تعبير الرؤيا يرجع فيه إلى معرفة أشياء تختص بالرائي وما يتصل به، وكذا معرفة القرائن والأحوال، ومعرفة معاني الكلمات وما يتصل بها لغة وشرعا وما يعبر به عنها، وهذه الأمور ونحوها يختص بها بعض الناس لانشغالهم بمعرفتها وما يدور حولها، فعلى هذا لا يجوز لكل أحد أن يعبر الرؤى، فقد يفهم فهما بعيدا، وقد يأخذ التعبير من اللفظ لا من المعنى فيخطئ في ذلك. logo القلوب أوعية؛ منها ما يستوعب الخير، ومنها ما يستوعب الشر. وأفضل القلوب هي التي تمتلئ بالخير،تمتلئ بالعلم وتمتلئ بالدين والعبادة، تمتلئ بالعلم النافع والعقيدة السليمة، هذه هي القلوب الواعية، وهي أرجى القلوب لتحصيل الخير تفكروا في آيات الله وكيف بسط الله عز وجل الأرض، وجعل فيها الجبال والوهاد والأودية، والمنخفضات والمرتفعات والرمال والأبطحة، والمعادن التي في جوفها والمياه، وما شابه ذلك.فلو أن الإنسان أخذ يتدبر في هذه المخلوقات وأخذ يكرر ذلك لحفظ وقته من الضياع، وازداد يقينا وقوي إيمانه، ولم تتطرق إلى عقله الشكوك والتخيلات الشيطانية. من كان مسافرا ولم يصل المغرب والعشاء فأدرك العشاء خلف إمام مقيم فالمختار أنه يصلي المغرب وحده، فإذا صلاها دخل معه في بقية العشاء، وذلك لاختلاف النية؛ فإن المغرب والعشاء متفاوتان بينهما فرق في عدد الركعات. هذا الذي نختاره. وأجاز بعض المشائخ أنه يدخل معهم بنية المغرب، فإذا صلوا ثلاثا فارقهم وتشهد لنفسه وسلم، ثم صلى العشاء، ولكل اجتهاده اشترط كثير من العلماء أن يكون التيمم بتراب له غبار يعلق باليد، ومنعوا التيمم بالرمل ونحوه مما لا غبار له، وألزموا المسافر أن يحمل معه التراب إذا سافر في أرض رملية، ولعل الصحيح جواز التيمم بالرمل؛ لعموم قوله صلى الله عليه وسلم: "جعلت لي الأرض مسجدا وطهورا" متفق عليه.
shape
شرح سلم الوصول وأبواب من كتاب التوحيد
113445 مشاهدة print word pdf
line-top
تقديس مشركي العرب للأوثان وموقف الإسلام منها

وهذا فيه تشبه بالمشركين الأولين الذين يعبدون مثل هذه البقاع وما أشبهها، فإن أهل الطائف كان عندهم صخرة كبيرة يسمونها اللات، ويصفونها بالطاغية، وقد ذكروا أن أحد الصالحين كان قُبر تحتها؛ وذلك الرجل الصالح كان يضيف الحجاج، يلت لهم السويق - يعني - يخلطه كضيافة وطعام من مر به من حاج أو معتمر أكرمه بذلك، ثم لما مات دفن تحت تلك الصخرة، فاعتقدوا البركة في الصخرة وحدها، وصاروا يتبركون بها، ويطوفون بها، ويتمسحون بها، ويحلفون بها، وبقيت معظمة عندهم إلى أن ظهر الإسلام، وهم متمسكون بها.
ظهر الإسلام وانتشر، ولما رأوا أن العرب حولهم من كل الجهات قد أسلموا ولم يبق إلا أهل هذه البلدة عرفوا أنه لا طاقة لهم بمخالفتها العرب كلهم، فجاءوا وافدين إلى - النبي صلى الله عليه وسلم - مظهرين الإسلام ولكن قالوا: نشترط أن تمتعنا بهذه الصخرة - التي سموها الطاغية - أن تبقيها لنا سنة نتزود منها. فقال صلى الله عليه وسلم: لا نتركها ولو ساعة فحاولوا أن يتركها شهرا، فأبى، فلم يجدوا بدا من الموافقة، فأرسل إليها من حطمها كالمغيرة بن شعبة وكان من أهل الطائف أولا فحطموها وكسروها، فهي من جملة الحجارة التي كانت تعظم في الجاهلية.
