إذا كان عقل المريض معه وفهمه وإدراكه فإن الأوامر والأحكام الشرعية تنطبق عليه، ويكلف بالصلاة والصوم والطهارة ونحوها بحسب القدرة، ويجوز مساعدته على الطهارة إن قدر على غسل أعضائه، فإن عجز عن استعمال الماء في أعضائه وشق غسلها عليه عدل إلى التيمم، فإن عجز فإن المرافق يقوم بذلك بأن يضرب التراب فيمسح وجهه وكفيه مع النية. الاعمى إذا أراد الصلاة فعليه أن يتحرى القبلة باللمس للحيطان إذا كان صاحب البيت، وإلا فعليه أن يسأل من حضر عنده، فإن لم يكن عنده من يسأله تحرى وصلى بالاجتهاد الغالب على ظنه، ولا إعادة عليه، كالبصير إذا اجتهد في السفر ثم تبين له خطأ اجتهاده فلا إعادة عليه. اشترط كثير من العلماء أن يكون التيمم بتراب له غبار يعلق باليد، ومنعوا التيمم بالرمل ونحوه مما لا غبار له، وألزموا المسافر أن يحمل معه التراب إذا سافر في أرض رملية، ولعل الصحيح جواز التيمم بالرمل؛ لعموم قوله صلى الله عليه وسلم: "جعلت لي الأرض مسجدا وطهورا" متفق عليه. تفكروا في آيات الله وكيف بسط الله عز وجل الأرض، وجعل فيها الجبال والوهاد والأودية، والمنخفضات والمرتفعات والرمال والأبطحة، والمعادن التي في جوفها والمياه، وما شابه ذلك.فلو أن الإنسان أخذ يتدبر في هذه المخلوقات وأخذ يكرر ذلك لحفظ وقته من الضياع، وازداد يقينا وقوي إيمانه، ولم تتطرق إلى عقله الشكوك والتخيلات الشيطانية. الدين الذي في ذمة من هو قادر على الوفاء يزكى؛ لأنه بمنزلة الأمانة عنده، ويقدر صاحبه أن يأخذه ويتحصل عليه متى طلبه، وأما الدين الذي عند معسر أو مماطل ولو كان غنيا، فإن صاحبه لا يقدر على الحصول عليه، ولو طالبه قد يدعي الإعسار والفقر، فمثل هذا المال كالمعدوم، فلا زكاة عليه إلا إذا قبضه
شرح سلم الوصول وأبواب من كتاب التوحيد
88133 مشاهدة
بيان القول في القرآن

بعد ذلك تكلم على القرآن قال:
والقــول في كتـابـه المفصــل
بأنـــه كلامـــه الـمـــنزل
على الرسول المصطفى خير الـورى
ليس بمخلــوق ولا بمفــــترى
يحفـظ بـالقلـب وباللســـــان
يتلــى كمــا يسمـع بـــالأذان
كذا بـالأبصــار إليـه ينظــــر
وبالآيــات خطــــه يسطـــر
وكل ذي مخلوقـــة حقيقــــة
دون كــلام بــارئ الخليـقـــة
ما تكلم في هذه الأبيات على القرآن؛ وذلك لأنه قد طال كلام العلماء في تفصيل ذلك، وناقشوا بذلك المعتزلة الذين يقولون: إن الله لا يتكلم، فلما جاء هذا القرآن قالوا: إنه مخلوق خلقه كما خلق غيره من المخلوقات، فجعلوه مخلوقا، فأنكر عليهم أئمة السلف.
وأول من أنكر صفة الكلام الجعد بن درهم الذي قتله خالد القسري في يوم عيد الأضحى، وقال: أيها الناس، ضحوا تقبل الله ضحاياكم؛ فإني مضح بالجعد بن درهم إنه زعم أن الله لم يتخذ إبراهيم خليلا، ولا كلم موسى تكليما، -تعالى- الله عما يقول الجعد ثم نزل وذبحه، ومدحه ابن القيم في النونية، حيث يقول:
ولأجل ذا ضحــى بـجـعــــد
خالد القسـري يوم ذبائـح القربـان
إذ قال إبـراهيـم ليـس خليلـــه
كلا ولا مـوســى الكليم الـدانـي
شكـر الضحيـة كل صاحب سنــة
لله درك مـن أخــي قـربـــان
فلما قالوا: إن الله -تعالى- لا يتكلم لم يجدوا بدا في القرآن من أن يقولوا: إنه مخلوق، ثم قال ذلك الجهم بن صفوان ثم قاله بعده بشر المريسي ثم قاله بعده أحمد بن أبي دؤاد ثم إن ابن أبي دؤاد صار مقربا عند الخليفة المأمون فزين له هذه العقيدة حتى رسخت في قلب المأمون أحد خلفاء بني العباس، ثم زين له أن يَمتحن الناس، وأن يُكرههم على أن يقولوا: إن القرآن مخلوق؛ فامتحن الناس، وأُوذوا، وسُجنوا، وقُتل بعضهم.
وكان من أشهرهم الإمام أحمد بن حنبل - رحمه الله - وذلك لأن له مكانة في النفوس، وكان الناس يترقبون ما يقوله، فلما كان كذلك قال له بعض من حوله: أجبهم وأنت مكره، فامتنع وأصر وصبر، ولكن مات المأمون قبل أن يؤتى بالإمام أحمد وتقلد هذه المقالة بعده أخوه المعتصم وهو الذي تولى تعذيب الإمام أحمد وجلده جلدا شديدا، حتى كاد أن يموت من شدة الجلد، وسجن وأطيل سجنه، ولكن مع ذلك كان يَجمع له علماء المعتزلة فيأتون بحجة فيبطلها، ويأتيهم بعشر حجج فلا يقدرون على الرد عليه، حتى أظهره الله -تعالى- وأظهر الحق في خلافة المتوكل .
