إن المسلم الملتزم بدين الله ، والذي سار على صراط الله المستقيم ، سيجد دعاة الضلال والانحراف؛ وهم واقفون على جانبي الطريق، فإن أنصت لهم والتفت إليهم عاقوه عن السير، وفاته شيء كثير من الأعمال الصالحة. أما إذا لم يلتفت إليهم؛ بل وجه وجهته إلى الله فهنيئا له الوصول إلى صراط ربه المستقيم الذي لا اعوجاج فيه ولا انحراف إن المؤمن بربه يرضى بالقضاء والقدر، ويعلم أن ما أصابه لم يكن ليخطئه، ويعلم أن في الابتلاء والامتحان خيرا كثيرا وأجرا كبيرا، وأن المصائب والنكبات يخفف الله بها من الخطايا، فيستحضر قول النبي صلى الله عليه وسلم: "ما أصاب العبد المسلم من نصب ولا وصب ولا هم ولا حزن ولا أذى ولا غم، حتى الشوكة يشاكها، إلا كفر الله بها من خطاياه" متفق عليه إن الغذاء الطيب من مكسب حلال يكسب القلب قوة، ويكسبه صفاء وإخلاصا، ويكون سببا في قبول الأعمال وإجابة الدعوات. والغذاء الطيب يكون سببا في بركة الله ومباركته للأعمال والأعمار والأموال، وأثر ذلك واضح، فقد ثبت عن النبي -صلى الله عليه وسلم- أنه قال: (كل لحم نبت على سحت فالنار أولى به) الإسلام خير الأديان نظافة وآدابا، ولم يترك رسول الله صلى الله عليه وسلم لأتباعه أمرا إلا بينه لهم، حتى آداب قضاء الحاجة وما يتعلق بها من التباعد عن النجاسات ونحو ذلك عيادة المريض سنة مؤكدة، وقد رأى بعض العلماء وجوبها. قال البخاري في صحيحه: باب وجوب عيادة المريض. ولكن الجمهور على أنها مندوبة أو فرض على الكفاية، وقد ورد في فضلها قول النبي صلى الله عليه وسلم: "إن المسلم إذا عاد أخاه المسلم لم يزل في خرفة الجنة حتى يرجع" رواه مسلم. (الخرفة: اجتناء ثمر الجنة)
شرح نظم البرهانية
68961 مشاهدة
باب مسألة المعادة

...............................................................................


قد عرفنا أن الإخوة الذين يرثون معه هم الإخوة من الأبوين، أو الإخوة من الأب، فكلهم سواء بالنسبة إلى الجد؛ وذلك لأنهم كلهم يقولون: نحن ندلي بأخينا، الميت أخونا بقطع النظر عن أمنا. أنت أيها الجد لا دخل لك في أمنا؛ وإنما نحن سواء في إدلائنا بأبي الميت، وأما الإخوة من الأم فقد تقدم أنهم يسقطون، أنه يسقطهم الجد، وأما أولاد الإخوة فعرفنا أيضًا أنهم يسقطون، لا يرثون مع الجد ولا مع أبي الجد، يسقطهم الجد وأبو الجد؛ فعلى هذا يبقى عندنا الإخوة من الأب والإخوة الأشقاء يتوارثون جميعًا.
فإن كان الإخوة الأشقاء: إن كانوا مثلي الجد فلا حاجة بهم إلى الإخوة من الأب، وإن كانوا أقل من مثلي الجد احتاجوا أن يأخذوا من الإخوة لأبيهم حتى يكونوا مثل الأب مرتين؛ يكونوا مثليه، وهذه تسمى مسألة المعادَّة : أن الإخوة الأشقاء يعدون الإخوة من الأب على الجد حتى يأخذوا من المال، ويقاسموه، ثم بعد ذلك يأخذون ما بأيدي الإخوة من الأب؛ لأنهم لا يرثون معهم لو كانوا منفردين.
