شرح سلم الوصول وأبواب من كتاب التوحيد
إثبات العلو لله تعالى
تكلم بعد ذلك على العلو:
علــو قـهــر وعـلـو شــان | جـل عــن الأضــداد والأعــوان |
وكذلك علو الشأن، له علو القهر وعلو القدر، وعلو الذات، علو الشأن: هو علو القدر، موصوفا به الرب تعالى؛ علو الشأن. وهذا أيضا قد يوصف به المخلوق كما في قول فرعون اسم> رسم> أَنَا رَبُّكُمُ الْأَعْلَى قرآن> رسم> يعني: علو شأن وعلو قدر يعني: أنا أعلى قدرا من هؤلاء؛ من موسى اسم> ومن معه، يقول ذلك ليرفع نفسه.
معلوم أن الأشياء تتفاوت في قدرها؛ فأنت تقول: الذهب أعلى من الفضة، وتقول: الجواهر بعضها أعلى من بعض، ومعلوم أنها تتفاوت تفاوتا عظيما، فالرب تعالى له علو القدر، فلا نسبة بين الرب وبين هذه المعبودات من دونه؛ ولهذا ذُكر أن الشيخ محمد بن عبد الوهاب اسم> رحمه الله ظهر في بلدة فيها قبور تعبد من دون الله، فكانوا يحضرون إلى قبر يقولون: إنه قبر زيد بن الخطاب اسم> مع أنه مخلوق، فينادونه يا زيد اسم> اغفر لنا، يا زيد اسم> ارزقنا، يا زيد اسم> انصرنا، فكان الشيخ يحضر معهم ليوبخهم، ويقول: الله أعلى من زيد اسم> الله أقدر من زيد اسم> الله أغلب من زيد اسم> ولا يقدرون على أن يقولوا: كذبت، فيرجعون إلى أنفسهم باللائمة، فالله تعالى له علو الشأن:
..................................... | جـل عــن الأضــداد والأعــوان |
كـذا لــه العـلــو والفـوقيــة | علــى عـبــاده بــلا كيفيـــة |
وقد ذكر العلماء أدلة صفة العلو لله تعالى الذي هو علو الذات، ونظمها ابن القيم اسم> في منظومته النونية ، وقسمها إلى واحد وعشرين نوعا، يعني: جعلها حاصرة للأدلة التي فيها دلالة على صفة الله تعالى بالعلو، وأنه العلي الأعلى، وابتدأها بآيات الاستواء في قوله:
أولها استواء الرب فوق العـرش فـي | سبع أتت في محـكـم الـقـــرآن |
وكذلـك اطــردت بــلا لام ولــو | كانت بمعنـى اللام فــي الأذهــان |
لأتت بهـا فـي موضـع كي يحمل الـ | باقـي عليهـا وهـو ذو إمكـــان |
نـون اليهــود ولام جهمـيٍ همــا | في وحي رب العرش زائدتــان |
ومنها: آيات النزول آيات الإنزال؛ كقوله: رسم> مُنَزَّلٌ مِنْ رَبِّكَ قرآن> رسم> رسم> تَنْزِيلُ الْكِتَابِ مِنَ اللَّهِ قرآن> رسم> رسم> تَنْزِيلٌ مِنْ حَكِيمٍ حَمِيدٍ قرآن> رسم> رسم> تَنْزِيلٌ مِنَ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ قرآن> رسم> ؛ فإن النزول لا يكون إلا من فوق، الإنزال لا يكون إلا من فوق فأخبر بأن هذه منزلة من الله تعالى؛ فدل على أنه العلي الأعلى، ودل على أن من صفاته أنه هو العالي فوق عباده، الذي ينزل المخلوقات منه.
ومنها: آيات الصعود كقوله: رسم> إِلَيْهِ يَصْعَدُ الْكَلِمُ الطَّيِّبُ قرآن> رسم> ومنها: آيات العروج كقوله تعالى: رسم> تَعْرُجُ الْمَلَائِكَةُ وَالرُّوحُ إِلَيْهِ قرآن> رسم> والعروج: هو الرقي، ومنها: آيات الرفع كقوله تعالى: رسم> بَلْ رَفَعَهُ اللَّهُ إِلَيْهِ قرآن> رسم> وقوله: رسم> وَرَافِعُكَ إِلَيَّ قرآن> رسم> .
ومنها: ما ذكره الله تعالى عن فرعون اسم> أنه قال: رسم> ابْنِ لِي صَرْحًا لَعَلِّي أَبْلُغُ الْأَسْبَابَ أَسْبَابَ السَّمَاوَاتِ فَأَطَّلِعَ إِلَى إِلَهِ مُوسَى قرآن> رسم> دل على أن موسى اسم> أخبره بأن إلهه فوق العرش، وأنه فوق السماوات العلا، فلذلك أراد أن يصعد إلى السماء؛ حتى ينظر هل موسى اسم> صادق أم لا ؟ قال: رسم> وَإِنِّي لَأَظُنُّهُ مِنَ الْكَاذِبِينَ قرآن> رسم> .
ومنها صفة الظهور في قوله تعالى: رسم> هُوَ الْأَوَّلُ وَالْآخِرُ وَالظَّاهِرُ وَالْبَاطِنُ قرآن> رسم> والحاصل أنه أوصلها إلى نحو واحد وعشرين نوعا.
وكذلك الأحاديث الكثيرة في ذلك، وبكل حال فإن هذه هي عقيدة أهل السنة: أنهم يؤمنون بأن الله تعالى هو ربهم، وأنه هو العلي الأعلى، وأما الأشاعرة، والمعتزلة، والصوفية، ونحوهم، فإنهم يدعون أن ربهم تعالى في كل مكان بذاته، ولا ينزهون الله تعالى عن الأماكن، بل يقولون: إنه في كل مكان، وأقوالهم متخالفة.
مسألة>