كذلك العزى شجرات في وادي نخلة بين مكة و الطائف كان المشركون أيضا يلوذون بتلك الشجرة أو الشجرات، ويذبحون عندها، وينذرون لها، ويطوفون بها، ويحلفون بها، ويعتقدون أنها تشفيهم، وأنها تنفعهم، ويفتخرون بانتمائهم إليها - بالأخص أهل مكة -؛ حتى افتخر بها أبو سفيان في غزوة أحد لما انفصلت الحرب في غزوة أحد، وبرز له بعض المسلمين، قال: لنا العزى، ولا عزى لكم. فقال النبي صلى الله عليه وسلم: قولوا الله مولانا، ولا مولى لكم افتخر بهذه الشجرة، ولما فتحت مكة لم يبقها النبي -صلى الله عليه وسلم- أرسل إليها من قطعها، أرسل خالد بن الوليد وغيره فقطعوها وجعلوا يقولون:
يـا عـزى لا عـزى لك
إنـي رأيت الله قـد أهانك
يا عزى كفرانك لا شكرانك
إنـي رأيت الله قـد أهانك
قد يقول قائل: إنهم أهل عقول، وأهل معرفة، فكيف راج عليهم تعظيم هذه البقاع؟ وكيف لم يتفطنوا أنها مخلوقة؟ وأنه لا فرق بينها وبين غيرها؟
والجواب: أن الشيطان سول لهم، وأملى لهم، وزين لهم أنها تفيدهم. ولا شك أن هذا من فتنة الشيطان؛ حتى يوقعهم في الكفر والشرك، ولا بد أن من يساعده من الجن يظهرون لهم بمظاهر ترغبهم في تلك الأماكن، فلا بد أنه يكلمهم من جوف تلك الصخرة أو مما قرب منها، ويدلهم ويقول: افعلوا كذا فإنكم تنتصرون، أو افعلوا كذا وكذا؛ فإنكم تصيبون رزقا أو ما أشبه ذلك.
فلا بد أن الشيطان يتكلم فيها، فيسمعون كلامه، ويعتقدون أنها هي التي تتكلم؛ ولأجل ذلك لما قطع الصحابة هذه الشجرات في وادي نخلة قال النبي -صلى الله عليه وسلم- هل رأيت شيئا؟ قال: لا. قال: ارجع فإنك لم تفعل شيئا. فرجع، فوجد شيطانة من الجن - من متشيطنة الجن - ناشرة شعرها، فعلاها بالسيف فقتلها. فقال -صلى الله عليه وسلم- تلك العزى يعني - أنها هي التي تتمثل لهم؛ حتى يعبدوها؛ وحتى يعظموها؛ وحتى يتبركوا بذلك المكان، ويجعلوه نافعا وشافيا، فيصدوا عن عبادة الله أو يعبدوا مع الله غيره، فتبطل وتحبط أعمالهم ويصيرون مشركين، فهذا هو السبب. فلا بد أن يكون هذا هو دأبهم في كل ما يعبدونه من الأشجار والأحجار والقبور وما أشبهها.
كذلك ذكر الله معبد مناة. مناة: بناية بالمشلل عند قديد بين مكة والمدينة كان أهل المدينة يحرمون منها، وكانوا يعظمونها، وكذلك من حولها من العرب، كانت تعبد، وكانت تقدس، أرسل إليها النبي -صلى الله عليه وسلم- عليا فهدمها ومحا آثارها.
وهكذا -أيضًا- صنم في قبيلة دوس يقال له: ذو الخلصة، معبد يعبدونه، ولما أسلم من حوله أرسل إليه النبي -صلى الله عليه وسلم - جرير بن عبد الله البجلي فأحرقه وهدمه بعد أن قال له النبي -صلى الله عليه وسلم- ألا تريحني من ذي الخلصة؟ فقال: بلى. اشتكى إليه أنه لا يثبت على الخيل، فدعا له وقال: اللهم ثبته، واجعله هاديا مهديا فذهب وأحرقه - أحرق ذلك المبنى ونحوه -.