إن كان الإخوة من الأب -يعني- احتاجوا إليهم كملوهم ثلثي الجد، وإن كانوا كثيرا لم يحتاجوا إليهم، ثم بعدما يعدونهم على الجد؛ إن كانوا أنثى أخذت نصفها وما بقي فللإخوة من الأب، وإن كانوا أنثيين أخذن الثلثين ولم يبق للإخوة من الأب شيء، وإن كانوا ذكرًا أو ذكورًا لم يُعط الإخوة من الأب شيئًا وإنما يحسبون على الجد وهم لا يرثون. يتضح بالأمثلة: عندنا مثلاً جد وأخ شقيق وأخ لأب. الآن لو كان ما هنا إلا شقيق لكان للجد النصف وللأخ النصف، ولكن يقول: يا أخي من أبي انضم معي حتى نزاحم الجد؛ لأني أنا وإياك نزاحم الجد، ونصير كلنا محسوبين على الجد حتى نكون مثليه، وإذا كنا مثليه أخذنا الثلثين وأخذ الثلث، وإذا أخذ الثلث وأخذنا الثلثين فأنا أحق منك.
لو لم يكن إلا أنا وأنت ما ورثت معي، الشقيق يسقط الأخ لأب، فيأخذ ما بيده؛ يأخذ الثلث الذي أخذه منه، ويقول: لا شيء لك لأنك لا ترث، الإخوة من الأب لا يرثون مع الإخوة الأشقاء، فهو حسبه على الجد حتى يزاحم الجد، وحتى لا يأخذ الجد إلا الثلث؛ لأنه لو لم يكن إلا جد وأخوان لأب زاحماه، وحينئذ يأخذان الثلثين ويأخذ هو ثلث المال ويقتسمانها؛ الإخوة من الأب كالإخوة الأشقاء بالنسبة إلى الجد؛ فكلهم يزاحم الجد.
إذا كان عندنا مثلاً: جد وأخت شقيقة؛ الأخت الشقيقة نصف الجد، ولكن قد تقول للأخ من الأب والأخت من الأب: هلموا ننضم إلى الجد حتى نزاحمه ونأخذ الثلثين ويأخذ هو الثلث، فإذا أخذوا الثلثين. الأخت الشقيقة تقول: أنا صاحبة فرض، آخذ النصف وبقية الثلثين لك أنت أيها الأخ لأب والأخت من الأب تقتسمانها؛ تقتسمان السدس. في هذه الحال أخذت أخًا من الأب وأختًا من الأب، أصبحوا مثلي الجد؛ لأن الأختين مثله والأخ مثله فأصبحوا مثليه، فأصبح له الثلث ولهما الثلثان، ولما كان لهما الثلثان؛ الأخت الشقيقة ما ترث أكثر من النصف، فحينئذ تأخذ النصف ويبقى السدس يأخذه الأخ من الأب والأخت من الأب، وحينئذ يقتسمان السدس وهم ثلاثة.
يعني: أخ وأخت ثلاثة، والسدس ما ينقسم عليهم وهو سهم، فنصحح المسألة ونجعلها من ثمانية عشر، فنقول مثلاً: الجد له ستة من ثمانية عشر، والأخت الشقيقة لها تسعة التي هي نصف الثمانية عشر، ويبقى عندنا ثلاثة. تسعة وستة هذه خمسة عشر، بقي ثلاثة التي للأخ لأب والأخت من الأب يقتسمانها ....
مثل الجد مرتين. أخذ الجد الثلث، وأخذنا الثلثين، ولما أخذنا الثلثين قالت الأختان: لا شيء لك أيها الأخ من الأب؛ إنما عددناك على الجد؛ لأجل أن نزاحمه، والآن نحن نرث الثلثين، ولا يبقى لك شيء. هذه مسألة المعادة؛ أن الإخوة من الأب يحسبون على الجد إذا كان الإخوة الأشقاء أقل من مثلي الجد.
ثم قد عرفنا أنهم إنما يحسبون إذا كانوا أقل من مثليه. يعني: الإخوة الأشقاء، أما إن كانوا مثليه أو أكثر فلا حاجة بهم إلى الإخوة من الأب.