عيادة المريض سنة مؤكدة، وقد رأى بعض العلماء وجوبها. قال البخاري في صحيحه: باب وجوب عيادة المريض. ولكن الجمهور على أنها مندوبة أو فرض على الكفاية، وقد ورد في فضلها قول النبي صلى الله عليه وسلم: "إن المسلم إذا عاد أخاه المسلم لم يزل في خرفة الجنة حتى يرجع" رواه مسلم. (الخرفة: اجتناء ثمر الجنة) من كان مسافرا ولم يصل المغرب والعشاء فأدرك العشاء خلف إمام مقيم فالمختار أنه يصلي المغرب وحده، فإذا صلاها دخل معه في بقية العشاء، وذلك لاختلاف النية؛ فإن المغرب والعشاء متفاوتان بينهما فرق في عدد الركعات. هذا الذي نختاره. وأجاز بعض المشائخ أنه يدخل معهم بنية المغرب، فإذا صلوا ثلاثا فارقهم وتشهد لنفسه وسلم، ثم صلى العشاء، ولكل اجتهاده اللسان أمانة،استودعه الله عندنا وأمرنا بأن نستعمله في الذكر وفي العلم وفي التعليم وفي النصيحة وما أشبه ذلك، ولا نستعمله في غيبة ونميمة ولا في هجاء ولا في عيب وقذف وهمز ولمز وما أشبه ذلك. وهكذا بقية الجوارح أمانات داخلة في قول الله تعالى: (والذين هم لأماناتهم وعهدهم راعون) . الدين الذي في ذمة من هو قادر على الوفاء يزكى؛ لأنه بمنزلة الأمانة عنده، ويقدر صاحبه أن يأخذه ويتحصل عليه متى طلبه، وأما الدين الذي عند معسر أو مماطل ولو كان غنيا، فإن صاحبه لا يقدر على الحصول عليه، ولو طالبه قد يدعي الإعسار والفقر، فمثل هذا المال كالمعدوم، فلا زكاة عليه إلا إذا قبضه تعبير الرؤيا يرجع فيه إلى معرفة أشياء تختص بالرائي وما يتصل به، وكذا معرفة القرائن والأحوال، ومعرفة معاني الكلمات وما يتصل بها لغة وشرعا وما يعبر به عنها، وهذه الأمور ونحوها يختص بها بعض الناس لانشغالهم بمعرفتها وما يدور حولها، فعلى هذا لا يجوز لكل أحد أن يعبر الرؤى، فقد يفهم فهما بعيدا، وقد يأخذ التعبير من اللفظ لا من المعنى فيخطئ في ذلك.
شرح كتاب دليل الطالب لنيل المطالب
68634 مشاهدة
الماء النجس

...............................................................................


القسم الثالث: النجس الذي يحرم استعماله إلا لضرورة ولا يرفع الحدث ولا يزيل الخبث وهو ما وقعت فيه نجاسة وهو قليل، أو كان كثيرا وتغير بها أحد أوصافه.
المسألة الأولى فيها خلاف إذا وقعت فيه نجاسة وهو قليل هل تسلبه الطهورية أم لا؟ الصحيح أنها لا تسلبه إذا لم يظهر أثر النجاسة فيه لكن لا يجوز تعمد إلقاء النجاسة فيه، واختلف فيما إذا كان كثيرا ووقع فيه بول أو عذرة هل يسلب الطهورية؟ تذكرون حديث أبي هريرة الذي في الصحيح أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: لا يبولن أحدكم في الماء الدائم الذي لا يجري ثم يغتسل منه أو يغتسل فيه ثم جاء في رواية لا يغتسل أحدكم في الماء الدائم الذي لا يجري وهو جنب قيل لأبي هريرة كيف يفعل؟ قال: يتناوله تناولا.
فهذا الحديث أشكل أمره؛ لأن ظاهره أنه لو جاء إنسان إلى ماء ثغب أو مستنقع راكد ولو كان طوله عشرة أمتار وعرضه كذلك وعمقه متر فبال فيه إنسان ولو صغيرا أنه لا يطهر وأنه لا يستعمل؛ لأنه قال لا يبولن أحدكم في الماء الدائم الذي لا يجري ثم يغتسل فيه أو منه فلذلك أشكل هذا الحديث. الصحيح أنه لا يسلبه الطهورية، وإنما النهي عن البول مخافة أن يكثر الذين يتبولون فيه، ثم بعد ذلك يظهر أثر البول في ذلك الماء ويتنجس في النهاية. أما لو بال فيه مرة واحدة فإن البول يختلط به ولا يظهر أثره مرة واحدة.
وأما ما روي أن صبيا بال في بئر فأمر علي بنزحها فالرواية فيها نظر، والأقرب أنه أمر بنزح شيء منها ليخف أثر ذلك البول ولا يقال: إن البئر أصبحت نجسة.