وكذلك كان بمكة - أيضاً - صنم يعظمه أهل مكة ويقال له: هبل. لما انفصلت غزوة أحد، وظهر أبو سفيان أخذ يقول: أُعْلُ هبل أُعْلُ هبل يعني ارتفع يا هبل. فقال صلى الله عليه وسلم : قولوا: الله أعلى وأجل وكان أيضًا في البيت الحرام في المسجد الحرام وما حوله أصنام كثيرة - يعني - صور منحوتة من حجارة أو من خشب، مصفوفة في زوايا المسجد؛ حتى قالوا: إنها ثلاث مائة وستين صنما، ولما دخل النبي -صلى الله عليه وسلم- الحرم جعل يطعنها بعصاه، ويقول: جَاءَ الْحَقُّ وَزَهَقَ الْبَاطِلُ إِنَّ الْبَاطِلَ كَانَ زَهُوقًا جَاءَ الْحَقُّ وَمَا يُبْدِئُ الْبَاطِلُ وَمَا يُعِيدُ فانتكست وكسرت وحطمت، ومنها صنمان على الصفا والمروة يقال لهما: إساف، ونائلة. ذكر ابن إسحاق وغيره أنهما كانا شخصين، رجل وامرأة، وأنهما زنيا في داخل الكعبة فمسخهما الله حجرين أو جمادين، فنصبتهما قريش على الصفا والمروة ليعتبر بهما، فلما طال الزمان عُبدا من دون الله، فحطما مع من حطم، وكسرت أمثالهما.
وكذلك للعرب أصنام كثيرة على هذه الأشكال من حجارة أو من أشجار أو ما أشبهها، ذكر أيضا ابن إسحاق أن عباس بن مرداس كان لأبيه صنم يقال له: غمار، وكان يعظمه أبوه، فلما حضره الموت قال لابنه عباس يا بني اعبد غمار؛ فإنه ينفع ويضر. فاستمر على دعائه والتبرك به إلى أن ظهر الإسلام، فهذا ونحوه من أصنام الجاهلية.
كذلك ذكر الشيخ في كتاب التوحيد الشيخ محمد بن عبد الوهاب حديث ذات أنواط، وذكر أنها شجرة في طريقهم بين مكة وحنين كان المشركون يعلقون فيها أسلحتهم، جعلوا فيها عرى، في كل غصن عروة يعلق فيها السيف أو الرمح أو القوس، ويدعون أنه إذا علق فيها يناله بركة، ويحصل له نكاية في العدو، لما أن بعض الصحابة الذين أسلموا حديثا مروا بشجرة تشبهها قالوا: يا رسول الله اجعل لنا ذات أنواط كما لهم ذات أنواط - يعني المشركين - فعظم النبي -صلى الله عليه وسلم- هذه الكلمة وقال: الله أكبر -تنزيها لله تعالى من الشرك- وقال: قلتم والذي نفسي بيده كما قالت بنو إسرائيل لموسى اجْعَلْ لَنَا إِلَهًا كَمَا لَهُمْ آلِهَةٌ هذه الشجرة يمكن أنها كانت باقية؛ ولكن لم يمروا بها، أو أنه لما ظهر الإسلام؛ قطعت كما قطع بقية المعابد التي يعبدونها، كما بطل أثرها، وقد يكون الذي قطعها هو صاحبها، أو محاها، كما ذكروا أن العباس بن مرداس هو الذي حطم ذلك الصنم الذي يقال له: غمار؛ وذلك أنه سمع هاتفا يهتف من حوله يقول:
كـل القبـائل مـن سـليم كلهـا
أودى غمار وعاش أهل المسـجد
أودى غمـارٌ وكـان يعبـد مـدة
قبـل الكتاب إلى النبـي محمــد
فعند ذلك كسره وأسلم، فيمكن أن تكون هذه الشجرة أيضا لما أسلم أهلها قطعوها، وكان -صلى الله عليه وسلم- كلما أسلمت قبيلة أخذ عليهم العهد أن يحطموا ما عندهم من الأصنام، وأن يفردوا ربنا -سبحانه وتعالى- بالعبادة. هذه حال المشركين الأولين.

line-bottom