قال النبي صلى الله عليه وسلم: "أد الأمانة إلى من ائتمنك، ولا تخن من خانك". فلو خانك إنسان فلا تجازه بالخيانة، بل اصفح وتجاوز عنه حتى يثيبك الله بالحسنى ويعفو عنك، ويعاقبه على خيانته إذا كان قد تعمدها، ولربما ندم إذا رآك تعامله بهذه المعاملة وهو قد خان! فيندم ويتخلق بأخلاقك؛ فيكون عملك هذا دعوة وسببا للتخلق بهذا الخلق العظيم. إن الغذاء الطيب من مكسب حلال يكسب القلب قوة، ويكسبه صفاء وإخلاصا، ويكون سببا في قبول الأعمال وإجابة الدعوات. والغذاء الطيب يكون سببا في بركة الله ومباركته للأعمال والأعمار والأموال، وأثر ذلك واضح، فقد ثبت عن النبي -صلى الله عليه وسلم- أنه قال: (كل لحم نبت على سحت فالنار أولى به) إن المؤمن بربه يرضى بالقضاء والقدر، ويعلم أن ما أصابه لم يكن ليخطئه، ويعلم أن في الابتلاء والامتحان خيرا كثيرا وأجرا كبيرا، وأن المصائب والنكبات يخفف الله بها من الخطايا، فيستحضر قول النبي صلى الله عليه وسلم: "ما أصاب العبد المسلم من نصب ولا وصب ولا هم ولا حزن ولا أذى ولا غم، حتى الشوكة يشاكها، إلا كفر الله بها من خطاياه" متفق عليه يجوز أن يعلم القبر بعلامات يعرف بها، فقد ثبت أنه صلى الله عليه و سلم لما دفن عثمان بن مظعون جعل عند قبره حجرا وقال: "أعرف به قبر أخي، وأدفن إليه من مات من أهلي". فيجوز أن يجعل علامة كحجر أو لبنة أو خشبة أو حديدة أو نحو ذلك، ليميز بها القبر عن غيره حتى يزوره ويعرفه.أما أن يكتب عليه فلا يجوز؛ لأنه قد نهي أن يكتب على القبور حتى ولو اسمه، وكذلك نهي أن يرفع رفعا زائدا عن غيره. إن المسلم الملتزم بدين الله ، والذي سار على صراط الله المستقيم ، سيجد دعاة الضلال والانحراف؛ وهم واقفون على جانبي الطريق، فإن أنصت لهم والتفت إليهم عاقوه عن السير، وفاته شيء كثير من الأعمال الصالحة. أما إذا لم يلتفت إليهم؛ بل وجه وجهته إلى الله فهنيئا له الوصول إلى صراط ربه المستقيم الذي لا اعوجاج فيه ولا انحراف
شرح نظم البرهانية
68909 مشاهدة
كيفية توريث الخنثى

...............................................................................


أما الباب الذي بعده، ذكر فيه ميراث الخنثى المشكل ، والحمل، والمفقود. أو يقول: إنه عند القسم يبنى على اليقين، يبنى على الأقل، من باب الاحتياط.
الخنثى يوجد -وإن كان قليلًا ونادرًا- يوجد إنسان متولد بين أب وأم؛ ولكن يشكل أمره، هل هو ذكر أم أنثى؟ بلا شك أنه في نفس الأمر إما ذكر أو أنثى؛ لأن الله تعالى قسم نوع الإنسان؛ لقوله تعالى: فَجَعَلَ مِنْهُ الزَّوْجَيْنِ الذَّكَرَ وَالْأُنْثَى فليس هناك قسم ثالث؛ لكن قد يشكل أمره علينا، وإن كان في نفس الأمر ليس إلا واحدًا من النوعين.
ثم ذكروا أنه قسمان: قسم له ذكر وفرج؛ يعني ذكر رجل، وفرج امرأة. فيشكل.. ففي هذه الحال ينظر من أيهما يبول؟ كما قيل: إن أحد العلماء سئل فتحير ماذا نفتي فيه، وعرض أمره على ابنة له فقالت: ألحق الحكم المبال. يعني - ينظر فإذا كان يبول من الذكر فهو رجل، وإذا كان يبول من الفرج فهو أنثى، فإن كان يبول منهما معًا ينظر أسبقهما، إذا كان أسبقهما الذكر فهو رجل، فإذا كان يخرج البول منهما معًا ينظر أكثرهما، أكثرهما الذي يخرج منه، فيلحق به، فإذا كان سواء، يخرج البول من الفرج ومن الذكر، ويخرج سواء، وينقطع سواء.
