القتل؛ فعله هذا وهو كونه يقتل الإنسان: يقطع رأسه ثم يرده يسمى هذا شعوذة أو شعبذة يعني: أنه يخيل إلى الناظرين؛ وذلك لأن شياطينه التي تخدمه تمثل هذا الشيء؛ تتمثل أمام الناظرين بصورة إنسان ويقطع رأس ذلك الإنسان ثم يرد.
ومنه أيضا: ما يحكى عن كثير من السحرة في هذه الأزمنة مما يسمى خيالا، ينشر في بعض الصحف أن هناك مجتمع وفيه رجل يقود السيارة أو يجر السيارة بأسنانه أو يجرها بشعرة، يعلق فيها شعرة ثم يجرها، أو تطأ السيارة على ذراعه ولا تؤثر فيه، نشر هذا كثيرا. لا شك أن هذا من الشعبذة، يعني: يخيل إلى الناظرين أنه هو الإنسان الذي يفعل ذلك وإنما تفعله الشياطين، فإذا ثبت عن مثل هذا؛ هذا الفعل فإنه يعتبر ساحرا يدخل في هذا الفعل.
كذلك أيضا من شعبذتهم: توصلهم إلى أخذ المال على شبه الخلسة، فيقع لهم أمثلة كثيرة؛ فمن ذلك: ما ذكر أن أحد الإخوة كان معه نقود في جيبه، فجاء إليه أو قابله أحد السحرة، ووضع يده عليه، وقال: أنت فلان، فقال: لست بفلان، بل أنت هو، وهو لا يعرفه، وخيل إليه أو موه على عينيه ثم تركه، يقول: فلما نظرت في جيبي وإذا هو قد أخذ النقود التي في جيبي؛ هذا دليل على أنهم يخيلون على الأعين ويلبسون عليها؛ حتى لا يتفطن ذلك المخدوع.
كذلك ذكر لنا أحد الإخوة أنه كان يسير في طريق في الرياض وكان في جنبه يعني: نقود في باغة فرآها ذلك الساحر، فلما قرب منه وحاذاه خيل إليه فأغمي عليه، فاعتمد على سيارة واقفة، يقول: فبعد خمس دقائق أو ثلاث دقائق أفاق، وإذا النقود قد سحبت منه؛ فهذا من التخيلات، يعني: أنهم يستخدمون الشيطان إلى أن يلبس ويخدع ذلك الإنسان.
لا شك أن هذا كله من استخدامهم للشياطين، والحكايات عنهم كثيرة في نحو هذا، فإذا عرف أنه كافر فحده القتل؛ يقول:
........ كــذاك فــي أثــر
أمـر بقتلهـم روي عـن عمــر
في صحيح البخاري عن بجالة بن عبدة أن عمر -رضي الله عنه- كتب إليهم، وكانوا في بلاد الفرس - في العراق ونحوها- أن اقتلوا كل ساحر وساحرة ، قال بجالة فقتلنا ثلاث سواحر يعني: بأمر عمر -رضي الله عنه- .
هذا دليل على أن عمر حكم عليهم بالكفر واستحقاق القتل:
وصـح عـن حفصة عند مـالك
مـا فيـه أقـوى مرشـد للسـالك
حفصة هي بنت عمر -رضي الله عنه- أم المؤمنين، كان لها أمة يعني: مملوكة تخدمها ثم إنها دبرتها، قالت: إذا مت فأنت حرة، ثم إن تلك الجارية استبطأت موت حفصة فعملت لها سحرا، تريد أن تموت؛ حتى تتحرر وتعتق، فظهر ذلك منها، وعرفت ذلك حفصة فعند ذلك أمرت بقتلها؛ فقتلت، فهؤلاء ثلاثة: جندب وعمر وحفصة ؛ ثلاثة من الصحابة.
كذلك أيضا عائشة -رضي الله عنها- كانت قد دبرت جارية: إذا مت فأنت حرة، ثم إن تلك الجارية سحرتها أيضا، عملت لها سحرا؛ لعائشة فعالجت عائشة وفطنت واعترفت تلك الجارية، ولكنها لم تقتلها، ولكن باعتها؛ قالت: بيعوها على أشد الناس ملكة؛ يعني: أصعبهم استخداما جزاء لها.