(يجب) على الوالد التسوية بين أولاده في العطية والتمليك المالي، (ويستحب) له التسوية في المحبة والرعاية، لكن إذا كان فيهم من هو معاق أو مريض أو صغير ونحوه فالعادة أن يكون أولى بالشفقة والرحمة والرقة. وقد سئل بعض العرب: من أحب أولادك إليك؟ فقال: الصغير حتى يكبر، والمريض حتى يبرأ، والغائب حتى يقدم. اشترط كثير من العلماء أن يكون التيمم بتراب له غبار يعلق باليد، ومنعوا التيمم بالرمل ونحوه مما لا غبار له، وألزموا المسافر أن يحمل معه التراب إذا سافر في أرض رملية، ولعل الصحيح جواز التيمم بالرمل؛ لعموم قوله صلى الله عليه وسلم: "جعلت لي الأرض مسجدا وطهورا" متفق عليه. إذا عرف الصغير ربه، وعظم قدر ربه في قلبه، نشأ على طاعة الله تعالى، ونشأ على محبته، وأحب عبادة الله وعظمها في صغره، وسهلت عليه وداوم عليها في كبره، وكره المعصية ونفر منها، وكره كل ما نهى الله تعالى عنه؛ حيث أن آباءه يعلمونه الخير ويؤدبونه عليه من كان مسافرا ولم يصل المغرب والعشاء فأدرك العشاء خلف إمام مقيم فالمختار أنه يصلي المغرب وحده، فإذا صلاها دخل معه في بقية العشاء، وذلك لاختلاف النية؛ فإن المغرب والعشاء متفاوتان بينهما فرق في عدد الركعات. هذا الذي نختاره. وأجاز بعض المشائخ أنه يدخل معهم بنية المغرب، فإذا صلوا ثلاثا فارقهم وتشهد لنفسه وسلم، ثم صلى العشاء، ولكل اجتهاده    عيادة المريض سنة مؤكدة، وقد رأى بعض العلماء وجوبها. قال البخاري في صحيحه: باب وجوب عيادة المريض. ولكن الجمهور على أنها مندوبة أو فرض على الكفاية، وقد ورد في فضلها قول النبي صلى الله عليه وسلم: "إن المسلم إذا عاد أخاه المسلم لم يزل في خرفة الجنة حتى يرجع" رواه مسلم. (الخرفة: اجتناء ثمر الجنة)
شرح سلم الوصول وأبواب من كتاب التوحيد
74935 مشاهدة
أدلة اتصافه عز وجل بصفة بالكلام

بعد ذلك تكلم على صفة أخرى وهي صفة الكلام، وأطال فيها؛ وذلك لقوة الخلاف فيها، صفة الكلام لله تعالى صفة ذات، وهي من أجلّ الصفات، وهي التي أنكرها كثير من المبتدعة، وبالغوا في إنكارها، تخيلوا أن الكلام لا يكون إلا من الفم ومن اللسان واللهوات والشفتين؛ فقالوا: الله تعالى منزه عن مثل ذلك، فلا يمكن أنه متكلم، ولا أنه يتكلم. هكذا يقول هؤلاء المعطلة المعتزلة، وما علموا أنه –سبحانه- يتكلم كما يشاء. فلا يلزم من إثبات الكلام تشبيه. ولا يلزم من إثبات صفة الكلام شيء من المحظورات؛ بل إن صفة الكلام صفة كمال، وإن ضدها هو الخرس، الذي لا يتكلم أبكم أو أخرس؛ فإذا وصفوا الله -تعالى- بذلك فقد تنقصوه، وهم لا يشعرون، فيقعون في عيب ربهم -سبحانه وتعالى- نحن نقول: إنها صفة كمال نثبتها لله كما أثبتها لنفسه، والأدلة على ذلك كثيرة، والكلام عليه طويل، وقد توسع فيه العلماء، تجدون في فتاوى شيخ الإسلام ابن تيمية المجلد الثاني عشر كله عن صفة الكلام أي: أن القرآن كلام الله، وأطال لمناقشة أولئك النفاة ونحوهم.