..يعني: قد يكون الأضر عليهم أن يكون ذكرا، فيعاملونهم بالأضر، ويكون الأضر عليه أن يكون أنثى ويُوقف الباقي، فإذا كان مثلاً: له أخوان وهو ثالث. الأضر عليهم أن يكون ذكرا، فيأخذان الثلثين. الأضر عليه هو أن يكون أنثى؛ ففي هذه الحال يأخذ هو الخمس، فتجعل مسألة الذكورية من ثلاثة، ومسألة الأنوثية من خمسة، وبين المسألتين مباينة. تضرب الثلاثة في خمسة فتكون من خمسة عشر؛ فالذكر له واحد في خمسة بخمسة، وكذا الآخر له خمسة في خمسة، وأما هذا الخنثى فله واحد من مسألة الأنوثية مضروب في ثلاثة بثلاثة، ويبقى اثنان، يبقى اثنان يوقفان إلى أن يتبين أمره، فإن اتضح أنه أنثى رددت هذين الاثنين على الأخوين؛ ليكون لهذا ستة، ولهذا ستة، وللأنثى ثلاثة. لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الْأُنْثَيَيْنِ فإن تبين أنه رجل أخذ الاثنين، حتى يكون له خمسة مثل ما لأخويه. هذه مسألة ذكورية، ومسألة أنوثية.
كذلك معلوم أن الخنثى ما يكون أبًا ولا جدا ولا زوجا ولا زوجة ولا أبا ولا أما، إنما يكون في الأولاد، ويكون في الإخوة، ويكون في الأعمام، ويكون في الولاء؛ لأنه لو كان أبًا، أو أمًّا لكان واضحًا، وكذا لو كان زوجًا أو زوجة؛ فعلى هذا قالوا: يبنى على الأقل. إذا بلغ فإنه يتبين، يتبين عادة. هل هو رجل أم امرأة؟ يتبين بنبات شعر وجهه مثلاً رجلا أو امرأة، المرأة يتبين بتفلق ثدييها إذا بلغت، أو قاربت البلوغ، وقد يتضح أيضًا أمره.
ذكر ابن كثير في التاريخ أنه أدرك رجلاً قد كان أنثى، ثم بعد البلوغ تبين أنه رجل، يقول: كان قد تعلم ما يتعلمه النساء في أول أمره تعلم النقوش، وتعلم الخياطة والزركشة، وما أشبه ذلك، ثم لما بلغ تبين أنه رجل. يعني: خرج له ذكر، وانسد ما كان شبيهًا بالفرج؛ فاتضح أنه رجل. يحس بما يحسه الرجل من الشهوة، ونحو ذلك؛ فيتبين غالبًا عند الكبر، عند البلوغ.
ففي هذه الحال إن قسموا قبل البلوغ، بنوا على اليقين، أعطوا كل واحد منهم ما يستحقه باليقين، وعاملوا الخنثى بالأضر، فمن يسقط منهم لا يعطى شيئًا، كما لو كان لهذا الميت ولد خنثى. لا يدرى هل هو ذكر أم أنثى؟ وله مثلاً ابن ابن، أو بنات ابن، فمعلوم أن ابن الابن ما يرث إذا كان هذا الخنثى رجلا، فإذا كان أنثى فلا ترث إلا النصف؛ فنعطيه النصف، ونقف النصف الباقي. إن اتضح أنه أنثى أعطيناه ابن الابن، وإن اتضح أنه ذكر رددناه عليه.
كذلك مثلاً إذا كان هذا الخنثى مثلاً؛ إذا كان أخا، أخا شقيقا، وهناك ابن أخ شقيق. هذا الخنثى إن كان أنثى فليس له إلا النصف. الأخت الشقيقة، وإن كان ذكرًا أخذ الجميع؛ فلا يعطى ابن الأخ شيئا، وهذا الخنثى يأخذ النصف إلى أن يتبين أمره؛ فإن تبين أنه رجل أخذ النصف الموقوف، وإن تبين أنه أنثى أعطي لابن الأخ وهكذا.