شرح سلم الوصول وأبواب من كتاب التوحيد
صور من الشرك عند متأخري المشركين
كذلك -أيضًا- وقع مثلها في المشركين المتأخرين، افتتنوا بمثل هذه المعبودات، واعتقدوا أن فيها منفعة وشفاء، وجلب خير ودفع ضر.
ذكر العلماء الذين كتبوا في سيرة الشيخ محمد بن عبد الوهاب اسم> أنه كان هناك في العيينة اسم> شجرة كبيرة، كانت تعظم، وكانوا يلوذون بها، ويتبركون بأغصانها، ويتمسحون بها، ويعتقدون فيها البركة، ولما هداهم الله -تعالى- بواسطة الشيخ محمد اسم> -رحمه الله- أمر بقطعها، فهابوا وخافوا وقالوا: إن من قطعها سيصاب بجنون أو خبال، أو مرض لا يرجى برؤه؛ وذلك لأنهم في جهلهم يرون أثرا لمن تبرك بها؛ وذلك من الشيطان، أو يسمعون عندها أصواتا أو ما أشبه ذلك، فعند ذلك قال: أنا أبدأ بقطعها. فأخذ فأسا، وجعل يضربها إلى أن قطع منها بعضا. فقالوا: سيصاب بجنون، سيصاب بمرض، فأصبح سليما بحمد الله، فلما أصبح؛ جاء إليها ومعه تلامذته وقطعوها واستأصلوا شأفتها، وزال أثر تلك الشجرة التي هي شبيهة بشجرة العزى، وبشجرة ذات أنواط.
كذلك -أيضًا- ذكروا أن هناك نخلة في قريب من الدرعية اسم> أو نحوها كان ذلك النخل ذكرًا - يعني – فحلًا، فكانت المرأة إذا تأخر عنها الزواج، ولم ترغب فيها الأزواج، تأتي إليه فتضمه، وتقول: يا فحل الفحول أريد زوجا قبل الحول، نخلة كسائر النخلات، يعتقدون فيها هذا الاعتقاد؛ وذلك من آثار الجهل، فلما هداهم الله -تعالى-؛ قطعوا تلك النخلة، وزال آثرها.
كذلك -أيضًا- ذكروا أن هناك غار في جبل وراء الدرعية اسم> قالوا: إن هذا الغار انفلق لابنة أحد الملوك أو أحد الصالحين، لما أرادها أحد الفسقة بسوء ليفجر بها؛ انفلق ذلك الغار، واختفت به وسلمت، من ذلك الفاسق، فكانوا يأتون إلى ذلك الغار يتمسحون به، ويتبركون بتربته، ويهرقون عليه الأدهان، ويعظمونه، ويذبحون عنده؛ مع أنه صخرة لا مزية لها، ولا أصل لتلك الحكاية - يعني أصلا صحيحا - فلما هداهم الله -تعالى-؛ حطموا ذلك المكان وأزالوه ومحوا أثره.
وكان هناك قبر في الجُبيلة اسم> يدعون أنه قبر زيد بن الخطاب اسم> زين لهم الشيطان لما عرفوا أن زيدا اسم> قتل في اليمامة، فأوحى إليهم أن تلك البقعة هي التي فيها قبر زيد اسم> فعند ذلك بنوا عليه بناية وصاروا يأتون إليه ويدعونه من دون الله: يا زيد اسم> اشفع لنا. يا زيد اسم> انفعنا، أعطنا.
فكان الشيخ في أول أمره عندما كان الشرك متمكنًا منهم يأتي معهم، فإذا قالوا: يا زيد اسم> أخذ يقول: الله خير من زيد اسم> الله أقدر من زيد اسم> الله أقوى من زيد اسم> الله أغنى من زيد اسم> ولا يقدرون أن يقولوا كذبت؛ لأنهم يعرفون أن من صفات الله -تعالى- كمال الغنى، وكمال القدرة، وكمال السمع، وكمال القرب؛ ولكن لم يقدر على مجابهتهم لأول مرة؛ حتى أقنعهم، فعند ذلك؛ هُدم ذلك المكان ومحي وأزيل أثره -والحمد لله-.
ذكر أيضًا أن هناك بقايا ممن يسمونهم أولياء، أشار الشيخ محمد بن عبد الوهاب اسم> -رحمه الله- إلى بعض الأسماء في رسالته التي سماها: كشف الشبهات ، فمنهم واحد اسمه تاج اسم> وآخر اسمه شمسان اسم> وآخر اسمه يوسف اسم> قبور كانوا يعظمونها من دون الله، وكانوا ينذرون لها، ويدعونها مع الله -تعالى-.