قد ذكرنا لكم بالأمس حديث بئر بضاعة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: الماء طهور لا ينجسه شيء على ظاهره أنه لا ينجسه شيء لكن جاء في رواية: إلا ما غلب على ريحه أو طعمه أو لونه بنجاسة تحدث فيه مع أن هذه الرواية ضعيفة التي فيها إلا ما غلب ولكن ذكرنا أن الإمام أحمد يقول: ما ثبت في الاستثناء شيء ولكنهم أجمعوا على أن الميتة نجسة، وإذا كانت نجسة فوقع عظم من عظامها أو شيء من لحمها في ذلك الماء القليل فإنه ينجسه، فكذلك البول والغائط والدم والخمر وما أشبه ذلك من النجاسات. إذا خالطت الماء وغيرت أحد أوصافه سُلب الطهورية.
فهِمْنا الحين أن الفقهاء قالوا إذا كان الماء قليلا يعني دون قلتين ووقعت فيه نجاسة ولو بول آدمي فإنه ينجس ولو لم تغيره ولو بول صبي أو عظم ميتة مثلا، أو قطرات دم أو قطرات خمر أنه ينجس، ولا يتطهر به لا في رفع حدث ولا في زوال خبث. والقليل ما دون القلتين، والصحيح أنه لا ينجس إلا بالتغير قليل أو كثير، أي أن يظهر فيه .. ريحها أو لونها. يستثى من ذلك نجاسة الكلب، إذا ولغ الكلب في إناء أحدكم فليغسله سبعا إذا ولغ وكان الماء قليلا كقدح مثلا أو نحوه فإنه يغسل سبعا إحداها بالتراب كما جاء في الحديث، فعلى هذا الماء القليل الذي دون القلتين مثل الماء الكثير لا ينجس إلا بالتغير الكثير صرح به المؤلف يقول: أو كان كثيرا وتغير بها أحد أوصافه لونا أو طعما أو ريحا يعني: ولو كان كثيرا كجابية مثلا أو بركة أو نحو ذلك البيرات والخزانات سواء كانت سطحية أو كانت أرضية لا تنجس إلا بالتغير.
ذكر أن خزانا سقطت فيه هرة ولم يشعروا بها وأطبقوا عليها ماتت ولم يشعروا إلا برائحة الماء برائحة في ذلك الماء عندما يستعملونه، فهذه لما أنها ماتت وطال مدة موتها في الماء تغيرت مع أنها لو ماتت في البحر ما تتغير لملوحة البحر ولكنها تتغير في الماء العذب. ففي مثل هذه الحال لا بد أن ينزح ذلك الخزان ولو كان أكثر من قلتين أو من عشر قلل ينزح؛ لأنه ظهر فيه رائحة هذه الميتة، وكذا ذكر أن الخزان لو سقطت فيه حمامة وماتت فيه وأحس أهله بالرائحة عندما يريدون الشرب أو الطهارة فبحثوا ووجدوا فيه هذا الطائر الذي قد أنتن، فكان لا بد من نزحه. فالحاصل أنه إذا تغير بنجاسة سواءا كان قليلا أو كثيرا تغير طعمه أو لونه أو ريحه فإنه يسلب الطهورية .. قلتين والقليل ما دونهما جاء في ذلك حديث عن ابن عمر أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: إذا بلغ الماء قلتين لم يحمل الخبث وفي رواية: لم ينجس يعني: إذا كان الماء قلتين فإنه لا يحمل الخبث لا يظهر عليه أثر الخبث يعني أثر النجاسة. إذا بال فيه أحد فالغالب أن البول يضمحل أو وقعت فيه نقطة دم فالغالب أنها تضمحل ولا يظهر أثرها، وكذلك لو .. ثم أخرجت ولم يظهر أثرها لا طعما ولا لونا ولا ريحا فإنه لا يكون نجسا لا يحمل الخبث يعني: لا يظهر عليه أثر الخبث ولا ينجس وسكت عما كان دون القلتين فقالوا: إن ذكر القلتين وأنهما لا يحمل الخبث يفهم منه أن ما دون القلتين يحمل الخبث. يظهر عليه أثر الخبث وهذه تسمى دلالة مفهوم .
وقد اختلف في دلالة المفهوم هل يعمل بها أو لا؟ والأرجح أنه لا يعمل بها إلا بقرينة وحيث أن الأدلة الأخرى تدل على أنه لا يعمل بها كحديث الماء طهور لا ينجسه شيء لم يفرق بين القلتين وغيرهما ولو قربة واحدة. إذا لم يتغير أحد أوصافه فإن هذا لا يعمل به يعني هذا المفهوم، ثم الحديث مروي في السنن ولكن مع ذلك استغربه كثيرون ذكرنا أن الذي لم يعمل به شيخ الإسلام ابن تيمية وتبعه ابن القيم حيث تكلم عليه في موضعه لما تكلم على تهذيب سنن أبي دواد فإنه شرحها يعني: مواضع منها. شرحها وتكلم على هذا الحديث واستغربه؛ لأنه ما رواه أحد من تلامذة ابن عمر ما رواه عنه ابنه سالم وإنما رواه ابنه عبيد الله ولا رواه مولاه نافع ولا كان من طريق المشهورين من الرواة عنه؛ فلذلك استغربه قال: لو كان ثابتا لكان مما يهم ذكره ومما يشتهر التحديث به فكأنه يقول: ولو كان إسناده صحيحا لكن لما لم يشتهر رأينا أنه غير ثابت فيكون العمل بحديث أنس وحديث ابن عباس إن الماء لا يجنب الماء طهور لا ينجسه شيء وغيره. يقول: الكثير قلتان تقريبا واليسير ما دونهما.