فمن الأدلة على إثبات كلام الله ما ذكره أنه:
كلـم موسـى عبــده تكليـمــا
ولم يــزل بخلقـــه عليمــــا
( كلم موسى ) أي: كلمه تكليما، ذكر الله -تعالى- ذلك في قوله - عز وجل - وَكَلَّمَ اللَّهُ مُوسَى تَكْلِيمًا في سورة النساء، وقال -تعالى- في سورة البقرة: مِنْهُمْ مَنْ كَلَّمَ اللَّهُ وَرَفَعَ بَعْضَهُمْ دَرَجَاتٍ ويسمى موسى الكليم: كليم الله، ذكر عن بعض المعتزلة: أنه جاء إلى أحد القراء السبعة أبو عمرو بن العلاء فقال له: اقرأ هذه الآية هكذا: ( وكلم اللَّهَ موسى تكليما ). كلم اللهَ موسى يعني: حتى يكون موسى هو الذي كلم الله. أي: كلم موسى اللهَ، ولكن أبا عمرو - رحمه الله - خصمه، وقال: هب أني أو أنت قرأت هذه الآية؛ فكيف تفعل بقول الله تعالى: وَلَمَّا جَاءَ مُوسَى لِمِيقَاتِنَا وَكَلَّمَهُ رَبُّهُ هل تقدر أن تحرفها؟ فبهت ذلك المعتزلي.
فإنهم قد يحرفون مثل هذه الكلمة تحريفا لفظيا، فيقرءونها: ( منهم من كلم اللهَ ) أي: منهم من دعا الله وكلم الله. فيحتج عليه بهذه الآية وَكَلَّمَهُ رَبُّهُ ؛ فإنها صريحة، ثم نُقل عنهم أيضا: أنهم تأولوا تأويلا بعيدا، فقالوا: كلمه أي: جرحه بأظافير الحكمة؛ لأن الكلم هو الجرح، في الحديث: ما من مكلوم يكلم في سبيل الله فقالوا: كلمه يعني: جرحه، وما أعجب هذا التأويل، وما أبعده عن الحقيقة. لماذا عدلنا عن ظاهر اللفظ الذي يدل على أنه كلمه، وأسمعه كلامه.
ثم يرد عليهم بقول الله تعالى: قَالَ يَامُوسَى إِنِّي اصْطَفَيْتُكَ عَلَى النَّاسِ بِرِسَالَاتِي وَبِكَلَامِي لم يقول: بتجريحي أو نحو ذلك.
ويرد عليهم بآيات النداء: منها قوله تعالى: وَإِذْ نَادَى رَبُّكَ مُوسَى أَنِ ائْتِ الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ وقوله: وَنَادَيْنَاهُ مِنْ جَانِبِ الطُّورِ الْأَيْمَنِ وقوله: هَلْ أتَاكَ حَدِيثُ مُوسَى إِذْ نَادَاهُ رَبُّهُ بِالْوَادِي الْمُقَدَّسِ طُوًى وهل النداء إلا كلام؟ لا شك أن النداء لا يكون إلا بكلام مسموع، وقد ذكر الله -تعالى- أنه ينادي في سورة القصص: وَيَوْمَ يُنَادِيهِمْ فَيَقُولُ أَيْنَ شُرَكَائِيَ وفي سورة الأعراف: وَنَادَاهُمَا رَبُّهُمَا فالنداء: لا يكون إلا بكلام؛ فعرفنا بذلك أنه كلم موسى كلاما ظاهرا حقيقيا، سمعه موسى منه إليه، ولهذا لما سمعه طلب الرؤية، فقال: رَبِّ أَرِنِي أَنْظُرْ إِلَيْكَ قَالَ لَنْ تَرَانِي وَلَكِنِ انْظُرْ إِلَى الْجَبَلِ أي: بعد ما سمع كلام الله طلب النظر إليه، لا شك أن هذا دليل على أنه سمع كلام الله منه إليه كما يشاء، ثبته الله -تعالى- وقواه حتى سمع كلام الله، وإلا فإنه ورد أن لكلام الله -تعالى- وقع وأثر بليغ، في حديث النواس وفي حديث أبي هريرة يقول فيه: إذا أراد الله أن يوحي بالأمر تكلم بالوحي، أخذت السماوات منه رجفة، أو قال: رعدة شديدة؛ خوفا من الله - عز وجل - وفي حديث آخر: أنه إذا قضى الله الأمر في السماء ضربت الملائكة بأجنحتها؛ خوفا من الله - عز وجل - إذا قضى الله الأمر في السماء سمع لذلك كجر السلسلة على الصوان إذا تكلم الله، ومع ذلك فإنه كلم موسى وأيضا كلم نبينا -صلى الله عليه وسلم- لما أسري به، وفرض عليه الصلوات الخمس، ورجع إلى موسى فقال له: ارجع إلى ربك فاسأله التخفيف، فقال: يا ربي، خفف عن أمتي. فأسقط عنه عشرا إلى آخره. دل ذلك على أنه سمع كلام الله، ويسمعه أيضا جبريل يكلمه الله -تعالى- بوحيه بما يشاء، فهذا دليل على أنه –سبحانه- متكلم، ويتكلم إذا شاء، وأن صفة الكلام صفة مدح، وأن نفيها صفة نقص.