ذكرها أيضاً الشيخ ملا عمران بن رضوان ساك المنجى اسم> في قصيدته الدالية التي رد بها على من هَنَّد دعوة الشيخ -رحمه الله- والتي أولها قوله:
جـاءت قصيــدتهم تروح وتغتـدي | في سب ديـن الهـاشمــي محمـد اسم> |
الشـيخ شـاهد بعـض أهل جهالـة | يدعون أصحــاب القبــور الهمــد |
تاجــا اسم> وشمسـانا اسم> ومن ضاههمـا | مـن قبـــة أو تربــة أو مشـهد |
ولا شك أن لكل قوم وارث، وأن في هذه الأزمنة يكثر أو يوجد وإن كان الناس قد تبصروا كثير من المعابد. لما أن دعوة الشيخ -رحمه الله- تمكنت من هذه البلاد امتدوا حتى وصلوا إلى حدود العراق اسم> فوصلوا إلى النجف اسم> الذي تزعم الرافضة أنه قبر علي اسم> فهدموه، وأزالوا معالمه، ووصلوا - أيضاً - إلى كربلاء اسم> وفيه بنايات عظيمة للرافضة، يدعون أنه مشهد الحسين اسم> فهدمه أئمة الدعوة -رحمهم الله- وأزالوا معالمه.
ولكن الرافضة أهل حقد، وأهل بغض لأهل السنة، فلما محيت آثار هذه المعابد حقد الرافضة الذين في العراق اسم> على أئمة الدعوة، فأرسلوا قسيسا منهم، أو داعية من دعاتهم، وقالوا له: أنت فدائي ضحي بنفسك، وانتصر وانتقم للحسين اسم> ؛ حتى لا يعذبنا جميعا؛ حيث لم ننتصر له؛ فأظهر التنسك، وأظهر التعبد، وعكف في المسجد في الدرعية اسم> وأظهر أنه مهاجر، وأنه صادق في هجرته، ولما وثق به الإمام عبد العزيز بن محمد بن سعود اسم> -رحمه الله- واعتقدوا أنه صادق، عند ذلك قتل أو فجر في الإمام تفجيرًا قتله -رحمه الله تعالى- فلماذا فعل؟ انتقاما وانتصارا للحسين اسم> في زعمهم أنكم أبحتم حرمة الحسين اسم> وأزلتم معالم آثاره.
ولما رجع استعادوا تلك الأماكن، أعادوا إليها ما كانوا بنوه قبل ذلك إلى اليوم، وفيها اليوم بنايات عظيمة يقصدها الرافضة من كل مكان، يطوفون به يا حسين اسم> يا حسين اسم> يا علي اسم> ثم يتمسحون بتربته، يأخذون من طينه، مثل القطع الصغيرة يجعلونها بمنزلة الخدة الصغيرة يسجدون عليها، ولا يزالون على هذا. ولا شك أن هذا دليل على أن الشرك تمكن في المسلمين كما كان متمكنا في المشركين.
وهكذا - أيضًا- من يعتقدون في الأموات، ويتبركون بهم، لا شك أن الأمر عظيم، وأنهم وقعوا في شيء كثير من الشرك بالله -تعالى- فهناك من في مصر اسم> يعتقدون أنه لا يدخل مصر اسم> حبة من قمح حتى يأذن فيها السيد البدوي اسم> الذي يعظمون قبره هناك، ويطوفون به، وينذرون له، ويدعونه: يا سيد اسم> يا بدوي اسم> يا سيد أحمد بدوي اسم> يا سيد اسم> وكذلك عندهم أيضا قبر يقولون إنه قبر الحسين اسم> زين لهم أيضا الشيطان وأظهر أن الحسين اسم> دفن عندهم، فأهل العراق اسم> يدعون أن الحسين اسم> عندهم وأهل مصر اسم> يدعون أنه عندهم، وكل منهم في ذلك المكان يعظم ويدعو، وعندهم في مصر اسم> أيضا قبر يقولون: إنه قبر السيدة زينب اسم> .
وكل ذلك من تزيين الشيطان؛ وإلا فالميت سواء كان صحابيا أو صالحا أو وليا أو سيدا أو شهيدا قد انقطع عمله، فليس له قدرة على أن ينفع أو يشفع؛ فلذلك ندد الناظم -رحمه الله- بمثل هؤلاء:
ما يقصــد الجهال من تعظيم ما | لـم يـأذن اللـه بـأن يعظمــا |
كـمن يلـذ ببقعــة أو حجــر | أو قـبر ميـت أو ببعض الشجـر |
متخــــذا لذلك المكــــان | عيــدا كفعــل عـابدي الأوثان |
والواجب على المسلم أن يكون إقباله على ربه –سبحانه- إقبالا كاملا، وأن يبتعد عن تلك الأوثان والأصنام التي يعظمها من دون الله -تعالى- وأن يكون تعظيمه لربه، وأن يعبد الله حق عبادته، ويصد بقلبه عما سوى الله تعالى.
مسألة>