ثم جاء في بعض الروايات إذا بلغ الماء قلتين من قلال هجر وهجر هي الأحساء وما حولها، كانوا يصنعون القلال من الطين وهي التي نسميها الأزيار التي تصنع من الآجر والطين المطبوخ يبرد فيها الماء، فيقول ابن جريج رأيت قلال هجر وإذا القلة تسع قربتين أو قربتين وشيئا فاحتاطوا وقالوا: نثبت الشيء ونجعله نصفا فنقول: القلتان خمس قرب من باب الاحتياط، والقلة هي هذه الجرة الكبيرة ثم قدروا خمس قرب بخمسمائة رطل بالعراقي، ويختلف الرطل باختلاف البلاد قالوا: ثمانون رطلا وسبعان ونصف سبع بالقدسي، وهذا يدل على أنه غير مفهوم، ولكن إذا قلنا: خمس قرب القربة المتوسطة التي هي قربة الوسط من الغنم، ثم قدروهما أيضا يقول: مساحتهما ذراع وربع طولا وعرضا وعمقا يعني: إذا قدرنا مثلا حفرة عمقها في الأرض ذراع وربع ومساحتها ظاهرا ذراع وربع طولا وذراع وربع عرضا، فهذه خمس قرب وهذه قلتان، فإذا كان الطرف الثاني ما وصل إليه رائحتها تزال هذه النجاسة ويكون طهورا إذا لم يتغير إلا طرف منه ولو شاهدناها باقية فيه، يسقط كثيرا في الآبار بعض الدواب يسقط بعير تسقط غنمة يعني كبش أو تيس ثم يموت ثم يخرجونه بعدما يموت، وبذلك يبقى الماء طرف منه متغير والباقي أو أسفله غير متغير.
إذا شك في كثرته على قول الفقهاء فإنهم يعدونه نجسا. إذا شك هل هذا الماء قلتان أو أقل من القلتين؟ فماذا؟ يقدر أنه قلتين وأنه أو أقل من القلتين وأنه ينجس على قولهم، وأما على القول الآخر أنه لا ينجس إلا بالتغير فإنه لا يلتفت إلى هذا الشك.
مسألة الاشتباه إذا اشتبه ما تجوز الطهارة به وما لا تجوز الطهارة به لم يتحرَّ وتيمم، وهذا على القول بأن هناك طاهر غير مطهِّر لا ندري. إذا كان هناك قدران أحدهما قد غمست فيه يد قائم من نوم ليل، أو مثلا مات فيه عصفور أو بال فيه صبي ولا ندري هل هو هذا القدر أو هذا القدر، فعلى قول الفقهاء أنك تتوضأ من غيرهما أو تتيمم لماذا؟ لأنك لا تدري ما هو الطاهر الطهور؟ وما هو النجس؟ أحدهما نجس والآخر غير نجس ولا تدري هل هذا أو هذا؟ مخافة أنك تتوضأ من هذا فيكون هو النجس.
وأما على القول الثاني أن النجس لا بد أن يتبين وتعرف فيه النجاسة طعما أو لونا أو ريحا، ففي هذه الحال نقول: لا يمكن الاشتباه؛ لأنك تنظر هذا وتعرف أن هذا هو الطهور الذي ما تغير وهذا هو الذي تغير هذا فيه أثر نجاسة طعما أو لونا أو ريحا فتبتعد عنه وتتوضأ بالثاني الذي هو طهور، وأما على قولهم أنه يكون نجسا ولو لم يتغير إذا مثلا سقطت فيه نجاسة ولم تغيره هم يقولون: لا يتحرى لا يقول: .. أتحرى أرجح هذا أو هذا؛ لأنه قد يخطئ إذا تحرى، وهل يريقهما؟ لا يريقهما يتيمم ولو كانا موجودين قد يأتي غيره ويميز بينهما. يأتي أحد أهل الدار فيقول نعم هذا هو الطهور وهذا هو النجس.
ومن علم بنجاسة شيء لزمه إعلام من أراد أن يستعمله إذا علمت بأن هذا الماء نجس، ورأيت إنسانا يريد أن يتوضأ منه وأنت تعلم يقينا في هذه الحال عليك أن تبينه فتقول: هذا نجس لا تستعمله؛ لأن هذا من النصيحة.