والحاصل: أن فتنة القول بخلق القرآن فتنة عظيمة، وقعت بسببها مصائب على الأمة، ولا يزال المعتزلة وعلى طريقتهم الآن الرافضة الموجودون في المملكة وعلى طريقتهم أيضا الإباضية الموجودون في عمان فإن هذا معتقدهم؛ أن القرآن مخلوق، وأنه ليس كلام الله، وأن الله تعالى لا يتكلم، قد ذكرنا لكم بالأمس أن مفتي أهل عمان الذي يقال له أحمد الخليلي ألف كتابا، سماه باسم يريد به أن يشتهر ( الحق الدامغ )؛ مع أنه باطل متهافت، وضمنه كما ذكرنا ثلاث مسائل: إنكار الرؤية، وإنكار أن القرآن كلام الله، وإنكار قدرة الله -تعالى- على أفعال العباد، يقول:
والقول فـي كتـابــه المفصــل
بأنـه كـلامــــه الـمـــنزل
كما صرح بذلك في قول الله تعالى: أَفَتَطْمَعُونَ أَنْ يُؤْمِنُوا لَكُمْ وَقَدْ كَانَ فَرِيقٌ مِنْهُمْ يَسْمَعُونَ كَلَامَ اللَّهِ لم يقل: خلق الله، وقال -تعالى- في سورة التوبة: وَإِنْ أَحَدٌ مِنَ الْمُشْرِكِينَ اسْتَجَارَكَ فَأَجِرْهُ حَتَّى يَسْمَعَ كَلَامَ اللَّهِ لم يقل: حتى يسمع ما خلقه، وقال -تعالى- في سورة الفتح: يُرِيدُونَ أَنْ يُبَدِّلُوا كَلَامَ اللَّهِ قُلْ لَنْ تَتَّبِعُونَا كَذَلِكُمْ قَالَ اللَّهُ مِنْ قَبْلُ فجمع في هذه الآية بين كونه كلاما وقولا، وكذلك قول الله تعالى: وَمَنْ أَصْدَقُ مِنَ اللَّهِ قِيلًا وَمَنْ أَصْدَقُ مِنَ اللَّهِ حَدِيثًا ونحو ذلك من الأدلة، وكذلك ذكر أن الله -تعالى- له كلام، وأنه يتكلم كما في قوله تعالى: وَتَمَّتْ كَلِمَةُ رَبِّكَ لَأَمْلَأَنَّ جَهَنَّمَ وَتَمَّتْ كَلِمَةُ رَبِّكَ صِدْقًا وَعَدْلًا وغير ذلك من الآيات.
فالقرآن كلامه منزل، قال تعالى: وَإِنَّهُ لَتَنْزِيلُ رَبِّ الْعَالَمِينَ لم يقل: خلق رب العالمين، قال بعض العلماء: إن الله ذكر الإنسان في القرآن سبعة عشر مرة، صرح فيها بأنه خلقه وبأنه مخلوق، وذكر القرآن في نحو خمسين موضعا أو أكثر، ولم يذكر أنه خلقه، من ذلك قول الله تعالى: الرَّحْمَنُ عَلَّمَ الْقُرْآنَ خَلَقَ الْإِنْسَانَ آيتين متتاليتين عَلَّمَ الْقُرْآنَ ما قال: خلق القرآن.
فالحاصل: أن القرآن كلام الله وليس بمخلوق، وللذين يقولون إنه مخلوق شبهات، بينها العلماء - رحمهم الله - ناقش بعضها ابن أبي العز في شرح الطحاوية وغيره.
والقول فـي كتـابــه المفصــل
بأنــه كـلامـــه الـمـــنزل
على الرسول المصطفى خير الـورى
ليس بمخلــوق ولا بمفــــترى
منزل على الرسول قال تعالى: وَإِنَّهُ لَتَنْزِيلُ رَبِّ الْعَالَمِينَ نَزَلَ بِهِ الرُّوحُ الْأَمِينُ عَلَى قَلْبِكَ لِتَكُونَ مِنَ الْمُنْذِرِينَ والتنزيل مذكور في كثير من الآيات، قال تعالى: تَنْزِيلُ الْكِتَابِ مِنَ اللَّهِ الْعَزِيزِ الْحَكِيمِ تَنْزِيلٌ مِنَ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ تَنْزِيلُ الْكِتَابِ مِنَ اللَّهِ الْعَزِيزِ الْعَلِيمِ صرح بأنه تنزيل من الله، ولم يقل: خلق الله.
( منزل على الرسول المصطفى خير الورى ) المصطفى: من صفات النبي -صلى الله عليه وسلم- وأنه خير الورى، ثم قال: ( ليس بمخلوق ) يعني: ننزهه أن يكون مخلوقا؛ فإنه من كلام الله -تعالى- ومن علمه، وكل ما هو من علمه فإنه ليس بمخلوق، ( ولا بمفترى ) ردا على المشركين الذين يقولون: افتراه، أَمْ يَقُولُونَ افْتَرَاهُ قُلْ إِنِ افْتَرَيْتُهُ فَلَا تَمْلِكُونَ لِي مِنَ اللَّهِ شَيْئًا أَمْ يَقُولُونَ افْتَرَى عَلَى اللَّهِ كَذِبًا وقالوا: إِنْ هَذَا إِلَّا إِفْكٌ افْتَرَاهُ فكذبهم الله -تعالى- وأخبر بأنه ليس بمفترى: أَمْ يَقُولُونَ افْتَرَى عَلَى اللَّهِ كَذِبًا .